ارشيف من :أخبار لبنانية
"المذابح الصهيونية ومقدمات الترانسفير"(*)
(*)مقتطف من مقالة "البعد الديموغرافي لسياسات الترانسفير الإسرائيلية" ـ المصدر: مركز الجزيرة
الكاتب: نبيل السهلي
يندرج القرار العسكري الإسرائيلي رقم 1650 الصادر يوم الأحد 11/4/2010 في إطار السياسات الإسرائيلية الديموغرافية الهادفة إلى تفريغ الأرض الفلسطينية من عدد كبير من سكانها العرب الفلسطينيين، وتالياً القيام بعملية إحلال للسكان اليهود بغية الإخلال بالتوازن الديموغرافي في نهاية المطاف لصالح الإستراتيجية الإسرائيلية العليا.
ومن الأهمية الإشارة إلى أن المؤسسات الإسرائيلية سعت منذ عام 1948 إلى القيام بعمليات ترانسفير مباشرة من خلال استخدام القوة العسكرية القمعية، وغير مباشرة للفلسطينيين من خلال استصدار قرارات وقوانين إسرائيلية جائرة، تارة بحجج أمنية وتارة أخرى بمسميات التطوير والتحديث للبنى التحتية، ونجحت العصابات الصهيونية عبر ارتكابها للمجازر في عام 1948 وقبله من طرد غالبية الشعب الفلسطيني، وقامت الحكومات الإسرائيلية منذ إنشاء إسرائيل وحتى عام 2010 بابتكار سياسات إسرائيلية مدروسة لتهيئة الظروف لطرد مزيد من العرب الفلسطينيين والحد من تزايدهم الطبيعي المرتفع، فضلاً عن جذب مزيد من يهود العالم لقلب الميزان الديموغرافي لصالح اليهود.
وإن نجحت السياسات الإسرائيلية بشكل نسبي في توجهاتها، إلا أن وجود نسبة كبيرة من الشعب الفلسطيني في داخل فلسطين التاريخية -سواء داخل الخط الأخضر (1.4) مليون فلسطيني، أوفي الضفة الغربية (2.9) مليون ومن ضمنهم السكان العرب في مدينة القدس والبالغ عددهم نحو 230 ألف، وفي قطاع غزة (1.5) مليون فلسطيني- ما زال يؤرق أصحاب القرار والمؤسسات المختلفة في إسرائيل، ولهذا نرى تسارعا ملحوظا في وتيرة استصدار القرارات الإسرائيلية العنصرية التي تستهدف بمجملها اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم والقيام بعملية تهويد مدروسة تطال الأرض الفلسطينية وكذلك المعالم العربية المختلفة في فلسطين.
المذابح الصهيونية ومقدمات الترانسفير
لم تكن عملية اقتلاع القسم الأكبر من الشعب الفلسطيني صدفة تاريخية، بل تم التحضير لمشاريع الترحيل واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم منذ المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بازل السويسرية في نهاية شهر أغسطس/آب من عام 1897، وكان العنوان الأبرز من أجل التنفيذ ارتكاب المذابح بحق الفلسطينيين باعتبارها من أنجع الوسائل التي يمكن استخدامها من قبل العصابات الصهيونية لإثارة الرعب بين السكان العرب وترويعهم، وبالتالي حملهم على الرحيل.
وقد أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن في مذكراته أن المنظمات الصهيونية العسكرية قد قامت بطرد العرب، وهي التي نظمت عملية القتل والترويع ثم الطرد، وفي هذا السياق تشير الدراسات إلى أن عدد المذابح التي أمكن تسجيلها قد وصل إلى (34) مذبحة، منها (24) مذبحة في منطقة الجليل، وخمس مذابح في وسط فلسطين، وخمس مذابح في منطقة الجنوب.
وثمة سبع عشرة مذبحة نفذت في ظل احتلال بريطانيا لفلسطين قبل عام 1948، ودون تدخل يذكر من قبل الجيش البريطاني، في حين تمّ ارتكاب سبع عشرة مذبحة صهيونية بحق الفلسطينيين العزل بعد انتهاء الانتداب البريطاني، ومن أشهر المذابح دير ياسين، ومذبحة الطنطورة في قضاء مدينة حيفا، والمذبحة التي ارتكبت في قرية بلد الشيخ في قضاء حيفا، وكذلك في قرية الصفصاف في قضاء مدينة صفد، وعيلوط في قضاء مدينة الناصرة، ناهيك عن مذبحة مروعة ارتكبت بحق عرب المواسي، لكن أكبر المذابح كانت ارتكبت في الدوايمة قضاء مدينة الخليل.
ويمكن الكشف عن عشرات من المذابح الصهيونية في حال الوصول إلى رواة من القرى التي ارتكبت بحقها المذابح، لكنها لم تسجل لأسباب ضعف الإعلام من جهة وعدم وجود وعي كافٍ لتسجيل التاريخ الشفوي الفلسطيني ومن بينها المذابح.
ومن الوسائل التي سرعت في عمليات إفراغ القرى والمدن الفلسطينية من أهلها العرب الحرب النفسية والدعاية والحرب الإعلامية، حيث عمدت العصابات الصهيونية التي ارتكبت المذابح إلى فتح باب الخروج من إحدى جهات القرية لبعض من شهود عيان من أجل نشر الروايات حول الترويع الذي حصل بالفلسطينيين لحمل العرب الفلسطينيين على الرحيل إلى خارج فلسطين.
حقائق مثيرة حول الترانسفير (1948- 1967)
ثمة حقائق مثيرة حول الترانسفير الإسرائيلي، حيث تمّ طرد مبرمج لنحو (850) ألف فلسطيني في عام 1948 كمقدمة أساسية لفرض وقائع ديموغرافية يهودية في المناطق التي أقيمت عليها إسرائيل قبل 62 عاماً (1948-2010) واستمر مخطط التهجير الإسرائيلي، فأثناء احتلال الجيش الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1967 تم طرد 460 ألف فلسطيني بشكل مباشر وغير مباشر، وليطلق عليهم فيما بعد لقب نازحو العام المذكور.
وتشير تقديرات فلسطينية إلى أن مجموع النازحين الفلسطينيين قد وصل إلى نحو مليون ونصف المليون نازح في بداية العام الحالي 2010، ورغم عقد عدة جلسات للمفاوضات بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل حول عودة الفئة المذكورة إلى الضفة والقطاع فإن الطرف الإسرائيلي رفض عودتهم، بل على العكس من ذلك استصدرت إسرائيل قرارات عديدة منذ إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية في عام 1994 من أجل تعزيز توجهات المؤسسات الإسرائيلية في عدم عودة أي نازح فلسطيني، وبشكل خاص إلى مدينة القدس التي تتعرض إلى عملية تهويد مبرمجة من خلال محاولة ترحيل سكانها العرب في المقام الأول.