ارشيف من : 2005-2008
الجمعة آخر المهل قبيل الفراغ.. والرئيس الجديد في المخاض الأخير للولادة
كتب مصطفى الحاج علي
هل يأتي يوم الجمعة ويكون للبنان رئيس جديد للجمهورية، أم أن لعبة الفراغ ما زالت حاضرة في الحسابات؟
يستطيع الواحد منا أن يجمع مؤشرات مختلفة تدعوه الى التفاؤل لعل أبرزها التالي:
أولاً: ما أعلنه مؤخراً الرئيس بري من أن الأمور دخلت مرحلة الخلاص وقطع حبل السرة، ما يعني أن المولود الرئاسي بات جنسه معروفاً، وإن كانت عملية ولادته لم تكتمل بعد، وهي بحاجة الى بذل جهود اضافية لإخراجه من رحم المأزق، الى فضاء الوجود السياسي.
ثانياً: ما أعلنه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من تفاؤل خالف به مشاعره الغربية التي سبق وعبّر عنها أثناء زيارته الى بيروت.
ثالثاً: المواقف المستجدة للنائب جنبلاط، والتي ـ وبمعزل عن دوافعها الحقيقية ـ تشكل انقلاباً كاملاً على مواقفه السابقة التي لم تبرد حرارتها بعد، والتي تعود الى أسابيع قليلة الى الوراء. فجنبلاط يعلن لأول مرة تنازله عن خيار النصف زائد واحد، وهو الذي كان أكثر المتشبثين به، كما أعلن رفضه الانجرار الى الخيارات الصدامية في الشارع وأكثر من ذلك، أعلن صراحة أنه لن يخوض حرباً من أجل تنفيذ القرارات الدولية، وأنه مستعد لرئيس تسووي.
هذا، ولقد سبق لجنبلاط أن قال صراحة بأن هناك قراراً دولياً واقليمياً كبيراً لانجاز تسوية، وأن من سيقف في وجهه، فسوف يتعرض لـ13 تشرين سياسي.
بهذا المعنى، فإن جنبلاط يكون قد التقط وجهة الأمور مجدداً، فأحدث انعطافة أو تكويعة سياسية تجنبه دفع أثمان الوقوف في وجه تسوية يرى أنها ستكون حتمية.
رابعاً: إذا أخذنا بعين الاعتبار كلام جنبلاط الآنف، والجهد الدولي ـ الاقليمي غير المسبوق في تاريخ الاستحقاق الرئاسي اللبناني، فإن هذه مجتمعة كاشفة عن وجود توجه جدي لانجاز الاستحقاق الرئاسي، الأمر الذي يعني ضمناً تراجعاً نهائياً عن الخيارات الصدامية، وفي طليعتها خيار النصف زائد واحد، ما يعني حصر المساعي في اتجاه واحد هو الاتجاه الوفاقي.
خامساً: يمكن القول ـ وبموضوعية تامة ـ إن الادارة السياسية الدقيقة للمعارضة هي التي وفّرت الشروط الضرورية والمقنعة لكل من واشنطن وباريس وفريق السلطة بضرورة التسوية. فمن جهة استطاعت المعارضة ان تحفظ توازنات القوة لمصلحتها داخلياً، كما استطاعت من جهة أخرى ان تحافظ على تماسكها، اضافة الى قدرتها على بلورة كل الخيارات اللازمة للمواجهة في حال الاضطرار لها، وهذا ما فرض توازناً عاماً حشر واشنطن وحلفاءها بين خيارين لا ثالث لها: إما التوافق الذي من شأنه أن يوفر فرصة لواشنطن لحماية فريقها في لبنان، ويوفر فرصة أيضاً لبقاء مؤسسات الدولة بما قد يسمح لاحقاً الاستفادة منها بالاتجاه الذي ترغب به، وإما خسارة كل شيء، مع ما سيعنيه ذلك من انعكاسات على كامل الأوضاع في المنطقة، وبالاتجاه الذي لا يخدم مصالح واشنطن وحلفائها فيها.
سادساً: بدا واضحاً مؤخراً أن عقدة الاستحقاق الرئاسي تمركزت على نحو رئيس في الساحة المسيحية عموماً: فالجنرال عون سجل اعتراضات مبدئية وسياسية على آلية الاختيار، وتستند الى حجة سياسية قوية، فعون يرى نفسه المرشح الأقوى مسيحياً لكونه صاحب التمثيل الأوسع مسيحياً في المجلس النيابي، وصاحب التيار الشعبي الأكبر في الساحة المسيحية، وهو يرى أن معالجة التهميش المسيحي تنطلق من الاتيان برئيس قوي مسيحياً في مقابل ممثلين أقوياء في الطوائف الأخرى كالرئيس بري شيعياً، وسعد الحريري سنياً، إلا أن الأطراف المسيحية في فريق 14 شباط تصر على رفضها للجنرال، وكذلك فريق السلطة عموماً، وهؤلاء يرون أن عون يتساوى حضوراً وغياباً مع المرشحين بطرس حرب ونسيب لحود.
من جهته جعجع يريد مرشحاً على قياس المواصفات الاميركية من صفوف الرابع عشر من آذار، وأما فئة المسترئسين فلا ينظرون الى الاستحقاق الرئاسي إلا من زاوية طموحاتهم الشخصية.
وفي مطلق الأحوال، فإن تمحور العقدة الرئاسية في الشارع المسيحي أدى الى جلاء صورة مواقع الأطراف الأساسية فيها، حيث يدل بوضوح أن الجنرال عون الزعيم الفعلي لهذه الساحة، وأنه المعبّر الفعلي عن مطالبها، وأنه لا يمكن تخطي موقعه ودوره نظراً لوزنه وحجمه السياسيين، الأمر الذي جعل منه محور الاتصالات والمفاوضات التي من شأنها أن تحسم مصير الاستحقاق الرئاسي في لحظاته الأخيرة.
سابعاً: وحده السفير الأميركي أطلق عقب لقائه مع عون تصريحاً مخالفاً لكل ما تقدم، حيث أعلن عن أسفه ـ وللغرابة ـ على لبنان، داعياً الى التهيؤ للتعامل مع مرحلة الفراغ.
ثامناً: كل المؤشرات الآنفة تشي بأن معركة الاستحقاق الرئاسي شارفت على النهاية، وأن الجمعة قد يشهد بالفعل ولادة رئيس جديد للجمهورية، ويبدو أن اسم الوزير السابق ميشال إده بات محسوماً على هذا الصعيد، إلا اذا تبين أن ما يقوله فيلتمان هو الصحيح، فحينئذٍ سنكون أمام مناورة كبرى هدفها التالي:
أ ـ تبرئة الذمة بما يمهد الطريق نحو الفراغ.
ب ـ سحب الذرائع من أمام المعارضة، بحيث يصعب عليها القيام بأي رد فعل، وبما يمهد الطريق لانتقال هادئ ومنظم للسلطة الى حكومة السنيورة غير الشرعية.
قد تكون هذه الاحتمالات صعبة التصور، الا أن لا شيء مستحيل مع واشنطن وشيطنتها.
الانتقاد/ العدد1242 ـ 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2007