ارشيف من : 2005-2008
أكبر احتشاد سياسي ودبلوماسي لتمرير التوافق: المعارضة تحبط كميناً أميركياً وفريق السلطة مشتت
حفلت الساعات الأخيرة بأكبر احتشاد للمفاوضات بين الأطراف المحليين والاقليميين والدوليين لإيجاد مخرج توافقي للاستحقاق الرئاسي على اعتاب انتهاء الولاية الدستورية لرئيس الجمهورية العماد اميل لحود ليل السبت الأحد، وسواء حصلت معجزة في اللحظات الأخيرة وحصل التوافق أو عدمه فإن المعطيات السياسية التي شهدتها الأيام الماضية أظهرت فريق الرابع عشر من شباط "كحافلة" تسير بسرعة وفقدت مكابحها وهي على وشك السقوط في هاوية فيما يقوم من هم على متنها "بالقفز" عنها عشوائياً لعل ذلك ـ برغم ما سيسببه من جروح ورضوض ـ يكون أقل خسارة من الذهاب نحو هاوية تودي بشكل نهائي بمصالح القافزين المتشعبة فيما إذا بقوا على متنها حتى مسارها النهائي.
في هذا السياق تنظر المصادر المتابعة "وإن بحذر شديد" الى ما صدر من مواقف عن النائب وليد جنبلاط الذي فاجأ الكثيرين عندما أعلن على مدى يومين أنه مع خيار التسوية بأي ثمن بعدما كان هدد سابقاً "بالاعدام السياسي"، وأنه "خائن من يقبل بتسوية ممن هو في صفوف 14 آذار". فيما ترى مصادر أخرى أن جنبلاط يناور لتحميل المعارضة مسؤولية ما سيجري فيما لو جرى الذهاب نحو الصدام أو الفراغ. والأمر نفسه ينطبق على رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري الذي أدرك "انتهاء صلاحية" سلاحه الذي رفعه طوال سنتين، وهو سلاح الفتنة بين السنة والشيعة، هذا فيما كان رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع يبدو كمن تجري المياه من تحت أقدامه دون أن يدري، فتبخر قوله "أكيد، أكيد، أكيد سيكون هناك رئيس من صفوف 14 آذار قبل 24 تشرين الثاني"، كما ذهب مع الريح الخيار الذي طالما تحدث عنه بانتخابات تجري بالنصف زائد واحد. وبدا جعجع خلال الأيام الأخيرة كمن أوصل الى منتصف البئر من قبل حلفائه وجرى قطع الحبل به.
وبالإجمال بدا فريق السلطة مشتتاً ولا يدري على أي خيار يرسو، وهو يشاهد أمامه سيده الأميركي يدرك عمق مأزق مشروعه في لبنان، وهو يحاول انقاذ ما يمكن انقاذه، وإن تسبب ذلك بالتخلي عن مصالح بعض أركان فريق السلطة.
مقابل هذا الوهن الذي أصاب فريق السلطة وخياراته التي راهنت على المشروع الأميركي كانت المعارضة في وضع المتماسك والمبادر وتفرض شروطها الوطنية التي تحافظ على البلد ووحدته وثوابته الوطنية، وجاء ذلك:
أولاً: من خلال "تفكيكها" كميناً اميركياً كان منصوباً لها ويقضي بتمرير مرشح للرئاسة ظاهره توافقي وباطنه ايصال رئيس الى قصر بعبدا، ومن ثم استكمال المشروع الاميركي عبر تجديد مناكفة فريق السلطة للمعارضة عبر الحكومة المقبلة، والسعي الى استمرار استئثار فريق السلطة بالحكم مجدداً من خلال امتلاكه الأغلبية النسبية. وهو ما جرى تعطيله من خلال "خارطة طريق الاستحقاق الرئاسي" التي أطلقها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في خطابه التاريخي في مهرجان يوم الشهيد، وهو المسار الذي سلكته المعارضة لاحقاً من خلال التشديد على مرشح توافقي ضمن سلة متكاملة تشمل الرئاسة والحكومة والوضع الأمني خلال المرحلة المقبلة.
ثانياً: بدت قوة المعارضة من خلال وقوفها "بكل قوة" خلف مرشحها العماد ميشال عون أو ما يقبل به الأخير؟ ولا شيء غير ذلك"، فإذا حصل التوافق عليه كان الحل، وإذا لم يتم يكون الحل عبر رئيس انتقالي يزكيه عون ويكون برنامجه ادارة الأزمة وتحضير قانون انتخاب وصولاً الى إجراء الانتخابات النيابية عام ألفين وتسعة.
وعلى هذا الأساس جرى التعاطي مع لائحة المرشحين لرئاسة الجمهورية التي وضعتها بكركي، ففيما سارع النائب سعد الحريري في لقائه الأول مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الى "شطب" مرشحي فريق السلطة المعلنين النائب بطرس حرب والنائب السابق نسيب لحود، "وناور" بطرح النائب روبير غانم وعينه على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة دون أن يتمكن من تمرير مشروعه، كانت المعارضة تتمسك بالعماد عون ما يقبل به لجهة ترشيح الوزير السابق ميشال إدة. وعلى هذا الأساس جرت المفاوضات خلال الأيام الماضية التي شارك فيها وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى.
وكانت تشهد مواكبة دبلوماسية اقليمية ودولية على أرفع المستويات لم يجر مثيلاً لها تجاه لبنان الا خلال عدوان تموز العام الماضي، وقد توجت هذه الاتصالات أمس باللقاء الذي جرى بين النائب العماد ميشال عون والنائب سعد الحريري إثر اتصال بالطرفين أجراه الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي الذي تدخل في اللحظة الأخيرة على هذا المستوى لينقذ المبادرة الفرنسية قبل أي شيء آخر. لكن لقاء عون الحريري انتهى دون الاتفاق على مخرج حيث أصرّ الحريري على طرح مرشح من قبله هو النائب روبير غانم لمدة سنتين، وهو ما رفضه عون الذي أكد على حقه بالوصول الى منصب رئاسة الجمهورية.
هلال السلمان
الانتقاد/ العدد1242 ـ 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2007