ارشيف من : 2005-2008

عيترون: الجميع حاضر باستثناء الدولة

عيترون: الجميع حاضر باستثناء الدولة

تصدرت عيترون خلال عدوان تموز 2006 عناوين الأخبار وتحولت الى كل الحكاية، فهذه البلدة الحدودية شكلت مع جاراتها بنت جبيل ومارون الراس وعيناتا الأضلع الأربعة لمربع الصمود الشهير، فكانت ان لامست تلاوين النصر بكل ألوان الطيف.

وبعد.. غابت اليوم تلك البلدة عن الأخبار وتلهت بمشاكلها التي تحاصرها بعد ان هزمت العدو على بابها.
عيترون اليوم كالعشرات من القرى الجنوبية تشغلها اعادة الإعمار والزراعة والظروف المعيشية وكل نتائج الحرب، يضاف اليها مشكلة قضم الأراضي التي يتشارك فيها كل من الإسرائيلي والدولي.
اما في الاعمار، فمن المعلوم ان المملكة العربية السعودية كانت تبنت دفع تعويضات الأضرار التي لحقت بالبلدة جراء العدوان مع 24 بلدة جنوبية اخرى، اضافة الى اربع قرى خارج منطقة الجنوب. كما قامت المملكة بتمويل بناء 48 وحدة سكنية من البيوت الجاهزة في منطقة "المطيط" في خراج البلدة، حيث تحولت تلك المنطقة الى حي عرف باسمها. وقد وعد السفير السعودي عبد العزيز خوجة لدى افتتاحه المشروع بأن تسير عملية دفع التعويضات وفق آلية سريعة لتسهيل الإعمار وعودة الناس الى بيوتهم.
يشار الى ان عدد المنازل المدمرة كليا في البلدة هو مئتان، اضافة الى 150 وحدة سكنية مدمرة جزئيا، ونحو 1100 منزل متضرر بنسب متفاوتة تبلغ مجموع تعويضاتها نحو 20 مليون دولار.
اليوم.. وبعد مرور سنة وأشهر على وقف الاعمال الحربية وحوالى السنة على الوعد السعودي، لم ينجز ملف التعويضات برغم تأكيد مجلس الجنوب عبر رئيسه قبلان قبلان منذ حوالى 11 شهرا، "بأن عددا من القرى تم انجاز ملفاتها بالكامل، من بينها صريفا وعيترون، وهما من اكبر البلدات التي توجد فيها وحدات سكنية مدمرة كليا او جزئيا، او اضرار مختلفة، وجرى تحويل ملفاتها الى رئاسة مجلس الوزراء".
يقول رئيس بلدية عيترون سليم مراد انه "جرى في المرحلة الأولى دفع التعويضات التي لا تتجاوز قيمتها اثني عشر مليون ليرة، طالت ما يقارب ثمانمئة منزل متضرر من أصل ألف ومئة منزل، فيما قررت شركة الخطيب وعلمي إعادة التدقيق في المنازل المهدمة وعددها مئة وخمسون منزلاً، إضافة الى أربعمئة وثلاثين منزلاً من المنازل المتضررة.. وبعد انتهاء التدقيق دُفع نصف المبلغ الاول من تعويض بدلات الهدم لعدد من المنازل، فيما لم يحصل الباقي على شيء حتى الآن! كما ان تعويضات الاضرار دُفع منها 12 مليون ليرة فقط ولم يدفع الباقي أيضا". لافتا الى ان "آخر موعد جرى دفع تعويضات فيه كان منذ اشهر". وهنا يتساءل الاهالي عن مصيرهم على ابواب الشتاء الثاني بعد العدوان، فيما الدولة لا تحرك ساكنا، والدولة المانحة غائبة عن همومهم برغم انها تعرفها اكثر من دولتهم.
وفي حين لم تتدخل الدولة لمعالجة مشاكل البنى التحتية التي تعرضت لأضرار خلال العدوان، فقد تمكنت بلدية عيترون بالتعاون مع عدد من الدول والمنظمات المانحة، من اصلاح معظم الاعطال ‏التي أصيبت بها شبكة المياه مثلا.. كما ان التعاون بين البلدية ودولة الامارات العربية المتحدة أدى الى اعادة ترميم مدارس البلدة وبناء ‏ما تهدم منها.. والمستوصفات ايضا جرى ترميمها بجهود من البلدية ومنظمات عربية ودولية، ‏وجرت محاصرة جميع الاضرار التي لحقت بالمؤسسات التربوية.
ولا تنتهي المشاكل في عيترون عند هذا الحد، بل تتعداها الى حدودها الجنوبية التي ما عرفت الاستقرار طوال العقود التي سكنها العدو المغتصب، الذي امتدت يداه الى أراضي البلدة الزراعية. ففي شباط/ فبراير الماضي أقدمت قوات من جيش الاحتلال الصهيوني على منع بعض المزارعين من اهالي البلدة من الدخول الى اراضيهم الواقعة عند الحدود اللبنانية الفلسطينية تحت مراقبة قوات اليونيفيل الموجودة في المنطقة، من دون معرفة الاسباب او خلفيات محددة لهذه الخطوة. ويشير مصطفى توبة إلى "أنهم اعتادوا منذ عقود زراعة هذه الأراضي، وهم لم يواجهوا في أي مرة صعوبة في الوصول اليها أو زراعتها"، كما "انه لم تقم أي مشكلة على ملكيتها من جانب قوات العدو، وكنا نزرعها تحت أنظار جنود الاحتلال على التلة المقابلة وتحت أنظار جنود اليونيفل ومراقبي خط الهدنة الذين كانوا يلقون التحية علينا، وكثيرا ما كانون يشاركوننا شرب الشاي أثناء المواسم الزراعية". وتساءل توبة": ما الذي استجد الآن حتى سلبونا أرضنا؟ ولماذا الآن بعد وصول الجحافل الدولية؟".
يؤكد رئيس بلدية عيترون المهندس سليم مراد ملكية الأهالي لهذه الأراضي و"ذلك ثابت منذ عقود في أرشيف البلدية التي أعطت العديد من مستندات العلم والخبر على هذه الأراضي، كما ان جميع المخاتير في البلدة يثبتون لبنانية هذه الأرض ووقوعها ضمن النطاق العقاري لبلدية عيترون التي تمتد إلى حدود بلدة المالكية المحتلة أيضا. ويعد هذا من جملة اختراقات يقوم بها جيش الاحتلال على الحدود مع لبنان".
ويقدر الأهالي حجم الاعتداء الجديد على أراضيهم بأنه تجاوز عشرات الدونمات، حيث ان أضيق منطقة جرى اقتطاعها من داخل أراضيهم بعمق أمتار قليلة فيما تجاوز هذا التغيير 60 مترا في مكان آخر، ومنع الجنود الإسرائيليون المزارعين من الوصول إليها، وهددوهم بالأسلحة كما أحرقوا مزروعاتهم من القمح ومنتجات أخرى.
يشير مصدر دولي إلى أن "النقاط مثار الخلاف هي في الأصل أراض تقع إلى جنوب الخط الأزرق (ضمن أراضي فلسطين المحتلة)"، وأن "القوات الإسرائيلية وبعد الانسحاب من جنوب لبنان في أيار 2000 وجدت أنه من الصعب عليها من الناحية التكتيكية حماية هذه النقاط، خاصة مع ارتفاع احتمال خطف جنود إسرائيليين من قبل حزب الله". وبالتالي، يكمل المصدر الدولي، ان "الجيش الإسرائيلي وجد انه من الأفضل التمركز في مناطق يسهل حمايتها وعدم الحضور في هذه النقاط التي بمعظمها أراض حرجية أو وديان أو أراض مكشوفة". وقد شكل الجيش اللبناني لجنة مختصة للبحث بهذا الموضوع.
عيترون رابضة كقلاعها في وجه العدو.. تقاوم بدم شبابها وصمود أبنائها وتشبث رجالها بأرضهم وحقولهم حتى آخر متر منها..
علي الصغير
الانتقاد/ العدد1242 ـ 23 تشرين الثاني/نوفمبر2007


2007-11-23