هل يجد اللبناني التواق الى دولة تقيه شرَّ الأزمات، حضناً يقي أولاده صقيع الشتاء الذي تأخر، وحين دهم كان قاسياً ببرودته؟
|
لم يعد الحديث عن الاستعداد لفصل البرد يجدي أو يخفف من وطأته، كما في "البقاع"، حيث لم يكن متاحاً للأهالي الذين يعيشون كغيرهم من اللبنانيين في ظل واقع اقتصادي اجتماعي ومعيشي صعب امكانية الاستعداد وتحضير مؤونة تقيهم البرد القارس.. فالمواسم الزراعية داؤها بات معروفاً للجميع في ظل حكومة غير دستورية لم تولِ هذا القطاع الاهتمام اللازم. أما من ينتظر الراتب فله حكاية الافلاس المسبق التي لم تعد غريبة عن أي مواطن، لا يكفيه راتبه لقضاء حاجة واحدة من حاجات العائلة، ناهيك عن التزامات الأسرة، وأهمها الاقساط المدرسية.
في ظل هذا الواقع كيف يعمل المواطن لتأمين حاجته من الوقود لفصل الشتاء، علماً بأن الدعم الذي قررته حكومة السنيورة (3000 ليرة على صفيحة المازوت) أخذت زيادة سعر الصفيحة تأكله شيئاً فشيئاً مع انتظار أن يعود السعر الى ما كان عليه قبل "الدعم".
لقد اعتاد أهالي البقاع الاستعداد لفصل الشتاء من خلال تحضير خزانات مليئة بمادة المازوت خوفاً من موجات البرد والصقيع وانقطاع الطرق وفقدان المحروقات، لكن يدخل شتاء هذا العام بعقده دافعاً المواطن إلى أتون معركة تشتعل فيها أسعار المحروقات وتتجمد فيها أوصال الأطفال والنساء والرجال من البرد على حد سواء، من دون أن يتمكن أحد من ملء حتى غالون واحد من المحروقات.
الامر لا يتوقف عند سعر مادة المازوت غير المحتمل، فإلى جانب ذلك لجأ بعض التجار الى الغش من خلال خلطها بمواد أقل قيمة مثل الزيت المحروق الناتج عن استخدامه في محركات السيارات.
واقع الازمة المعتادة عند كل فصل شتاء كان يدفع المواطنين الى اعتماد الخيارات البديلة عن المازوت، كمدافئ الحطب، ولكن أمام هذا البديل اليوم عقبات كثيرة تحول دون تمكن أي مواطن من اللجوء اليه؟
فبعض المواطنين كانوا يقومون بجمع الحطب من الأحراج أو يشترونه من الحطابين، إلا أن عاملين أبعدا هذا الخيار هما:
|
صناعة المدافئ من الموقدة التي كانت تنتشر في منازل الطين وزوايا البيوت القديمة وتأخذ اليوم في البيوت الحديثة شكلا جديداً.. الى مدفأة الحديد التي تعمل على احتراق مادة المازوت، فالمدفأة الكهربائية و"الشوفاج" رحلة في عالم التدفئة التي طالما هي حاجة كل انسان على طول عمر البشرية. وبرغم هذه الرحلة الطويلة بقيت مدفأة المازوت هي الحاضرة دوماً، خصوصاً في المناطق الجبلية والباردة. وفي لبنان أخذت صناعة المدافئ وتجارتها طريقها إلى النمو والتطور، لا سيما في منطقة البقاع التي تشتهر ببعض المصانع المتخصصة بهذه الحرفة. والتطوير الذي طال المدافئ يلحظ أمورا عديدة: ـ إدخال بعض الزخرفات النحاسية على الشكل الخارجي. ـ زيادة سماكة الحديد في الغلاف الخارجي للمدفئة. ـ ادخال تقنيات إلكترونية وميكانيكية لزيادة التدفئة وتوفير استهلاك الوقود. يتراوح سعر المدفئة بين 20 دولاراً في حده الأدنى، فيما يصل سعر بعضها إلى ثلاثة آلاف دولار أميركي، ومصروفها لا يقل عن عشرة براميل في السنة، الا أن مثل هذه المدفأة يقتنيها الأثرياء كما يقول الحاج علي ـ أحد تجار ومصنعي المدافئ في البقاع ـ ويضيف: "ان أسعار المدافئ تتراوح بين ثلاثين دولاراً وثلاثة آلاف دولار بحسب الامكانيات التي باتت بالغالب ضعيفة! وصحيح أن صناعة المدافئ تطورت، الا أن المبيع يتراجع بسبب الأوضاع الاقتصادية الضيقة التي تدفع الناس إلى صيانة مدافئهم القديمة واستعمال المال لشراء المحروقات". |
ـ ارتفاع سعر طن الحطب ليصل إلى 150 دولاراً، يعني بمعدل يساوي سعره سعر برميل المازوت.
ـ انحسار رقعة الأحراج الى حد انعدامها بسبب القطع المستمر لأهداف تجارية أو الحرائق. ومع ذلك فإن هذه التجارة ما زالت رائجة إلى حد ما، والفضل يعود إلى السياسات الزراعية المجحفة والفاشلة التي تدفع بعض أصحاب البساتين لقطع أشجارهم ليستفيدوا من حطبها في تمضية فصل الشتاء، وما يزيد عن حاجتهم باعوه للاستفادة من ثمنه في بعض احتياجات عوائلهم.
ولأن الإنسان لا يعدم الوسيلة فإن بعض أهالي البقاع ابتكر وسيلة جديدة للتدفئة، من خلال مدافئ تعمل على نشارة الخشب الذي يجري خلطه بزيت المحركات، وبعضها على مادة زيت المحركات، إلا أنها شديدة الضرر بالبيئة والصحة، لكنها تستخدم في المحلات والورش لكسر صقيع الشتاء.
ولكن مع تعادل الأسعار وتوازي الأضرار باتت المدافئ التي تعمل على المازوت هي المعتمدة بشكل كبير وأساسي في البيوت والمؤسسات لسهولة استخدامها، وباتت المدافئ العاملة بواسطتها أكثر انتشاراً، يأتي بعدها المدافئ العاملة على الحطب.
بالتأكيد فإن حكومة السنيورة ليست هي الحضن الدافئ الذي سيقي اللبنانيين برودة الشتاء القارسة.
عصام البستاني
الانتقاد/ العدد1242 ـ 23 تشرين الثاني/نوفمبر2007