ارشيف من : 2005-2008
حادثة مخيم برج البراجنة: مشكلة فردية محدودة في أجواء محمومة
كتب حمزة البشتاوي
تشهد المخيمات الفلسطينية كغيرها من التجمعات الشعبية المكتظة بالسكان إشكالات فردية وعائلية تشكل في بعض نواحيها استنزافاً مؤلماً للمجتمع الفلسطيني ومشروعه الوطني، وذلك وسط تشخيصات متباينة تدور حول ظروف ذاتية بنيوية في المجتمع، إضافة لظروف موضوعية قائمة لتبرير ما حدث.
ومن المعلوم أن مجتمعنا يعاني كثيراً من تغلغل ثقافة العنف في واقعه اليومي وزيادة الخطاب الجسدي في السلوك والممارسة، وكثيراً ما يقوم أفراد من المجتمع الفلسيطني، شأنه في ذلك شأن المجتمع العربي، بحسم خلافاتهم الفردية جسدياً، فتنقلب التناقضات الاجتماعية السلمية إلى تناقضات عنيفة ضارة.. وإن كان تجمع عائلات اللاجئين الفلسطينيين معا قد أوجد روحاً من التضامن والتكافل الاجتماعي ساهم في الحفاظ على الهوية والانتماء الوطني وإيجاد مناخ اجتماعي رافض لمحاولات التوطين ونسيان فلسطين، حيث ما زال الطفل الفلسطيني يعرف عن نفسه بقريته أو بلدته المحتلة في فلسطين، فإنه لا بد من الإشارة الى أن التعصب القبلي والعشائري هو سمة من سمات المجتمع الفلسطيني والعربي، فقد تحدث مشكلة ما بين أفراد من عائلتين لأتفه الأسباب في ظل أوضاع ومخاطر محدقة بالوضع الفلسطيني والمحيط الحاضن له ولقضيته، فتقوم بعض الجهات السياسية وغيرها بمحاولة استثمار المشكلة وتحميلها ما لا تحتمل خدمة لغاياتها وارتباطاتها ومصالحها، وهذا ما حصل في مخيم برج البراجنة الأسبوع الماضي، حيث كانت أجواء المخيم عادية جداً ولم يكسر من رتابتها سوى موعد صلاة الجمعة، حيث يتوجه المصلون إلى مسجد المخيم الذي لا يتسع لهم فيفترشون مدخله والأزقة الضيقة المحيطة به.. ولم يكن هناك شيء غير عادي، بما فيها الخلافات الفردية التي تحصل بشكل يومي في المخيم كما تحصل في أي من الأحياء الشعبية، فيتناولها الناس كما يتناولون فنجان قهوتهم الصباحي.
وهذا ما حدث يوم الجمعة 16/11/2007 عندما وقع إشكال فردي بين ثلاثة أشخاص ينتمون الى عائلتين من سكان مخيم برج البراجنة، ثم تطور الخلاف بينهم من تشابك بالأيدي إلى إطلاق رصاص أدى لإصابة ثلاثة أشخاص، واحد منهم استدعت اصابته نقله الى المستشفى. ومع ذلك لم يكن ما حصل حدثاً استثنائياً كبيراً برغم رفضه وعدم القبول به، ولكنه مع الأسف متكرر الحدوث بين الفترة والأخرى في المخيمات وغيرها من المناطق في لبنان، حيث اعتاد اللاجئون الفلسطينيون إشكالات كهذه يسارع الجميع من المعنيين ووجهاء العائلات لمعالجتها ومصالحة المتخاصمين، بالتزامن مع وضع اجراءات رادعة لمنع تكرارها.. وهذا ما حصل في حادثة مخيم برج البراجنة.
ولكن الاستثنائي في هذه الحادثة هو الوقت الذي حصلت فيه، وليس في ظروفها وأسبابها، مع الإشارة لأهمية المكان، حيث يقع المخيم الذي تبلغ مساحته حوالى 100 دونم مؤجرة من قبل (الأونروا)، ويبلغ تعداد سكانه حوالى 18500 نسمة، في ضاحية بيروت الجنوبية التي يطلق عليها الكثيرون لقب عاصمة المقاومين والشرفاء في العالم.
ويعاني سكان مخيم برج البراجنة من أوضاع بالغة الصعوبة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، وهم برغم ذلك الوضع أبناء قضية عادلة ومقدسة، ويتمسكون بحقوقهم المشروعة في وطنهم وفي مقدمتها حق العودة. وهم يشعرون اليوم بأنهم وحقوقهم يتعرضون لمخاطر كبرى عبر ما يُحضر في دهاليز خريف واشنطن، بالتزامن مع محاولات وسعي أطراف متعددة، من مشاريع لطمس القرار 194 المتعلق بحقهم في العودة الى ديارهم، ولتمرير القرار 1559 الذي يشعر الفلسطينيون بأن أصحابه ومنظريه يسعون لفرض مشروع التوطين والتهجير عليهم من خلاله عبر قيام بعض القوى الخاضعة للإدارة الأميركية بتسخير امكانياتها وماكيناتها الاعلامية لتشويه صورة الفلسطينيين، وتصوير مخيماتهم على أنها بؤر أمنية يجب التخلص منها وليس معالجة مشاكلها المتراكمة عبر سنوات اللجوء القسري منذ العام 1948.
وإن كان هناك تأكيد وإجماع على أن حادثة مخيم برج البراجنة هي حادثة فردية عولجت بسرعة، إلا أن تعاطي بعض وسائل الإعلام معها زاد من حدة الهواجس والتخوفات لدى الفلسطينيين ومحيطهم الذي تربطهم به علاقات أخوية ونضالية صادقة لا ترضي أصحاب سياسة فرّق تسد التي يعزف على وترها المتضررون من أي حالة وفاق واستقرار، فيصنعون كما يقال المثل الشعبي "من الحبة قبه". وللدلالة البسيطة على ذلك أنه بعد انتهاء حادثة مخيم برج البراجنة مباشرة وأثناء وجود أحد مراسلي القنوات الفضائية مع أهالي وفعاليات مخيم البرج، ظهر على الشريط الاخباري للقناة التي يراسلها خبر عاجل مفاده تجدد الاشتباكات في مخيم برج البراجنة، فسأله الأهالي عن ذلك الخبر فقال معتذراً: سأتصل أمامكم بالمحطة لأنفي صحة الخبر، فما كان من محطته الا أن سألته: هل يوجد الآن اطلاق قذائف صاروخية!
فعاد يجدد اعتذاره للناس ونفيه للمحطة التي يراسلها والتي خاب ظنها، وعادت عربات النقل الخارجي والكاميرات الى مكانها من دون أن تدرك أو على الأصح هي لا تريد أن تظهر بأن سكان مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين الذين وصلوا الى لبنان منذ نكبة عام 1948 لهم معاناتهم المتفاقمة ومميزاتهم الخاصة وتفاعلاتهم العميقة التي أثرت وتأثرت بالمجتمع اللبناني. ولكن في ظل محاولات زرع الفتن والتوتير كما تريد الإدارة الأميركية وأتباعها الجدد الذين تزعجهم على أقل تقدير علاقة المخيم بجواره، والتي تبدلت مع وجود المقاومة الاسلامية في لبنان.. فبعد أن كانت العلاقة تتسم بالحذر والهواجس والمشاحنات، هي اليوم تتراوح بين فترات من تفاعل حميم وعطاء متبادل ضد المخاطر المحدقة بفلسطين ولبنان والأمة.
(*) أمين سر اتحاد الكتاب الفلسطينيين في لبنان
الانتقاد/ العدد1242 ـ 23 تشرين الثاني/نوفمبر2007