ارشيف من : 2005-2008
مؤتمر انابوليس: محاولة لإعلان أخوية العرب و"إسرائيل" في وجه إيران
كتب يحيى دبوق
لا تتفكك المطالب الأميركية في المنطقة بعضها عن بعض، لجهة الخطط الموضوعة أو الاهداف المراد الوصول إليها، بدءا من الجبهة الايرانية حيث التقدير باتجاه عمل عسكري اميركي ضد إيران ومنشآتها النووية غير مستقر بالمعنى السلبي لناحية الإدارة الاميركية، مرورا بأزمة الجيش الاميركي في العراق وإخفاقاته المتواصلة فيه، وما تشهده حاليا من "تراجع" في حجم الإصابات الأميركية المرتبطة بالأزمة الكلية للمنطقة، وصولا إلى الجبهة السورية والساحتين اللبنانية والفلسطينية، حيث آلية التشابك وتموضعات القوى المتواجهة والقائمة فيها، يزيد من تعقيدات القدرة على استقراء الاهداف الأميركية الموضوعة للمديين القصير والمتوسط في هذه الساحات.
انطلاقا من ذلك يجب قراءة أي تحرك اميركي في المنطقة وباتجاهها، ومن بينها بالتأكيد الاهداف الأميركية الموضوعة لمؤتمر أنابوليس المزمع عقده في السابع والعشرين من الشهر الحالي، والذي يجري تغليف استهدافاته بعناوين مرتبطة بالصراع العربي الاسرائيلي، بشقه الفلسطيني تحديدا، مع علم كل الاطراف الاساسية فيه ان لا سبيل في الظروف الحالية، وربما في المستقبل أيضا، للوصول إلى اتفاق حد ادنى مقبول اساسا من قبل الإسرائيليين والفلسطينيين، ولديهما القدرة على تنفيذه لاحقا.
من الواضح ان مؤتمر أنابوليس، أو الرؤية الأميركية الدافعة إليه، جاءت نتيجة غلبة تيار في الإدارة الأميركية متمثل في وزيرة الخارجية كونداليزا رايس، على تيار معاكس متمثل في نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني وبعض المحافظين الجدد الآخرين في الإدارة الأميركية وخارجها، والذي يطرح (الثاني) رؤية ثبت في العراق فسادها. هذه الغلبة وإن كانت لا تشير بشكل نهائي الى وجهة اميركية ثابتة، الا انها انعكاس طبيعي لثبوت فشل الطرح المعاكس (الاعمال الهجومية العسكرية)، والامكانية المرتفعة التي يحكى عنها اميركيا في سحب الجيش الاميركي من العراق أو تجميعه فيه بعد رحيل الإدارة الأميركية الحالية.
ضمن هذه الظروف الموضوعية (المادية) التي تحيط بالمشروع الاميركي في المنطقة، يجب على الإدارة الأميركية كيفما اتجهت الامور، ان توجد محورا اقليميا مساندا ومعاكسا في وجه الممانعين للمشروع الاميركي في المنطقة، أي الاطراف الاقليمية التي فشلت عملية احتلال العراق في تطويعها: (إيران وسوريا ولبنان وفلسطين). وتشتد مطلوبية هذا المحور في حال اتجهت المسائل ضمن فرضيات متطرفة قبيل رحيل الإدارة الأميركية الحالية أو لدى الإدارة المقبلة.. (خيارات عسكرية ضد إيران أو سوريا).
يأتي مؤتمر أنابوليس في هذا الاطار وفي خدمته برغم مسمياته واستهدافاته العلنية، ذلك ان المؤتمر بعنوانه المطروح (النزاع الفلسطيني الاسرائيلي)، يشكل عنصر جذب يمكن المراهنة عليه لتحطيم حاجز "شبه متداعٍ" بين "إسرائيل" وما يسمى بالدول العربية المعتدلة، كتوطئة لتشكيل المحور المراد تشكيله في وجه المحور المعادي، وإيران تحديدا. وهو محور (معادٍ لايران) من العسير الدعوة اليه ابتداءً وبشكل صريح وواضح. كما انه من العسير تشكيله في ظل وجود الموضوع الفلسطيني الذي لم يشهد حلا له، ويبدو انه عصي على الحل أيضا.
استخدام على القضية الفلسطينية، بمعنى ان المؤتمر يستهدف إيجاد حل لها أو توطئة حل يخدم هذا الاتجاه، إذ يسهل على الأنظمة العربية "المعتدلة" ـ أمام شعوبها ـ إقفال القضية العربية المركزية (فلسطين) ورفع الخطر الإيراني ـ أو الشيعي بحسب التعبيرات الأميركية ـ إلى مرتبة الخطر الداهم عليها، من منازعة مع أخطار أخرى تحتل في العقل الجمعي العربي مكانة الصدارة.
هذه القراءة تسهّل فهم الاصرار الاميركي على انجاح المؤتمر، بمعنى عقده أساسا، ثم الاصرار على المضي فيه برغم كل التوقعات التي تكاد تجزم بتواضع مضمون انجازاته ـ لجهة القضية الفلسطينية ـ إن كانت هناك انجازات في الاساس. فبرغم المشاكل المثارة امام المؤتمر، وبرغم الفشل في دفع الإسرائيليين والفلسطينيين للوصول إلى بيان مشترك، لكن الاصرار الاميركي ما زال متواصلا، إذ ان واشنطن كما يرى معظم المعلقين الإسرائيليين في هذا المجال، "ترى في اظهار تقدم على المسار الاسرائيلي الفلسطيني تأثيرا ايجابيا في بناء تحالف معتدل قادر على مواجهة إيران والتطرف الشيعي".
التوقع ان يفضي المؤتمر برغم توسيع دائرة المدعويين اليه، بما يشمل سوريا أيضا، إلى صفر نتائج على الصعيد الفلسطيني، بل إلى نتائج ما دون الصفر في معنى التطلع إلى المصالح الفلسطينية، حتى من منظور منطق التسوية والركض خلفها. لكنه في الاساس يشكل توطئة أو بدء تحرك اميركي ضروري لكسر قشرة الجليد القائمة بين بعض الدول العربية (المعتدلة) و"إسرائيل"، وصولا إلى تشكيل المحور المنشود لمواجهة إيران وحلفائها أو المساعدة في هذه المواجهة، سواء مع سوريا أو من دونها ـ حيث يحتاج التوجه الاميركي المتشكل حاليا نحو دمشق إلى قراءة خاصة ـ إذ ان مآلات الوضع الاميركي في المنطقة غير محمودة لجهة الإدارة الأميركية الحالية أو المقبلة (الانسحاب من العراق أو التجمع فيه)، وفي أي سيناريو آخر قائم، سوى سيناريو التسوية مع إيران، بل ومعه أيضا، فالإدارة الأميركية بحاجة إلى رافعة تساعد أو تساهم في مواجهة إيران، وهناك من يلبي الدعوة على حساب بني جلدته إرضاءً للغزاة.
الانتقاد/ العدد1242 ـ 23 تشرين الثاني/نوفمبر2007