ارشيف من : 2005-2008
كل شيء مهدد في القدس المحتلة
جنين ـ علي سمودي
بعد فشل كل الجهود والتحركات في وقف المخططات الإسرائيلية الرامية لتهويد مدينة القدس المحتلة والاستيلاء على المسجد الأقصى المبارك، ومسح الوجود العربي الفلسطيني فيها, يتكشف يوما بعد يوم مدى إصرار "إسرائيل" على تحقيق أهم أهدافها في تحويل مدينة القدس الى عاصمة يهودية كاملة من خلال ما تنتهجه من أساليب ووسائل كان آخرها النفق الجديد والحفريات التي تنفذها دائرة الآثار الإسرائيلية في منطقة سلوان باتجاه مسجد الأقصى المبارك.
وفي حديث خاص لـ"الانتقاد" قال الشيخ الدكتور عكرمة صبري رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى المبارك: إن "إسرائيل" تستغل غياب الموقف العربي والإسلامي الفاعل والمؤثر والوضع الدولي لاستكمال هجمتها التي لم تتوقف يوما في قبلة المسلمين الأولى ومسرى الرسول محمد (ص)، القدس المحتلة. فقد باشرت قوات الاحتلال بتنفيذ حفريات جديدة في منطقة سلوان باتجاه الشمال إلى أسفل المسجد الأقصى المبارك.
وقال الشيخ صبري إن هذه الجريمة الجديدة تؤكد أن قوات الاحتلال تسعى إلى توسيع شبكة الأنفاق تحت القدس والمسجد الأقصى المبارك بهدف ربطها بعضها ببعض وتوسيع نطاقها، مما يؤكد أن سلوان هي البداية وأن هناك حفريات جديدة مخططة ومدروسة مدعومة من الحكومة الإسرائيلية. كل هذه الحفريات والحفريات السابقة يؤكد الشيخ صبري أنها تهدف إلى إيجاد مدينة تدعى "مدينة داود"، ولإيهام العالم بأن الصهاينة اكتشفوا آثارا تعود إلى العهد اليهودي العبري القديم برغم أن الحقيقة التاريخية تؤكد أنهم لم يكتشفوا حجرا واحدا له علاقة بهيكل سليمان المزعوم أو له علاقة بالتاريخ العبري القديم.
وكان الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية داخل الأراضي المحتلة أكد حقيقة وجود مخطط خطير يهدف إلى فتح باب من ساحة البراق يؤدي إلى ساحات المسجد الأقصى، وهو ما سيمكّن اليهود من دخوله. موضحا أن هذا المخطط الذي استقاه من مستندات صهيونية مرتبط بإنشاء نفق آخر يصل إلى المنطقة الواقعة بين المسجد القبلي وقبة الصخرة لتحقيق "حلم صهيوني بإيجاد مبنى الهيكل بالتوازي مع المسجدين". وذكر الشيخ صلاح أن الحفريات الحالية ستنتهي إلى إزالة طريق باب المغاربة بشكل نهائي، ليُفتح بعد ذلك باب يمكّن المصلين اليهود في ساحة البراق "المبكى" من الدخول إلى مصلى البراق، إضافة إلى السعي لبناء كنيس يهودي على حساب أحد مباني المسجد، وهما جزءان من المخطط السابق. مشيرا إلى أن الميزانية لتحقيق المؤامرة جاهزة لتنفيذها بالكامل. وأشار إلى أن هناك أنفاقا تحت المسجد الأقصى أصبحت مكشوفة برغم محاولة الاحتلال التغطية عليها، عدا الأنفاق التي لم يُكشف عنها حتى الآن. وأكد أن الحكومة الإسرائيلية تخطط لاقتطاع جزء من مقبرة الرحمة المدفون فيها عدد من الصحابة.
تهويد القدس
وبينما تتعرض مدينة القدس لحصار مشدد بعدما حوصرت بالجدار، وتمتد تحت أرضها الأنفاق والحفريات، فإن مضي "إسرائيل" في حفر الأنفاق وتوسيعها بعد اكتشاف نفق سلوان يؤكد وجود مخطط ممنهج للعبث بالآثار الرومانية والآثار الإسلامية بهدف تغيير معالم المدينة المقدسة وإضفاء الصبغة اليهودية عليها. وأضاف رئيس الهيئة الإسلامية العليا: ان ما يجري يهدف لتوسيع شبكة الأنفاق، وأبرز مخاطرها يتمثل في تعريض الآثار الإسلامية للعبث والتغيير. كما ان هذه الحفريات تؤدي إلى تشقق وتعرض العمائر الوقفية للهدم وطمس الآثار الإسلامية التي تمتد منذ العهد الأموي. والأشد خطورة أنهم يحاولون تهويد المدينة من عدة أوجه، بما فيها الناحية الأثرية والتراثية والحضارية، حتى لا يكون هناك أي مجال للتفاوض على مدينة القدس.
من جهته قال الشيخ عبد العظيم سلهب رئيس المجلس الأعلى للأوقاف في مدينة القدس المحتلة: اننا أمام كارثة كبيرة وحقيقية، لأن كل شيء في مدينة القدس مهدد وفي دائرة الاستهداف الإسرائيلي. فالحفريات الإسرائيلية التي تستمر في البلدة القديمة ووصلت حاليا لمنطقة سلوان، تهدد المسجد الأقصى والأبنية الأثرية والمدارس المحيطة بها، وتهويد جميع تراثنا الإسلامي في مدينة القدس. وأضاف: أمام المخاطر اليومية في مدينة القدس طالبنا مرارا وتكرارا بوقف هذه الحفريات، وتوجهنا الى المؤسسات العاملة داخل فلسطين وخارجها في العالمين العربي والإسلامي والمجتمع الدولي، وخاصة منظمة اليونسكو، حيث إن مدينة القدس وُضعت منذ عام 1982 على قائمة التراث الحضاري الذي يجب الحفاظ عليه في ظل الاحتلال، لذلك وبطلب من حكومة المملكة الأردنية طلبنا من اليونسكو العمل على وقف هذه الحفريات، لكن المشكلة أن منظمات كهذه لا تستطيع تطويع من لا تطوعه قرارات مجلس الأمن.
مخاوف وقلق
ويسود أوساط الفلسطينيين في مدينة القدس حالة من الخوف والقلق إزاء الكشف عن الحفريات الجديدة. وقال الشيخ سلهب: ما يقلقنا أننا لا نعرف إلى أين تتجه هذه الأنفاق، لأنها متعددة ومتشعبة وجميعها تحت البلدة القديمة وفي محيط المسجد الأقصى المبارك وأسفله. وما نخشاه أن تكون اخترقت جدران هذا المسجد وأسفله وساحاته.
وأضاف: علينا أن نتذكر عندما نتحدث عن الحرم القدسي الشريف أن هذا يعني 149 دونما، وهي كل ما أحاطه ساحات المسجد وبناؤه، بما فيه من مصليات وقباب ومآذن، وكله له القدسية نفسها، وهو للمسلمين. وهنا نؤكد بشكل واضح أن ما فوق الأرض وتحت الأرض هو مسجد أقصى وملك للمسلمين، ولا يحق لأحد الاقتراب منه.
انتهاكات واستفزازات
وإضافة للحفريات والأنفاق فإن قوات الاحتلال الاسرائيلية تستمر في الإجراءات الاستفزازية للمساس بالأقصى ومشاعر المسلمين، والتي كان آخرها كما قال الشيخ سلهب قيام وزير إسرائيلي متطرف باقتحام ساحات المسجد الأقصى المبارك يوم الخميس الماضي (15/11/2007). وهذا يندرج في إطار محاولات إبراز الهيمنة الإسرائيلية والوجود الإسرائيلي في الأقصى. وقال سلهب: "نحن ندين هذه الانتهاكات والاعتداءات التي تمس المؤسسات الإسلامية وعقيدة المسلمين، حيث ان المسجد الأقصى هو جزء من عقيدة كل مسلم، ونطالب بوقفها. ومن هنا نؤكد أهمية التحرك العربي والإسلامي لإثارة هذه الانتهاكات والجرائم ودعم أبناء مدينة القدس ومؤسساتها وصمودهم ودفاعهم عن الأقصى والقدس، ومنع مخططات التهويد التي يغض العالم الطرف عنها، لأن استمرارها يشكل خطرا كبيرا وتحديا أكبر يجب أن يتحمل الجميع مسؤوليته لإنقاذ مسرى الرسول عليه السلام.
تحرك وليس استنكار
أمام هذه الحالة قال الشيخ صبري: طوال السنوات والعقود الماضية لم تجدِ الاستنكارات والتنديدات نفعا، لأن الاحتلال ماض في هذه الحفريات وتهويد القدس. لذلك نطالب العالمين العربي والإسلامي بالتحرك فورا وقبل فوات الأوان لإنقاذ مدينة القدس والمقدسات، وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك.
والكنسيت يتحرك
بموازاة ذلك فإن جهود اليمين المتطرف الإسرائيلي نجحت في الحصول على قرار من الكنيست الإسرائيلي وبتشريع من حيث المبدأ للحيلولة دون التنازل عن أي جزء من القدس في إطار أي اتفاق قد يعقد مع الفلسطينيين. وأوردت الصحف العبرية أن مشروع القانون ينص على أن أي تعديل لقانون عام 1980 الذي أعلن القدس بشطريها عاصمة "كاملة وموحدة" لـ"إسرائيل"، يتطلب موافقة ثمانين صوتا في البرلمان المكون من 120 عضوا، بدلا من 60 طبقا للمعمول به حاليا. ونقلت أن التعديل الجديد حظي بموافقة 54 صوتا. كما أشارت الى إحداث تعقيدات أخرى، منها أن التعديل الجديد يتطلب الطرح للتصويت في الكنيست ثلاث مرات، وهي عملية قد تستغرق عدة أشهر.
الانتقاد/ العدد1242 ـ 23 تشرين الثاني/نوفمبر2007