ارشيف من : 2005-2008
أنابوليس: نحو التطبيع مع العرب بلا الفلسطينيين
غزة ـ عماد عيد
.. وأخيرا وُجهت الدعوات إلى الأطراف المختلفة لحضور مؤتمر الخريف المنوي عقده في مدينة أنابوليس في الولايات المتحدة الأميركية.
الدعوات وصلت إلى الطرفين الأساسيين الفلسطيني والصهيوني من قبل الولايات المتحدة الأميركية، لكنها وصلت أيضا إلى أطراف عربية تعتبر المرة الأولى التي قد تجتمع فيها بالعدو الصهيوني على الإطلاق، بغض النظر عن أي اتصالات قد تكون هذه الأطراف قد أجرتها في السر أو اتصالات عرضية. وأهم هذه الأطراف هي المملكة العربية السعودية صاحبة الثقل الديني والعربي، وهو ما يشكل أحد أهم الفتوح الصهيونية الأميركية التي قدمت مسبقا لدولة الكيان الصهيوني من وراء هذا المؤتمر، كما يرى المحللون والمراقبون. وهو أيضا ما يعزز قناعة كثير من المراقبين وقسم كبير من الفلسطينيين بأن هذا المؤتمر سوف يكرس لحصد مزيد من الانجازات التي لم تكن لتتحقق لمصلحة الكيان الصهيوني لولا انعقاد هذا المؤتمر.
ووفق هذه النظرة فإن "إسرائيل" بضغط الولايات المتحدة الأميركية سوف تسعى جاهدة لدفع الدول العربية التي لم تعقد اتفاقات علنية مع الكيان الصهيوني إلى حظيرة التطبيع الرسمي معه، وتذليل أي عقبات أمام توقيع اتفاقات اقتصادية وسياسية مع الكيان الصهيوني، وترسيخ موقع الكيان في صدارة الشرق الأوسط الكبير وريادة المنطقة وغزو الأسواق العربية بشكل رسمي، وتعزيز التفوق النوعي والاستراتيجي لـ"إسرائيل" على كل الشركاء في هذه المنطقة، وذلك في مقابل إطلاق مسيرة تفاوض جديدة غير محددة بشكل متفق عليه بأجل محدد، وإنما بتصريحات وآمال أن تنتهي خلال العام المقبل، أي خلال العام ألفين وثمانية بين الفلسطينيين والصهاينة.
ويعتبر أصحاب وجهة النظر هذه، وهم كثر، ومن بينهم غالبية فصائل المقاومة الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أن المؤتمر سيكون مناسبة لالتقاط الصور، وربما الإعلان عن موافقة الكيان الصهيوني ودعم مختلف الدول بما في ذلك أميركا، إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة على أراض فلسطينية، على أن يبدأ التفاوض بين الطرفين برعاية الولايات المتحدة الأميركية حول طبيعة هذه الدولة وحدودها ومواردها وعاصمتها، وحول قضية القدس واللاجئين والعلاقة مع "إسرائيل"، على أمل التوصل إلى اتفاق نهائي خلال عام ألفين وثمانية. ووفقا لأصحاب هذا التحليل فحتى هذه النتيجة غير مضمون تحقيقها والتوصل إليها، على اعتبار أن المفاوضات تحتاج إلى قوة تدعم مواقف كل طرف، وهو أمر غير متوافر بالنسبة الى الطرف الفلسطيني الرسمي الذي يذهب من دون قوة مسلحة ولا مقاومة ولا حتى وحدة موقف فلسطيني.
وعليه فإن الكيان الصهيوني قد يتمكن من تحقيق الفوائد التي وعد بها، وأن يقبض الثمن مسبقا في ما يتعلق بالمنطقة، وحتى بحلم "دولة إسرائيل الكبرى" وتهويد القدس، ثم يتذرع بأي ذريعة من شأنها أن تضع حدا لمسيرة التفاوض إذا تعارضت مع المصلحة الصهيونية تماما كما حصل بعد المفاوضات الماراثونية في كامب ديفيد أيام الرئيس الراحل ياسر عرفات، والتي ألغى فيها باراك ممثل الصهاينة في هذه المفاوضات كل ما جرى التوصل إليه أو الموافقة عليه فيها.
والمتوقع من المؤتمر يأتي في ظل استمرار الخلاف بين الطرفين الفلسطيني والصهيوني حول كثير من القضايا، أهمها قضايا الصراع الرئيسية، من قبيل القدس واللاجئين، وكذلك حول برنامج محدد حول عمر المفاوضات بين الجانبين والاقتراب أو البعد من القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية التي تنص على إقامة دولتين فلسطينية وصهيونية. ولذلك فإن المساعي لتذليل هذه العقبات وإنهاء هذه الخلافات ما زالت مستمرة من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك بمساعدة دول عربية مثل مصر والأردن اللتين تبذلان مساعي لدى كل من السعودية وسورية للذهاب والمشاركة في المؤتمر.
وحتى هذه اللحظة فإن المطالب أو الشروط العربية التي تمثل الحد الأدنى لم تتحقق، ولم تتوافر الأجواء المطلوبة من أجل حضور كل الأطراف العربية برغم استمرار الضغوط الأميركية للحضور حتى لا يصار إلى حسم النتيجة بفشل هذا المؤتمر مسبقا، ما يعني فشلا ذريعا للإدارة الأميركية برئاسة جورج بوش الابن الذي يسعى إلى تحقيق ما يمكن أن يسمى انجازا بغض النظر عن مواصفات هذا الانجاز في ختام فترة رئاسته الثانية، وتوفير أجواء مناسبة من أجل تنفيذ مخططات ذات صلة وثيقة باحتمال ضرب إيران والتعامل مع ملفها النووي، وهي توقعات باتت تغذي مخاوف مختلف الأطراف في المنطقة.. المخاوف الأخرى ذات الصلة تتعلق بقطاع غزة والتعامل معه تحت عنوان هذا المؤتمر والمفاوضات التي ستنبثق عنه، وقد بدا الحديث في الأوساط الفلسطينية أن "إسرائيل" سوف تستغل أجواء المفاوضات وتعقيدات الملف النووي الإيراني لتنفيذ عملية عسكرية ضخمة في قطاع غزة من أجل إضعاف حركة حماس التي تسيطر على القطاع، وهو ما ترافق مع الإعلان عن حالة التأهب في محيط قطاع غزة وتكثيف العمليات الميدانية داخل القطاع.. ذلك أن أصحاب هذه المخاوف يعتقدون أن لا حل بين حماس وفتح بالحوار ولا عودة لحكم فتح بالطاولة المستديرة، الأمر الذي يقلل خيار السلم ويوسع من احتمالات خيار القوة الذي ستتكفل بتنفيذه "إسرائيل" تمهيدا لتغيرات كبيرة في المنطقة.
الانتقاد/ العدد1242 ـ 23 تشرين الثاني/نوفمبر2007