ارشيف من : 2005-2008

صفعة أسترالية للسياسات الأميركية

صفعة أسترالية للسياسات الأميركية

حقق حزب العمال الأسترالي بقيادة كيفين رود انتصاراً ساحقاً في الانتخابات النيابية التي جرت السبت الماضي (24/11/2007) ضد تحالف اليمين، بقيادة جون هوارد الذي يحكم أستراليا منذ أحد عشر عاماً.
وقد فاز حزب العمال بـ(86) مقعداً في المجلس النيابي مقابل (62) مقعداً لليمين الذي كان قد فاز بـ(86) مقعداً في انتخابات العام 2004. وكاد هوارد يفقد مقعده النيابي في دائرته الانتخابية في بينيلونغ، إحدى ضواحي سيدني، في ما كان سيعتبر أمراً لافتاً، حيث ان أستراليا لم تشهد مثل ذلك الحدث منذ ثمانية وسبعين عاماً.
ويبدو أن كثافة الوجود الصيني والآسيوي في تلك الدائرة كان هو المسؤول عن تلك الهزة في ظل السياسات غير الإيجابية التي يعتمدها اليمين الأسترالي إزاء السكان ذوي الأصول غير الأوروبية، وخصوصاً ضد الصينيين الذين يشكلون جزءاً كبيراً من الطوفان البشري الآسيوي المجاور لأستراليا، ذلك البلد "الغربي" الشاسع والقليل السكان والمرمي بعيداً عن الغرب وراء المحيطات.
كما يربط المراقبون بين تراجع شعبية هوارد وتحالفه الوثيق مع الولايات المتحدة، ولا سيما في حربها على العراق، حيث تعتبر أستراليا هوارد البلد الوحيد بين بلدان التحالف التي لم تنفذ انسحاباً كلياً أو جزئياً من العراق. وكانت قوى المعارضة في أستراليا تطالب بسحب الـ(1500) جندي أسترالي من العراق. وسبق لرود أن وعد أكثر من مرة بسحبهم اذا ما انتُخب لرئاسة الوزراء.
وقد تعرض رود لانتقادات شديدة من الرئيس الأميركي جورج بوش بسبب هذا الموقف.. والسؤال المطروح بعد أن فاز رود في الانتخابات وأصبح رئيساً للوزراء هو: هل سيفي بوعده الانتخابي أم لا؟
يبدو أن الأولوية قد أعطيت ربما للتخفيف من وقع الصدمة لتأكيد أهمية العلاقات مع الولايات المتحدة، "الصديق والحليف الكبير"، على ما قاله رود فور انتخابه. ولكن بوش بدا أكثر تطلباً، حيث رد بأنه "ينتظر بفارغ الصبر" بدء العمل مع الحكومة الجديدة. وهو معذور في ذلك، لأن آخر ما تحتاج إليه إدارته بعد انفراط عقد الحلفاء، بمن فيهم بريطانيا، هو فقدان الحليف الأسترالي الذي ظل محافظاً من دون قيد أو شرط، على التزامه بدعم الاحتلال الأميركي للعراق وعلى المشاركة في هذا الاحتلال.
لكن انعكاس فوز العمال على حاضر ومستقبل الاحتلال في العراق لا يشكل عنصر الإزعاج الوحيد لواشنطن. فأستراليا هي أيضاً البلد الوحيد في العالم الذي ظل محافظاً على وحدة الموقف مع الولايات المتحدة في ما يتعلق بالمشكلة المناخية، إذ من المعروف أن الولايات المتحدة وأستراليا انفردتا عن بقية بلدان العالم في عدم التوقيع على بروتوكولات "كيوتو".
وكما وعد العمالي  رود بالانسحاب من العراق، فإنه وعد أيضاً بالذهاب إلى بالي والتوقيع على البروتوكولات خلال المؤتمر العالمي حول المناخ الذي سينعقد تحت إشراف الأمم المتحدة، بين 3 و14 كانون الأول/ ديسمبر المقبل. وهنا أيضاً لا بد من التساؤل حول ما إذا كان رود سيفي بوعده الانتخابي، ما سيضع الولايات المتحدة في موقع أكثر عزلة، على ما يقوله المدير السياسي لمنظمة السلام الأخضر، أو على الأقل، سيساعد الأوساط الأميركية المطالبة بعودة الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات، وربما إلى تسهيل التوصل لاتفاق حول خارطة طريق لفترة ما بعد انتهاء العمل ببروتوكولات كيوتو في العام 2012.
والأرجح أن رود سيواجه صعوبات حقيقية في هذا المجال، لأن أستراليا المسؤولة عن 2% من الانبعاثات الغازية ـ مقابل الولايات المتحدة والصين اللتين تتسببا بـ50% من هذه الانبعاثات) ـ هي في طليعة البلدان المصدرة للفحم ذي القدرة التلويثية التي تفوق قدرة النفط في هذا المجال. كما أنها الدولة الأولى في العالم من حيث كمية الطاقة الأحفورية التي يستهلكها الفرد الواحد. وهذا يعني أن التوقيع سيجبر أستراليا على اتخاذ إجراءات بنيوية باهظة التكاليف في مجال الطاقة، وهو الأمر الذي قد لا يقابله الأستراليون بالحبور والسرور.
ومهما يكن من أمر، فإن الصفعة التي تلقتها الإدارة الأميركية برحيل حليفها هوارد والاحتمالات شبه المؤكدة لخروج أستراليا من قوات التحالف في العراق، تظل كافية لتشكل مؤشراً إضافياً على تعمق مآزق السياسات الأميركية في العالم.
ع.ح.
الانتقاد/ العدد 1243 ـ 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007

2007-11-30