ارشيف من : 2005-2008

اتفاق بغداد ـ واشنطن.. تمهيد لإنهاء الاحتلال أم صيغة أخرى له

اتفاق بغداد ـ واشنطن.. تمهيد لإنهاء الاحتلال أم صيغة أخرى له

بغداد ـ عادل الجبوري
فتح الاتفاق غير الملزم الذي أبرم بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والرئيس الاميركي جورج بوش بابا آخر للجدل والسجال في المشهد السياسي العراقي. وتذهب القراءات الاولية الى ان ما اطلق عليه ورقة حسن النوايا سيزيد من حالة التجاذبات والتقاطعات السياسية بين الفرقاء العراقيين.
واقعيا التجاذبات والتقاطعات بهذا الشأن أطلت برأسها سريعا، حتى انه لم تكن هناك فترة ترقب وانتظار وجس نبض كما هو حاصل مع قضايا اخرى. ويبدو ان القوى والاطراف المؤيدة له او المساهمة في اعداد وصياغة ورقة النوايا توقعت منذ وقت مبكر حتى قبل الاعلان رسميا عن الاتفاق، ان تشهد الساحة السياسية والشارع العراقي تصعيدا ضد الحكومة وضد مجمل العملية السياسية من اطراف تبحث عن حجج وذرائع لذلك، وسيكون اتفاق من هذا القبيل فرصة جيدة لها لتقوم بذلك.
والفريق المؤيد والداعم لورقة حسن النوايا، او ما اطلق عليه "مبادئ علاقة التعاون والصداقة طويلة الامد بين بغداد وواشنطن"، يعتبر انه يمهد لإخراج العراق من الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، الذي يجيز استخدام القوة المسلحة من قبل مجلس الامن الدولي. كما نص على ذلك قرار مجلس الامن الدولي المرقم 1661 الصادر بعد غزو نظام صدام لدولة الكويت في الثاني من شهر آب/ أغسطس من عام 1990. وقد جاء في الفقرة ما قبل الاخيرة من نص الاعلان انه "تتولى الحكومة العراقية تأكيدا لحقها الثابت بقرارات مجلس الامن الدولي طلب تمديد ولاية القوات متعددة الجنسيات للمرة الاخيرة واعتبار موافقة مجلس الامن على اعتبار الحالة في العراق لم تعد بعد انتهاء فترة التمديد المذكورة تشكل تهديدا للسلام والامن الدوليين، وما ينتج عن ذلك من انهاء تصرف مجلس الامن بشأن الحالة في العراق على وفق الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، بما يعيده الى وضعه الدولي والقانوني السابق لصدور قرار مجلس الامن الدولي رقم 1661 في آب/ أغسطس 1990".
ويرى الفريق المؤيد والداعم انه لا بد للعراق من المرور بمثل هذه المرحلة، ويشبه هذا الفريق وضع العراق بعد سقوط النظام السابق بوضع ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
وعندما سأل صحافي في لقاء خاص احد كبار الشخصيات السياسية من الفريق المؤيد والداعم قبل الاعلان رسميا عن ورقة حسن النوايا، فيما اذا كان يمكن ان تكون تلك الورقة بمثابة نوع من الوصاية بعيدا عن الاطر والسياقات الرسمية لمنظمة الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي، او انها تعبير عن مبدأ "الدولة الضامنة" الذي تحدث عنه ونظر له الكاتب والمفكر السياسي العراقي حسن العلوي في كتابه "العراق الاميركي" الصادر قبل عامين؟ رد السياسي القيادي بأن تلك الورقة لا تعد إقرارا او قبولا بمبدأ الوصاية، لكنها قد تعبر بالفعل عن مبدأ الدولة الضامنة الذي يمكن ان يعود بالنفع الى العراق، خصوصا انه سيبقى يحتاج الى دعم وإسناد خارجي على الصعد والمستويات الامنية والسياسية والاقتصادية، وستكون أمامه تحديات قد لا يستطيع مواجهتها وحده في ظل معادلات اقليمية ودولية معقدة وشائكة.
وحتى لو ابتعدنا عن الحديث حول مبدأ الوصاية أو ما يقاربه من مفاهيم ومصطلحات اخرى مثل الانتداب، وتوقفنا عند مبدأ "الدولة الضامنة"، فإن التساؤل الذي يفرض نفسه هنا بإلحاح هو: اذا أصبحت الولايات المتحدة الاميركية هي الدولة الضامنة للعراق والحامية له، فهل سيكون ذلك من دون ثمن؟".
قد يكون من السذاجة الى حد كبير الاجابة بنعم، فعالم السياسة في كل زمان ومكان تحكمه المصالح قبل كل شيء، وواشنطن التي لها مصالح آنية واستراتيجية بعيدة المدى في منطقة يشغل العراق فيها موقعا حساسا للغاية من الناحية الجيوبولتيكية، تبحث باستمرار عن ترتيبات تتيح لها ضمان تلك المصالح وعدم تعرضها للتهديد من قبل القوى المعادية، سواء كانت دولا مثل ايران او منظمات مثل حزب الله وحركة حماس او اشخاصا مثل اسامة بن لادن.
وبما انها هي التي أطاحت بنظام صدام وأمسكت بزمام الامور وما زالت ممسكة بها، فمن غير المعقول ان تتركها تفلت من بين ايديها بيسر وسهولة.
ويبدو ان هذا جزء من رؤية الفريق الرافض لورقة حسن النوايا، فالرؤية هنا تتمحور على فكرة او حقيقة ان انهاء الوجود العسكري لا يعني في كل الاحوال نهاية الاحتلال واستعادة السيادة المنقوصة، خصوصا اذا استتبعه ابرام اتفاقيات ذات طابع امني وسياسي يستدعي بناء علاقة تنطوي على رعاية طرف لطرف آخر وفق مبدأ "الدولة الضامنة" او أي مبدأ آخر.. وتلك العلاقة قد لا تكون متكافئة، لأن طرفيها غير متكافئين.
ويذهب سياسيون عراقيون الى ان الامر الخطير في اعلان مبادئ علاقة التعاون والصداقة طويلة الامد بين بغداد وواشنطن هو انها تضع جملة تعهدات على عاتق الاخيرة في الجوانب السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والامنية، وهي بلا شك يمكن ان تتعاطى معها وفق منهج براغماتي بالكامل ومن موقع قوة قد لا يتوافر للعراقيين على المدى المنظور.
في الوقت ذاته فإنها قد ترفع أسهم الجمهوريين وهم على أعتاب معركة انتخابية حامية الوطيس مع خصومهم الديمقراطيين الذين نجحوا في كسب مواقع مهمة خلال العامين الماضيين. وربما يدرك العراقيون دلالات وأهمية التوقيت بالنسبة الى الاميركان، لا سيما ان ورقة حسن النوايا تشير الى ان تبدأ بأسرع وقت ممكن مفاوضات ثنائية بين الحكومتين العراقية والاميركية للتوصل قبل الحادي والثلاثين من شهر تموز/ يوليو من العام المقبل الى اتفاقية بينهما".
ومن الآن حتى ذلك التاريخ فإن أروقة وكواليس السياسة العراقية والشارع العراقي ستشهد ربما السجال والجدل الاقوى الذي لا يستبعد ان تكون قاعة مجلس النواب العراقي (البرلمان) احد اهم ميادينه، ولن تكفي عبارة "اتفاق غير ملزم" لتهدئة الاجواء وتخفيف حدة الاحتقانات، لأنها لا تغير في الجوهر والمضمون شيئا.
الانتقاد/ العدد1243 ـ 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007
 

2007-11-30