ارشيف من : 2005-2008
إيران أبرز المشاركين في مؤتمر أنابوليس!
كتب يحيى دبوق
لم يتغير سقف التوقعات لجهة نتائج مؤتمر أنابوليس فلسطينيا خلال وما بعد انعقاده، حيث بقي منخفضاً جدا ويلامس صفرا، على الرغم من الهالة التي أريد لها أميركيا ان تؤطر المؤتمر وتظهر من خلاله.
هذا أقله ما يسلّم به معظم المعلقين الإسرائيليين الأكثر قربا وطلبا لتظهير نتائج ايجابية، إن وجدت.
من المسلم به ان الأميركيين وعطفا عليهم الإسرائيليين ايضا، رعاة المؤتمر والداعين اليه، يدركون جيدا سقف التوقعات المنخفض للمؤتمر بما خص القضية الفلسطينية، وبرغم ذلك بدا الإصرار الاميركي كبيرا جدا لانعقاده ومندفعا اليه، الأمر الذي يوجب البحث في اهداف أخرى منشودة أميركيا غير فلسطين ولدى واشنطن مصلحة ملحة في معالجتها. ولا بأس في ان نستشهد بأحد المعلقين الإسرائيليين في صحيفة "معاريف" إذ قال: "لا يهم الأميركيين حضور العروسين إلى حفل الزواج، بل حضور المدعوين إلى الحفل".. فالاستهداف الاميركي مغاير تماما لما يراد إظهاره.
في استهدافات المؤتمر خارج الإطار الفلسطيني الفارغ، توجد المسألة النووية الإيرانية وسوريا ولبنان (حزب الله)، إضافة إلى فلسطين (حماس وقوى الممانعة الفلسطينية الأخرى)، بمعنى الحلف أو محور "الشر" المتشكل من الأطراف الثلاثة. والأكثر جدية وصرامة وحزم في المحور المذكور هو الموقف الإيراني المتصلب وغير المذعن، يساهم في حضوره ورفعه إلى مقدمة سلم الأولويات الأميركية استشعار أميركي وإسرائيلي بخطره وتهديده للمصلحة الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، وقدرته على عرقلة المشاريع الأميركية فيها. يضاف إلى ذلك وجود يأس من إمكانية تليينه من دون سحب أوراق من يد طهران، أو إضافة أوراق مساعدة في يد الطرف الأميركي.
المقاربة المنطقية للحركة والإصرار الأميركيان لعقد المؤتمر، مع التشديد على وجوب مشاركة قوس "الاعتدال" العربي فيه بشكل بارز، بحسب تتبع التصريحات والتعليقات الإسرائيلية والأميركية، لا يبعد أن تكون المسألة النووية الإيرانية أحد الأهداف الرئيسية غير المعلنة لمؤتمر أنابوليس.
لدى الإدارة الأميركية في مواجهة النووي الإيراني وإيران كنظام بشكل كلي للترابط العضوي وعدم كفاية معالجة الملف النووي كجزء بذاته، خياران عامّان يتفرع عنهما سيناريوهات تكتيكية تفصيلية: الأول يتعلق بالخيار العسكري، والثاني يتعلق بالخيار التسووي.
ولا شك في ان المصاعب الأميركية في العراق وفي المنطقة عامة، إضافة إلى الصيرورات الداخلية الأميركية نفسها مع قرب استحقاق انتخابات الرئاسة في العام المقبل، تزيد من صعوبة سلوك الإدارة الأميركية أيا من الخيارين العامّين، الأمر الذي يدخلها، وتحديدا الرئيس بوش، في معضلة اختيار أي منها، وهذا يحمل في طياته انعكاسات سلبية وايجابية في الوقت نفسه على أكثر من صعيد.
في إطار ذلك، من الأولى عدم تجزيء النظرة الأميركية إلى المنطقة، ووجوب النظر إلى الموقف الاميركي على انه موقف تجاه سلة واحدة برغم تشعب تركيبها.. بمعنى ان أي تحرك اميركي سواء كان سياسيا أو عسكريا تجاه أي من الاطراف الاربعة المذكورة سابقا: إيران وسوريا ولبنان وفلسطين، يعني في استهدافاته كل القوس المذكور، وعلى رأسه الطرف الإيراني الصعب في المعادلة.
بناءً عليه يجب النظر إلى دعوة سوريا إلى المؤتمر اساسا، ثم الرضوخ إلى مطلب ادراج الجولان في جدول اعماله، ثم عدم ازعاج السوريين في الكلمات التي ألقاها المسؤولون الاميركيون والإسرائيليون، إضافة إلى لجم "أحباء" الإدارة الأميركية في لبنان عن سلوك خيارات صعبة لجهة انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية، على انها مؤشر باتجاه غلبة تيار اميركي في الإدارة الأميركية يدعو إلى اعتماد منطق التسوية مع سوريا، على حساب تيار آخر بدأ يتآكل في الآونة الاخيرة، ويدعو إلى التصلب والمواجهة العسكرية معها.
في إطار ذلك أيضا، وعلى الرغم من ان المؤشرات المذكورة ما زالت مبكرة على وجود سلوك أميركي مغاير تجاه سوريا، لكنه يشير الى اتجاه هو في طور الغلبة الفعلية في الإدارة الأميركية، خاصة ان مواجهة إيران سواء كانت من خلال الأسلوب العسكري أو الأسلوب التسووي، تلزم الإدارة الأميركية بأن تسحب أوراق الدعم التي تملكها طهران، ومن بينها ورقة دمشق وما يتفرع عنها. وإذا ما أريد التوسع في التحليل، وهو ما يحتاج إلى بينات أكثر سيتكفل المستقبل في إظهارها، فإن المؤتمر مناسبة اضطرت معها الإدارة الأميركية لإظهار انحرافها المقدر تجاه السوريين باتجاه سحبها من المحور الإيراني، سواء بهدف التسوية مع إيران أو مواجهتها عسكريا.
يخدم هذا التحليل أيضا ان مدعوّي حفل الزواج ـ بتعبير "معاريف" ـ هم ضيوف يشكلون بالضرورة محورا اساسيا لمواجهة إيران، أيضا سواء في إطار المواجهة العسكرية أو التسووية التي قد تستقر عليها الإدارة الأميركية الحالية أو المقبلة.
الانتقاد/ العدد1243 ـ 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007