ارشيف من : 2005-2008

حدث في مقالة/ مؤتمر أنابوليس: الرهان على المقاومة والشارع العربي والإسلامي في إسقاط المؤامرة الجديدة

حدث في مقالة/ مؤتمر أنابوليس: الرهان على المقاومة والشارع العربي والإسلامي في إسقاط المؤامرة الجديدة

كتب مصطفى الحاج علي
تبدو الصورة التي يحاول لقاء أنابوليس أن يرسمها في أبعادها المختلفة أقرب ما تكون إلى تجربة عملية وتأهيل متكرر للأنظمة العربية للتسليم بالمفهوم الأميركي ـ الاسرائيلي لكيفية الحل للقضية الفلسطينية مع ما يعنيه ذلك من شطب لها وتحويلها إلى متاهات سياسية رسمت طريق دخولها، لكن لا يمكن التنبؤ  بالنهاية المرجوة لها. ويمكن تلمس ذلك من الأمور الآتية:
1 - إن التأكيد الذي أطلقه الرئيس الأميركي بوش وثبته رئيس وزراء العدو حول يهودية الدولة واعتبار أراضي الـ48 وطناً قومياً لليهود يستبطن في طياته خطراً استراتيجياً بدأ التأسيس العملي له تحت أعين الدول العربية كافة، فيهودية الدولة لا تعني فقط سقوط حق العودة الذي لم يجد من يطالب به من العرب والذي أصبح بحكم المنتهي أميركياً وإسرائيلياً، وإنما أيضاً هناك خطر فعلي محدق بالعرب الموجودين "داخل الكيان الإسرائيلي"، ذلك أن يهودية الدولة لا بد أن تقترن بمطالبة ترحيل غير اليهود، وبما أن الحديث عن أن للفلسطينيين دولتهم المقابلة فإننا نتحدث هنا، عن أكبر عملية تهجير مطلوبة تستكمل ما بدأ في العام 48 واستكمل في العام 67، هذا المعنى هو الهدف المضمر الذي يريد الإسرائيلي أن يجعله خياراً سياسياً مقبولاً ما دام أن الضعف العربي قد وصل إلى أوجه بحيث تجلس القيادات لتسمع ضياع فلسطين دون تحريك ساكن.
2 - إن الشعارات العربية بالقبول بأراضي العام 1967 كدولة للفلسطينيين وتقديم المبادرة العربية كحل عربي رسمياً في قمة بيروت، أسقطه أولمرت بالتأكيد على أنه آتٍ من القدس. والترجمة السياسية لهذا القول أمام العرب جميعاً أنكم يجب أن تُخرجوا وبشكل كامل القدس من حساباتكم، فهي خارج التفاوض ولا مكان لغير اليهود في هذه المدينة المقدسة. وإذا ما أضفنا إلى ذلك رسالة الضمانات الأميركية التي أرسلت في العام 2004 والتي تتعهد خلالها الإدارة الأميركية بالحفاظ على المستوطنات الأساسية، كل هذا يعني عملياً أن إطار التفاوض على الأرض لبناء دولة فلسطينية ترسمه حدود الأمر الواقع الاسرائيلي بدعم أميركي واضح. وبهذا يصبح الحديث عن الضفة والقدس غير منطقي وغير واقعي، ويصبح مفهوماً لماذا هذا الاستعجال في توسيع المستوطنات ومصادرة الأراضي بشكل مستمر. أما جائزة الترضية التي بدأت تتداولها الأوساط الإسرائيلية فهي عملية تبادل للأراضي بحيث يتم التخلي الطوعي عن الاراضي المصادرة وأراضي المستوطنات مقابل حصول الفلسطيني على مساحات موازنة وإنما في منطقة صحراء النقب الصحراوية التي لا تهم الاسرائيلي ولا يستطيع العيش أو الاستثمار فيها، ويدفع الفلسطيني إلى الرضوخ لهذا المنطق كخيار وحيد متاح أمامه.
3 - إن مؤتمر أنابوليس في شكله ومضمونه والمشاركة فيه أعطى الاسرائيلي ضوءاً أخضر للتحلل من أي التزام تجاه الفلسطيني، وبالتالي فإن هذا الحشد العربي الذي حاولوا تصويره كحضور داعم للحقوق الفلسطينية لم يساهم الا في زيادة مأساة الفلسطينيين. فالدولة الفلسطينية والحل النهائي وكل ما يتصل بإنشاء الكيان وترتيب أوضاعه بقيت خارج الصورة السياسية وضمن دائرة بذل الجهد دون الوعود القاطعة أو النهائية، بحيث تبدو حتى فكرة الدولة الفلسطينية مسألة غير ثابتة ومستقرة، على عكس المكاسب الكبرى التي جنتها الإدارة الأميركية والاسرائيلية، حتى بوش الذي خفض من سقف التوقعات لم يكن مضطراً لتقديم تنازلات لضيوفه العرب لاقناعهم بالمجيء الى المؤتمر، فسياسة الجلب التي مورست بحق الجميع تعفيه من أية مساءلة سياسية، لذا لم يكن غريباً خلال الخطاب أن يقوم بإملاء ما يجب على العرب أن يفعلوه وما هو مطلوب منهم في المرحلة المقبلة، ألا وهو التطبيع المجاني مع العدو الاسرائيلي وإسقاط حالة المقاطعة الشكلية القائمة.
والأنكى من ذلك أن الأمور تجري تحت نظر القيادة الفلسطينية التي تسهم في تعميق أزمتها عن قصد أو غير قصد، فهل يعقل أن تصل الأمور في الوثيقة الى درجة الخواء العملي، ويصبح مبدأ التفاوض للتفاوض هو الأساس، وهل موازين القوى القائمة بين الطرفين تسمح بذلك، وماذا عن الالتزامات السابقة؟! وماذا بقي عند الفلسطينيين ليقدموه في تفاوض جديد يبدأ من نقطة الصفر؟؟
ان الاسرائيلي والاميركي استغلا لحظة اللاتوازن الفلسطيني والخوف العربي ليذهبا خطوات الى الأمام بما يخدم الاسرائيلي ويحدد أطر العلاقات المستقبلية مع المنطقة بما فيها الفلسطينيون.
4 ـ ان شرط التزام خريطة الطريق وتحديداً مبدأ مكافحة الإرهاب كمدخل أساس للتفاوض، يعني بلغة واضحة أن ما رفض الرئيس الراحل عرفات الخوض فيه، لأنه يعني نزع سلاح المقاومة وإسقاط أوراق القوة الوحيدة التي يملكها الشعب الفلسطيني للدفاع عن نفسه وللحصول على حقوقه المشروعة، هذه الورقة التي عجزت اسرائيل بكل عنجهيتها عن انتزاعها، مطلوب اليوم مجدداً من سلطة أبو مازن أن تذهب فوراً للعمل على تنفيذها، ما يعني ان الاسرائيلي والأميركي يريدان أن يريا المذابح الفلسطينية ـ الفلسطينية بحيث لا تنتهي السلطة من هذه المهمة الا وتكون قد انهت عمل مقومات الشعب الفلسطيني، ودمرت كل تاريخه النضالي، وقدمت لإسرائيل أغلى الاحلام، فهل يعتقد البعض أنه إذا جرى ذلك سيعاود الإسرائيلي التفاوض معه أو سيقبل أن يساومه؟؟ ان الإٍسرائيلي في هذا البند الذي تم الاتفاق عليه هو الرابح، ففي حال استطاع أن يجر الفلسطيني الى صراع قاتل يكون ذلك لمصلحته، وفي حال لم يحصل ذلك فإنه يعتبر نفسه غير ملزم بتقديم شيء، وبالتالي يستفيد من المكاسب التي حققها في هذا المؤتمر.
ان المشكلة الأساسية في المنطقة هي في قادتها التي لا تحسن قراءة الأمور وأبعادها، وإن كانت تحسن فهي مضطرة تحت وطأة مصالحها التي تسيرها الإدارة الأميركية أن تذهب بعيداً في التنازل عن الكرامة ومستقبل شعوبها ومصالحها الاستراتيجية من أجل أن تحافظ على حاضرها، حتى التسوية التي تعني خسارة نصف فلسطين والتي هي مرفوضة من قبل الشعوب العربية والاسلامية، حتى هذه التسوية لا يتقنون العمل فيها، لذا فإن الرهان هو على المقاومة والشارع العربي والإسلامي في إسقاط المؤامرة الجديدة في أنابوليس، وعدم السماح بإمرارها وتكريس مفاهيمها الخطرة، وهذا ما يستدعي أن يرتفع صوت الشعوب بالرفض وبالتمسك بفلسطين ورمزيتها الإسلامية والعربية.
الانتقاد/ العدد1242 ـ 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007


2007-11-30