ارشيف من : 2005-2008
حكومة السنيورة المطعون بدستوريتها تستولي على الرئاسة الأولى
للمرّة الأولى في تاريخ لبنان، تخلو سدّة الرئاسة الأولى من صاحب الفخامة المنتخب رسمياً من ممثّلي الشعب في مجلس النوّاب وفق عملية ديموقراطية معتادة، بفعل انتهاء ولاية الرئيس العماد إميل لحود وعدم انتخاب بديل عنه، "ليستولي" مجلس الوزراء وتحديداً رئيسه فؤاد السنيورة، على صلاحيات رئيس الجمهورية الذي يشار إليه دائماً على أنّه رمز البلاد ووحدتها وحامي دستورها.
وما زاد المشهد تعقيداً، هو عدم اعتراف شريحة واسعة من الشعب اللبناني بدستورية هذه الحكومة وميثاقيتها المطعون بها منذ استقالة ستّة وزراء منها في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2006 اعتراضاً على استئثار الأكثرية النيابية الموهومة التي تدعم هذه الحكومة، بالسلطة والقرارات المصيرية، وانقلابها على البيان الوزاري، ومصلحة الدولة وتضييعها البوصلة الوطنية الحقّة.
ولم يسبق أن شهد لبنان أسبقيات في اعتلاء الفراغ منصب الرئاسة الأولى التي جرى العرف على تخصيص الطائفة المارونية بها حتّى قبل تعديل الدستور والتخفيف من صلاحيات رئيس الجمهورية في اتفاق الطائف في المملكة العربية السعودية في العام 1991.
فعندما استقال الرئيس بشارة الخوري في العام 1952 ولم يكمل ولايته الثانية، كان قد سبقه استقالة حكومة الرئيس سامي الصلح، وما لبث الخوري أن عيّن حكومة موقّتة لإدارة شؤون البلاد والعباد برئاسة اللواء فؤاد شهاب مهّدت لانتخاب كميل شمعون رئيساً للجمهورية في العام نفسه وسلّمته المسؤولية بشكل اعتيادي.
وعندما لم يفلح الرئيس أمين الجميل في إقناع الرئيس السوري حافظ الأسد بتمديد ولايته سنتين خلال لقائه به على رأس وفد ضمّ غسّان تويني وإيلي سالم في العام 1988، عاد إلى لبنان وعيّن قائد الجيش العماد ميشال عون رئيساً لحكومة عسكرية لم تستطع أن على الشرعية التي يمنحها الشعب على الرغم من انبثاقها من مبادئ دستورية.
استياء مسيحي
وأحدث شغور الرئاسة الأولى موجة استياء كبيرة في صفوف المسيحيين خصوصاً، وهو ما عبّر عنه صراحة البطريرك الماروني بطرس صفير باستقباله رئيس الحكومة السنيورة بتجهّم واضح، وذلك باعتبار أنّ المسيحيين لم يعودوا ممثّلين في واحدة من الرئاسات الثلاث المعتمدة في لبنان، أسوة بالشيعة في رئاسة المجلس النيابي، والسنّة في رئاسة مجلس الوزراء.
وارتفعت وتيرة الاعتراض المسيحي على اثر قبض السنيورة على صلاحيات رئيس الجمهورية، ومحاولة ممارستها من دون أن يخوّله الدستور هذا الحقّ، وهو الذي أمعن في انتهاك الدستور مراراً وتكراراً وفي غير مناسبة، وإبّان وجود رئيس الجمهورية لحود الذي أبلغه بأنّ القرارات الصادرة عن مجلس وزرائه باطلة ومطعون فيها.
وإن حاول السنيورة التخفّي وراء بعض الكلمات المعسولة وإظهار زهده بلقب "فخامة الرئيس" وصلاحياته ورمزيته، إلاّ أنّه أناب وزيره الحميم أحمد فتفت ليعلن ما يضمره من "شرّ مستطير" برأي المسيحيين، ويقول صراحة بأنّه يحقّ للحكومة ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، ولكن غاب عن باله إجماع القانونيين والحقوقيين على أنّ صلاحيات رئيس الجمهورية في حال عدم انتخاب بديل له تبقى معلّقة حتّى يجري انتخاب رئيس جديد، ولا تنتقل إلى مجلس الوزراء مهما كانت الأسباب والظروف.
قَسَم الرئيس
وينتقد المسؤول في "قدامى القوّات اللبنانية" المحامي إيلي الأسود، سعي هذه الحكومة البتراء إلى الحلول مكان رئيس الجمهورية، ويتوقّف في حديث مع "الانتقاد" عند نقطتين قانونية وسياسية للتدليل على عدم جواز انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء الذي فقد مناعته وبات ضعفُ بنيته وترهّلها، مؤشّراً على سقوطه مهما كانت جرعات الدعم الأميركي.
ويقول الأسود إنّه من الناحية الدستورية يوجد عيب في الشكل بحيث لا يمكن أن تنتقل الصلاحيات المعطاة لرئيس الجمهورية تحت قسم اليمين الذي يؤدّيه بعيد انتخابه والمنصوص عنه في الدستور، إلى حكومة لا تقسم اليمين حتّى ولو كانت مجتمعة ومكتملة، فكيف الأمر وهي مجتزأة وينقصها التمثيل المسيحي الحقيقي والتمثيل الشيعي؟
ويدعم الأسود رأيه بمثل مفاده أنّ القاضي يحلف اليمين عند انتقاله من مرحلة التدرّج إلى مرحلة الأصالة، وصدور مرسوم بتعيينه ما يخوّله مباشرة القيام بمهامه، ويساعده في أمور محكمته ودائرته مساعد قضائي يكون مطلعاً على تفاصيل الملفّات وحيثياتها والتحقيقات الجارية فيها، وإذا تمّ نقل هذا القاضي إلى مكان آخر، فيعيّن قاض آخر مكانه ولا يقوم المساعد القضائي بعمل القاضي على الرغم من أنّه مطلع على الملفّات.
الشعبية تعوّض ضآلة الصلاحيات
أما من الناحية السياسية فيؤكّد الأسود "وجود استئثار بالسلطة ووضع يد، ومنع وصول الشخص المناسب والقادر والكفوء، والذي يتمتّع بالتمثيل الشعبي الحقيقي، إلى رئاسة الجمهورية، فالبعض يقول إنّه ليس بالضرورة أن ينتخب الشخص المسيحي القوي، وهذا ليس صحيحاً، فقبل تعديل الدستور في الطائف كانت صلاحيات رئيس الجمهورية تقوّيه وتجعله صلباً، بينما صلاحياته بعد الطائف صارت ضئيلة، وبالتالي فإنّ التعويض يكون بشعبيته التي تقوّيه وتدعم وجوده في الرئاسة، فلا يجوز أن يكون الرئيس ضعيفاً في الشخصية وضعيفاً في الصلاحيات، وإذا كان هذا هو المراد فلا قيمة للرئاسة على الإطلاق".
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد 1243 ـ 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007