ارشيف من : 2005-2008
بوش وأبو مازن اللبناني: أي ديمقراطية؟!
ليلى نقولا الرحباني(*)
على غرار مؤتمر مدريد الذي انعقد في أعقاب حرب الخليج الثانية في العام 1990، ينعقد مؤتمر أنابوليس في ظل اضطراب شديد في منطقة الخليج ناجم عن أزمة الاحتلال الاميركي في العراق وتهديد أميركي مستمر بضربة عسكرية لإيران وخوف غربي من تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة.
وهكذا نجد أن التاريخ يكرر نفسه، والحياة تفاجئك في كثير من الاحيان بأنها تكرر المشهد السياسي باستمرار.. ففي العام 1990 احتاج الاميركيون الى تفويض عربي لتحرير الكويت والانطلاق في مسار المفاوضات السلمية في مؤتمر مدريد، لذا سعوا الى تسوية لبنانية "شكلية" عملوا من خلالها على تهميش فئات كبيرة من اللبنانيين وضربوا عرض الحائط الإرادة الشعبية التي زحفت الى قصر الشعب آنذاك، وأقاموا اتفاقاً يستبدل حكم فئة طائفية بفئة طائفية أخرى.
وبعد سبعة عشر عاماً يحتاج الاميركيون الى صك براءة عربي جديد يغسلون به أيديهم مما اقترفوه من أزمات في الشرق الأوسط وما قاموا به من مخططات وحروب لم تفضِ الا الى مزيد من الضحايا والدمار.. ورأى الاميركيون أن الفراغ في سدة الرئاسة اللبنانية واستمرار التهميش والاستئثار على ما هما عليه مفيد للضغوط والصفقات التي يريدون تمريرها، وأن "أبو مازن اللبناني" في موقعه في السراي حاكماً سعيداً هو الأفضل على الاطلاق لتمرير تلك المخططات. وكالعادة هرول العرب مسرعين، ومعهم مفوض من قبل السنيورة، يمنحون الرئيس الاميركي جورج بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أوسع دعم رسمي عربي، وأقوى إشارة عربية الى ان أبواب التطبيع فُتحت بالفعل مع "اسرائيل". وبالطبع كما لم يغب لبنان عن المؤتمر برغم الأزمة الداخلية التي افتعلها ارسال موفد من قبل السنيورة، كذلك لم يغب لبنان عن كلمة الرئيس الاميركي في افتتاح المؤتمر، حيث وعد اللبنانيين بالديمقراطية، وأعرب عن "اعتقاده بأن الديمقراطية تجلب السلام".
بالطبع نحن نوافق الرئيس بوش على ما يعتقده من ان الديمقراطية تؤدي الى السلام، ولكن أي ديمقراطية؟ وما هي معاييرها؟ هل هي الديمقراطية على الطريقة الاميركية التي شهدناها في العامين المنصرمين في لبنان؟ هل هي ديمقراطية الحاكم المستأثر في السراي الحكومي الذي أعلن كما لويس الرابع: "أنا الحكم والدولة والدولة أنا"؟! ألا يحق لنا أن نناقش ونسأل عن النمط الديمقراطي الذي يعدنا به الرئيس الاميركي؟
إذا كنا سنتجاهل ما قام به الاميركيون من تفويض للسوريين باحتكار الملف اللبناني خلال عام 1990، والذي استمر لغاية عام 2005 حين سحب "الأصيل" التفويض من "الوكيل" وطالبه بالانسحاب من لبنان، فإننا سوف نستعيد بعضاً من مظاهر الديمقراطية الاميركية التي حكمت لبنان مباشرة منذ الانسحاب السوري.
ساهمت الديمقراطية على الطراز الاميركي الموعود بسرقة التمثيل المسيحي اللبناني من خلال الإصرار على اجراء الانتخابات النيابية بموجب قانون 2000، الذي أجمع اللبنانيون على كونه الأسوأ منذ تأسيس الجمهورية اللبنانية.. ثم غضوا النظر عن حل المجلس الدستوري الذي استكمل سرقة الإرادة الشعبية.
ـ بارك الاميركيون اقصاء ممثلي فئات واسعة من اللبنانيين عن الحكم، وخصوصا ممثلي طائفتين أساسيتين عن الحكومة.
ـ قدم الاميركيون دعماً غير مسبوق لرئيس حكومة نزل أكثر من نصف شعبه لمطالبته بالرحيل، ما جعله يستمر في غيّه وفي استئثاره بالحكم.
ـ رفض أميركي لأي تسوية تؤدي الى إيصال رئيس لبناني الى سدة الرئاسة، ما أوصل موقع الرئاسة الاولى الى الفراغ.
هل هذا هو النمط الحديث من الديمقراطية الاميركية؟ أم هي بدعة صُممت خصيصاً لدول العالم الثالث؟
ان الديمقراطية برأينا هي "وسيلة"، بل هي الوسيلة الفضلى لحل النزاعات في المجتمع، وتأمين حكم المجتمعات بطريقة سلمية منبثقة من الرضا الشعبي. لكن كما تبين، فإن "الأسلوب الديمقراطي" الذي حكم لبنان خلال السنتين المنصرمتين، والذي أدى الى تهميش معظم الفئات المكونة للمجتمع اللبناني، هو أشد إيلاماً وتسلطاً من حكم الحزب الواحد. فلقد مارست فئة حاكمة الاستبداد والتسلط، وضربت بالدستور والقانون والحريات العامة عرض الحائط، وداست الإرادة الشعبية واستهزأت بها.
ان الشعب اللبناني العظيم الذي صمد في وجه التحديات الخارجية وانتصر في الحرب العالمية التي خيضت ضده خلال عدوان تموز 2006، يستحق أفضل من ديمقراطيتهم الموعودة تلك، ويستطيع فيما لو ترك يتدبر شؤونه بنفسه، أن يصل الى صيغة تحفظ الجميع وتؤمن سبل الاستقرار والازدهار. فمن اجترح المعجزات في حرب تموز لن تثنيه مصاعب ولن يتقاعس عن إيجاد طريق للنهوض الحضاري.
(*) باحثة لبنانية
الانتقاد/ العدد 1243 ـ 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007