ارشيف من : 2005-2008
مشاورات الرابية ستنتهي بوثيقة وخطة تحرك و"تكويعة" جنبلاط محل تساؤلات
بين يوم الجمعة الماضي تاريخ دخول لبنان في الفراغ الرئاسي، واليوم الجمعة الموعد الجديد الذي كان مضروباً لعقد جلسة رئاسية، شهد لبنان تطورات ودخل منعطفات سياسية جديدة وخطرة تنذر بكل الاحتمالات اذا لم يُتفادَ الفراغ ويُنتخب رئيس بأسرع وقت ممكن. وما سجّل هو تمكّن الادارة الاميركية من إدخال لبنان في الفراغ الرئاسي وفق الخارطة التي كانت معدة سلفاً، والتي من خطوطها استكمال الدور الذي أداه رئيس الحكومة اللادستورية فؤاد السنيورة سابقاً خدمة للمشروع الأميركي برغم الشروخ العميقة التي أحدثها الفراغ في صفوف فريق السلطة، ومن ضمنها التباعد بين خيارات رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
بالمقابل كانت المعارضة تمتص وقع الصدمة جراء الفراغ الرئاسي وتقوم باستجماع عناصر القوة لديها تمهيداً للمرحلة المقبلة. وفي هذا السياق جاءت المبادرة السياسية التي قام بها رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون المتمثلة بإجراء جولة مشاورات واسعة في الرابية للقادة والفعاليات السياسية والنقابية المسيحية، وصولاً إلى خطة تحرك مقبلة لمواجهة الفراغ الرئاسي، وهي الخطوة التي أحرجت فريق السلطة ودفعته إلى المناورة عبر طرح قائد الجيش العماد ميشال سليمان مجدداً للرئاسة بعدما كان رفضه مراراً في السابق.
"الدور المرسوم للسنيورة"
في تقييمها لما جرى من إدخال البلاد في الفراغ الرئاسي ترى الأوساط المتابعة أن الادارة الاميركية استطاعت من خلال إفشالها جميع المبادرات التوافقية، تحقيق خطتها التي كانت رسمتها مسبقاً بإيصال البلاد إلى هذه الحالة. وأحد أبرز أهدافها هو الدور الذي ترصده لرئيس الحكومة اللاشرعية فؤاد السنيورة في المرحلة المقبلة، حيث انها تريد توقيعاً واحداً على قرارات يراد للبنان التوقيع عليها في سياق المشروع الأميركي في المنطقة الهادف إلى القضاء على القضية الفلسطينية، ومن ضمنها ملف التوطين الذي لن يجرؤ أي رئيس ماروني في قصر بعبدا على التوقيع عليه وتمريره.. ومن سيقوم بهذا الدور هو السنيورة نفسه. وتلفت المصادر إلى أنه من الإرهاصات الأولى لهذا الدور المرسوم قرار السنيورة إرسال الوزير طارق متري للمشاركة في مؤتمر أنابوليس برغم عدم وضع أي قضية لبنانية لها علاقة بالاحتلال على جدول أعمال المؤتمر، وبرغم معارضة الشريحة اللبنانية الأوسع لهذا المؤتمر الهادف إلى تحقيق مصالح الكيان الصهيوني على حساب الحقوق العربية، وخصوصاً حقوق الشعب الفلسطيني.
"تكويعة جنبلاط"
المصادر المتابعة تشير إلى أنه أمام تحقيق الهدف الأميركي الكبير من إيصال الرئاسة في لبنان إلى الفراغ تصغر أمامها الشروخ التي أحدثها هذا الفراغ من تصدعات كبيرة داخل فريق السلطة، حيث تمسك رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع حتى اللحظة الأخيرة بخيار النصف زائد واحد من دون جدوى، فيما "جنح" رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط نحو التهدئة والدعوة إلى تغليب السلم الأهلي والتوافق على أي خيار آخر. وتلفت المصادر المتابعة إلى أن ما دفع جنبلاط إلى هذه الانعطافة الجديدة هو تلمسه أجواءً إقليمية نحو صفقة أميركية سورية كانت أحد مؤشراتها مشاركة سوريا في مؤتمر أنابوليس، وأن هذه المشاركة لم تكن لتحصل بشكل مجاني ومن دون أن يكون هناك سياق عام تأتي من ضمنه.
والسبب الآخر الذي دفع جنبلاط إلى هذه الانعطافة بحسب بعض المصادر، هو استشعاره أنه سيكون "الحلقة الأضعف" في أي مواجهة على الأرض بين المعارضة وفريق السلطة فيما لو كان الأخير سار حتى النهاية في خيار النصف زائد واحد.
"مشاورات الرابية"
في المقابل فإن دخول البلاد الفراغ الدستوري جعل المعارضة تتهيب الموقف، وهي برغم تمكنها من منع مغامرة فريق السلطة بالانتخاب بالنصف زائد واحد وتغليبها خيار السلم الأهلي على أي إجراء آخر كانت تخطط له، فإن المشهد الجديد فرض عليها ضرورة المبادرة إلى خطوات عملية تجعلها لا تركن إلى الواقع الجديد، وخصوصاً من قبل أركان المعارضة على الساحة المسيحية. ومن هذا المنطلق جاءت مبادرة مرشح المعارضة رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون المتعلقة بإجراء أوسع مروحة مشاورات مع القيادات السياسية والفعاليات النقابية والاقتصادية على الساحة المسيحية، وهي المشاورات التي بدأت الاثنين وتنتهي قبل ظهر اليوم الجمعة، ويتوقع أن تتوج بوثيقة يجري خلالها الكشف عن معطيات الأحداث التي أوصلت الأمور إلى ما وصلت اليه، وإعداد خطة تحرك مستقبلية "في السياق الديمقراطي والحفاظ على السلم الأهلي" كما عبّر العماد ميشال عون الذي قال: "لن نبقى حيث نحن في وسط العاصمة، وسنجلس في كل بيروت". وقد أدت هذه المروحة الواسعة من المشاورات إلى حشر فريق السلطة في الزاوية، فضلاً عن إحراج بكركي التي احترقت ورقتها التوافقية، وكان إحراقها من قبل حلفائها قبل غيرهم كما ترى مصادر التيار.
وأمام هذا الإحراج الذي أصاب فريق السلطة كان لا بد من مناورة للالتفاف على الوهج الجديد للعماد عون على الساحة المسيحية، فكان أن بادر هذا الفريق إلى إعادة طرح اسم قائد الجيش العماد ميشال سليمان كمرشح توافقي لرئاسة الجمهورية بعدما كان رفضه مراراً في السابق وجرد الحملات السياسية ضده.
وهنا يدعو العماد عون رداً على هذا الطرح، فريق السلطة الى الانتهاء من خلافاته "ويذهب بمشروع قانون الى مجلس النواب لتعديل الدستور لمصلحة سليمان، وحينها يكون لنا رأي في الموضوع". وفي السياق ذاته تتساءل مصادر التيار الوطني الحر عن سبب طرح ترشيح سليمان بعد حصول الفراغ الدستوري، وهل يحق للحكومة اللاشرعية تعديل الدستور بوضعها الحالي؟ كما تتساءل عن سر موافقة فريق السلطة على تعديل الدستور لمصلحة سليمان بعدما كان أركانه ملأوا الدنيا بتصريحاتهم الرافضة لتعديل الدستور لمصلحة أشخاص، كما شنوا الحملات على مبادرة العماد عون الأخيرة زاعمين أنها تتطلب تعديلاً دستورياً يرفضونه في المبدأ!
يبقى أن ضغط الفراغ الرئاسي وانعكاسه السلبي على الساحة المسيحية خصوصاً والساحة اللبنانية بشكل عام، يستدعي تفعيل الاتصالات والمشاورات للوصول الى مخرج ضمن مهلة زمنية قصيرة، وهو أمر يدركه الجميع.
هلال السلمان
الانتقاد/ العدد1243 ـ 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007