ارشيف من : 2005-2008
حضور لبنان في مؤتمر "أنابوليس" أبتر وغير شرعي: قضايا لبنان غائبة والمشاركة تأكيد على التبعية للمشروع الأميركي ـ الاسرائيلي
حدّد الرئيس الأميركي جورج بوش مسبقاً أهدافه من مؤتمر الخريف في "أنابوليس"، وجاءت مراميه واضحة ومحصورة فلسطينياً كمنطلق نموذجي لمحطات إسرائيلية ـ عربية لاحقة بصناعة مدموغة بالختم الأميركي. وجاء العرب ليحضروا الواقعة، ويحضّروا لواقعات أخرى شبيهة، مقرونة بهويات وأسماء الأقطار التي يتسنّمون حكمها، وكأنهم يشاهدون "بروفة" سيشاركون في صياغة فصول إحدى حلقات برنامجها انطلاقاً من العام المقبل.
مندوب السنيورة لا يمثل لبنان
ماذا عن لبنان؟ وماذا عن حضوره ودوره وقضاياه؟ صحيح أن بوش جاء على ذكر لبنان في كلمته الافتتاحية، ولكن هذا الذكر لا يكتسب خصوصية بحد ذاته بقدر ما هو تكريس للسياسة الأميركية الراهنة في التدخل بالشأن اللبناني، وتذكير بالموقع الذي يمتاز به لبنان ضمن خارطة الشرق الأوسط الجديد تحت شعار "دمقرطة" العالم العربي والاسلامي، فضلاً عن الإشارة إلى الدور الذي يجب أن تلعبه حكومة السنيورة اللاشرعية في المهمة المرسومة للعرب، وعنوانها الرئيسي "الدعم القوي لحكومة محمود عباس والتقرب من "اسرائيل" والعمل على تطبيع العلاقات معها، من خلال القول والفعل".
ذهب لبنان إلى "أنابوليس" بحضور أبتر غير شرعي، ولا يمثّل المندوب الحاضر سوى من انتدبه إلى هناك، وبقطع النظر عن مدى نجاعة ومشروعية المشاركة في مؤتمرات تسووية من هذا النوع، كما هي الحال في كل المؤتمرات التي دعت إليها الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن الحضور اللبناني ـ من منطلق الانتساب الاسمي وليس الشرعي ـ جاء يتيماً خجولاً منفكاً عن مسارٍ لازمه منذ مؤتمر مدريد الأول، وما زال لبنان ملتزماً به وفق معاهدات موقّعة رسمياً، وما زالت مفاعيلها سارية حتى اليوم.
قضايا لبنان الغائبة
ومن نافل القول إن التجربة اللبنانية كانت مؤلمة ومخيّبة من قبل مع مؤتمر مدريد، مع أنه كان في ذاك الوقت يكتسب قوة نسبية من خلال تلازم الملف اللبناني مع الملف السوري في المسار التفاوضي، فكيف به اليوم وهو يشارك في تظاهرة تسووية لم تدرج على جدول أعمالها أيّاً من قضاياه الرئيسية، التي نادى بها في حلقات التفاوض السابقة!! وكيف به وهو يشارك بمندوب ينتحل صفة وزير في حكومة فاقدة للشرعية لا صلاحية لها، ومنتهكة للدستور باعتبار أن لا رئيس جمهورية منتخباً لكي يصادق على الحضور اللبناني في محفل دولي قد ينتج عنه قرارات مطلوب أن يلتزم لبنان بها!!
ولعل من المفيد التذكير أن لبنان الرسمي معني بمطالبة المجتمع الدولي وعلى رأسه مجلس الأمن والأمم المتحدة، بتنفيذ القرارات الدولية وفي طليعتها القرار 425 الذي دخل لبنان بمقتضاه أروقة مؤتمر مدريد. وإن كنا نريد تبرير المشاركة اللبنانية في مؤتمر "أنابوليس" فكان لا بد أن يكون تنفيذ القرار 1701، الذي يخرقه الاحتلال الإسرائيلي يومياً، بنداً مدرجاً على جدول الأعمال، فضلاً عن القضايا اللبنانية الأساسية الأخرى التي لم يرد ذكرها أو الإشارة إليها في كلمة الراعي الأميركي، وفي مقدمتها تحرير مزارع شبعا المحتلة، وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين في سجون الاحتلال، وتسليم خرائط الألغام الإسرائيلية في الأرض اللبنانية، فضلاً عن التعويضات التي يتوجّب على الكيان الصهيوني دفعها للبنان نتيجة اعتداءاته واحتلاله للبنان على مدى عشرات السنوات.
تبرئة "إسرائيل" وأميركا
لا شك في أن مشاركة مندوب السنيورة في مؤتمر "أنابوليس" ستعود بالضرر على صورة لبنان، وضربة مباشرة للجهود والمساعي الرامية إلى تحصين وتماسك الساحة الداخلية، وخصوصاً أنها تأتي في وقت عصيب وحساس وانقسام حاد بين الأطراف السياسية، وحالة فراغ مزدوجة في سدتي رئاسة الجمهورية والحكومة، وبالتالي لا يمكن فهم هذه المشاركة إلا من باب تحقيق أهداف "الأجندة" الأميركية التي يحرص فؤاد السنيورة ومجموعته على تنفيذها، كما يمكن قراءتها في أكثر من منحىً سلبي، وأهمها:
* الانصياع الكامل للإدارة الأميركية بكافة متطلباتها، وتلبية غير مشروطة للمشروع الأميركي ـ الإسرائيلي المرسوم للمنطقة.
* تبرئة "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية من الجرائم التي ارتكبتاها بحق لبنان واللبنانيين خلال عدوان تموز 2006، وتلميع صورة واشنطن تحت ستار "مؤتمر السلام".
* تقديم خدمة مجانية للأميركيين والإسرائيليين لتحصيل مكاسب في لبنان بعناوين سياسية بعدما أخفقوا في تحصيلها بالوسائل العسكرية على مدى سني الاحتلال الاسرائيلي للبنان.
* التغطية على مؤامرة توطين الفلسطينيين في لبنان، بل المساهمة في دفع هذا المشروع إلى حيّز التنفيذ من خلال التزام لبنان بتأييد أي اتفاق يتوصل إليه عباس وأولمرت.
* المساهمة في التغطية العربية لمساعي الضغط الأميركي ـ الاسرائيلي على كل من سوريا وإيران والمقاومة في فلسطين المحتلة.
فاتورة كبيرة وتنازل مجاني
لقد أعلن بوش أن هدف المؤتمر الرئيسي ليس التوصل إلى اتفاق بل لتأمين انطلاق محادثات ثنائية على المسار الإسرائيلي ـ الفلسطيني، بموجب آلية تفاوض بإشراف لجنة توجيه ثلاثية أميركية ـ اسرائيلية ـ فلسطينية تعقد اجتماعها الاول في 12 كانون الاول المقبل، في حين اعتبر أولمرت أن "نجاح المؤتمر يكمن في أصل انعقاده". ومن هنا فإن مشاركة مندوب لبناني (بدون أل التعريف) من شأنها أن توقع لبنان في مطبّات غير مبرّرة، وتلزمه ـ فيما لو تم إقرار هذه المشاركة ـ بتنازلات مجانية نحن في غنى عنها، فيبدو لبنان معها وكأنه الضيف الحاضر بلا دعوة، الذي يدخل خلسة من الباب الأمامي وينسلّ خارجاً من الباب الخلفي، دون أن يتسنى له حتى المشاركة في تقبّل أو تقديم التهاني، في حين أن المطلوب منه أن يدفع فاتورة الحضور.. وفوقها ضريبة القيمة المضافة.
محمد الحسيني
الانتقاد/ العدد1242 ـ 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007