ارشيف من : 2005-2008

مشاركة لبنان في مؤتمر أنابوليس: مطلب إسرائيلي أميركي بامتياز

مشاركة لبنان في مؤتمر أنابوليس: مطلب إسرائيلي أميركي بامتياز

الحقيقة المسلّمة التي لا يمكن التشكيك بها هي ان فكرة عقد مؤتمر للسلام في انابوليس لم تنطلق نتيجة عصف ذهني على طريقة البحث عن حل لمعادلة رياضية، ولا خلاصة تفكير مجرد سمح بالعثور على وصفة سحرية لحل مشكلة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وانما انطلقت من، وفي ظل، حقائق افرزتها تطورات سياسية وعسكرية في المنطقة، وتحديدا في العراق وفلسطين ولبنان وايران، الأمر الذي دفع الرئيس الأميركي جورج بوش الى المبادرة للدعوة الى عقد مؤتمر للتسوية في 16 تموز/ يوليو الماضي.
لذلك يمكن القول إن أبرز ما يميز هذا المؤتمر عن سابقاته هو الظروف السياسية التي املته.
ففي ايران وجدت الادارة الاميركية نفسها أمام دولة عازمة ومصممة على مواصلة طريقها في مشروعها النووي من غير اكتراث بالتهديدات الاميركية، وفي كل مرحلة تُسجل ايران انجازا جديدا على هذا الصعيد من دون ان تتمكن الولايات المتحدة، حتى الان، من الاقدام على مهاجمتها او اخضاعها بأي وسيلة كانت.
وفي العراق استنفدت الادارة الاميركية كل وسائلها بما فيها العسكرية والامنية، لكنها لم تجد سبيلا للخروج من المأزق الذي تورطت فيه حتى اصبح الدافع لاستمرار الاحتلال والصبر على خسائره هو الخوف مما هو اعظم منه، ومن التداعيات السلبية الاستراتيجية التي يمكن ان تترتب على الانسحاب من العراق في ظـل هذه الظروف.
وفي فلسطين بدلا من ان يكون الواقع بعد مضي السنوات اكثر نضجا وقابلية لقبول اي تسوية سياسية تفرضها الادارة الاميركية، وبدلا من استيعاب حركة حماس وتطويعها من خلال اغراقها في السلطة، كانت النتيجة ان تيار التسوية ضعف الى حد ان الاسرائيليين انفسهم يقولون انه لولا الاجهزة الامنية والعسكرية الاسرائيلية لن يكون للسلطة من وجود، وستنتقل تجربة غزة الى الضفة. وبدلا من ان تنزع السلطة اسلحة المقاومة نزعت حركة حماس اسلحة السلطة في غزة... ووصل الوضع الى درجة ان رئيس وزراء العدو ايهود اولمرت قال بصريح العبارة ان استمرار الوضع الراهن اخطر من مؤتمر فاشل في انابوليس؟!.
اما في لبنان فقد اصيبت الادارة الاميركية بخيبة كبيرة جراء عجز الجيش الاسرائيلي وفشله في القضاء على البنية التحتية والقتالية لحزب الله، وسقوط المخطط الاميركي بفرض شرق اوسط جديد من خلال لبنان، ما دفع الادارة الى التفتيش عن سبيل اخر...
في ظل هذه الاوضاع مجتمعة انطلقت فكرة عقد مؤتمر للتسوية تحول الى تظاهرة عربية ودولية لحل مشكلة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. ولعل الامر اللافت في هذا السياق هو الربط الذي اقدم عليه الرئيس بوش بين الوضع في الساحة اللبنانية ومؤتمر انابوليس عندما قال "الديمقراطية في لبنان ضرورية للسلام في الشرق الاوسط". الامر الذي يعكس بوضوح الاهمية التي توليها الادارة الاميركية و"إسرائيل" لمشاركة لبنان في هذا المؤتمر.
وفي هذا المجال يمكن القول: ان نظرة عابرة الى الدول العربية تبين حقيقة تفاوت اهمية مشاركة بعض الدول (العربية) عن الاخرى كل وفق دورها وموقعها وظروفها. فلمشاركة السعودية بعد اساسي... لاعتبارات عديدة، ولمشاركة سورية بعد اخر... وكذلك ايضا لمشاركة لبنان اهميته الخاصة في الحسابات الاسرائيلية والاميركية التي تنطلق فيما تنطلق من كونه البلد العربي الذي ألحق الهزيمة بالجيش الاسرائيلي. وفي هذه الحال لا يمكن للإسرائيلي والاميركي ان يقبل بأن يتميز لبنان عن محيطه العربي بموقفه السياسي الممانع، كما تميز بمقاومته للاحتلال والعدوان، خاصة في ظل الانكباب على بلورة وتنفيذ مخطط اميركي متجدد للمنطقة. وبالتالي كان من الضروري، اميركيا واسرائيليا، مشاركة لبنان.
ايضا كان لا بد للبنان الجديد المتحلل من عبء التحالف مع سوريا بل و"المتخاصم" معها، ان يشارك في المؤتمر انسجاما مع الموقع الجديد الذي تموضع به، وخاصة ان هناك قوى في داخله تضع ذلك ضمن اطار السيادة والتحرر من الوصاية. وما يعزز هذا الامر انه من غير الملائم والمقبول، بعد قرار سوريا بالمشاركة، ان يكون لبنان الجديد ممتنعا ومزايدا في مواقفه العروبية.
كل ذلك ولم نتطرق حتى الان الى حقيقة كون تحالف قوى السلطة في لبنان هو جزء من المحور الاميركي في المنطقة، بل انهم بحسب التوصيف الاميركي يحتلون موقعا اساسيا فيه، ويتضح هذا الامر مع تأكيد الرئيس بوش ان حكومة السنيورة جزء من الامن القومي الاميركي. فكيف يمكن لهذه القوى في ظل هذا الواقع ان تمتنع عن المشاركة في مرحلة حرجة يمر بها النفوذ الاميركي بعد فشله وهزيمته في ساحات الصراع المتعددة في المنطقة.
ولعل الموقف الذي اطلقه وزير الشؤون الاستراتيجية في حكومة العدو، افيغدور ليبرمان، خير معبر عن مدى الاهمية التي توليها الادارة واسرائيل للساحة اللبنانية وعلاقتها بكل ما يمكن ان يتمخض عن هذا المؤتمر او يليه، اذ اكد ليبرمان ان "الامتحان الحقيقي والأول للرئيس بوش ليس انابوليس وليس أبو مازن وإنما لبنان، وحدد ان هذا الامر سيتضح من خلال "الصورة التي ستنتهي عليها معركة الرئاسة في لبنان وتحديد هوية الرئيس". واوضح ليبرمان ايضا الاساس الذي انطلق منه في موقفه بالقول "ان الخسارة الاميركية في لبنان ستكون إشارة لكل العالم العربي"، يضيف: "نحن خسرنا والإيرانيون انتصروا"، ليصف في النهاية موقف الدول العربية بأنها الان "تقف على الجدار وتراقب الوضع، تنتظر خاتمة المعركة في لبنان".
اما بخصوص امكانية عقد مفاوضات اسرائيلية لبنانية فنكتفي بنقل ما اورده معلق الشؤون العربية في القناة الاولى من التلفزيون الاسرائيلي، عوديد غرانوت، في هذا المجال: "ان النقطة المثيرة في مؤتمر انابوليس هي انه فورا بعد الموضوع السوري سيحصل نقاش أو تصريح علني بخصوص سلام إسرائيلي لبناني. واضاف أن القصد ليس مفاوضات وانما إمكانية فتح قناة علنية في المداولات، عن السلام الإسرائيلي اللبناني. لكنه اعرب عن اعتقاده أن اللبنانيين لن يسيروا فورا في العملية أو يتحدثون عنها، لكنهم شاركوا الآن في المؤتمر كطرف مستقل لأنهم في السابق كانوا تحت جناح شقيقتهم الكبيرة دمشق، ولم تكن في السابق مشاركاتهم برضاهم".
اما عن خلفية اندفاع اولمرت للسير في هذه التسوية في هذا الوقت بالذات، وانطلاقا من امكانية تداخل الاعتبارات الذاتية والموضوعية في الكثير من القرارات التي يتخذها القادة السياسيون يصبح بالامكان اخذ التقديرات السائدة في اوساط القادة السياسيين في كيان العدو، بالاعتبار، وربما ترجيح ان تكون لها حيزاً ما دوافع اولمرت. وتفيد هذه التقديرات ان نشر تقرير فينوغراد، في الفترة المقبلة، ونتائج التحقيق القضائي ضد أولمرت، هما الدافعان الأساسيان لأولمرت لقيادة مسار تفاوضي سياسي جوهري. وخاصة انه كلما استمرت شعبية اولمرت بالانحدار لدى الجمهور الاسرائيلي كانت نتائج تقرير فينوغراد اكثر قساوة. وهو ما يوفر لاولمرت دافعا ذاتيا، الى جانب المعطيات المرتبطة بالواقع السياسي والامني الاقليمي، للاستمرار في عملية المفاوضات بغض النظر عما اذا كانت ستؤدي الى نتائج فعلية على المسار الفلسطيني ام لا.
جهاد حيدر
الانتقاد/ العدد1242 ـ 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007

2007-11-30