ارشيف من : 2005-2008
تحدياً للحصار وتقليص الوقود: نساء غزة يستبدلن بالغاز أفران الطين لطهو الطعام
غزة ـ فادي عبيد
"كثيرة هي نماذج الصمود والتحدي التي قدمها الفلسطينيون على مدى سنوات تصديهم لجرائم الاحتلال الصهيوني وإجراءاته التعسفية التي ما فتئت تحاول النيل من إرادتهم وعزيمتهم، لا سيما الحصار المجحف الذي يتعرض له نحو 1.5 مليون غزي منذ عدة أشهر.
فبينما يرقب ما يسمى بالمجتمع الدولي تنفيذ حكومة الكيان قرارها بتقليص تزويد القطاع بالكهرباء والوقود خلال الأيام القليلة القادمة، سارع أهالي غزة إلى البحث عن بدائل للتعامل مع الواقع الجديد الذي ينتظرهم.
الحاجة أم رائد قديح ـ في الستينيات من عمرها - نموذج للمرأة الفلسطينية التي لطالما لعبت دوماً دوراً مهماً في مسلسل الصمود والمقاومة، حيث ابتكرت "فرن طين" ليحل مكان "البوتاجاز" في عملية طهو الطعام، نظراً لارتفاع أسعار قوارير الغاز وتردي الأوضاع الاقتصادية.
وضع صعب
تقول أم رائد التي تعيل أسرتها المكونة من 14 فرداً، أحدهم مريض: "بداية الفكرة كانت قبل 5 أعوام حين صنعت فرناً في بيتي لطهو الأكلات الدسمة التي تحتاج إلى فترات طويلة على الغاز، لكن ذلك كان مثار استهتار من قبل الجيران! ومنذ أن بدأ الحصار وارتفع سعر الغاز بات الجميع يسارع إلى اقتناء مثله؛ فقمت بصناعة أفران أخرى لبيعها".
وعن الوقت والجهد الذي تستغرقه صناعة هذا النوع من الأفران، أوضحت أم رائد أن ذلك يحتاج إلى يوم أو يومين حسبما تكون حالة الطقس، لافتةً إلى أن تلك الأفران لها أحجام متعددة وفقاً لما يطلبه الزبون نفسه، ويتراوح سعر الواحد منها بين (15 – 25 شيكلاً).
بلدة خزاعة شرقي مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة لم تكن فقط مصدر هذا الفرن؛ بل كانت الحاضنة له أيضاً.
تقول أم مهند النجار الخمسينية وهي واحدة من بين عشرات الأسر التي تقطن تلك البلدة: "اشترينا الفرن بـ20 شيكلا حتى نطبخ أكلنا، لأننا مش قادرين نجاري الغلاء الفظيع في سعر الغاز".
وتضيف النجار انها باتت تستخدم الغاز العادي فقط لعمل الأشياء التي لا تحتاج إلى وقت طويل، مثل الشاي ونحوه. مشيرةً إلى أن معاناتها وأفراد أسرتها الثمانية الذين قدموا إلى غزة بعد حرب الخليج عام 1990 من العراق تتفاقم في كل يوم بسبب الحصار وتردي الوضع الاقتصادي، إلى جانب تراكم الديون عليها جراء محاولاتها توفير القليل من الأدوية المطلوبة لزوجها الذي يعاني من السرطان ولا يملك بطاقة هوية للسفر إلى الخارج لتلقي العلاج.
برغم الألم
وليس بعيداً عن هذا المنزل التقينا أم أحمد النجار ـ في الثلاثينيات من العمر، بينما كانت في الطريق إلى أرضها الزراعية على بعد عشرات الأمتار من منزلها، فقالت لنا: "الحياة كلها معاناة.. مش عارفين شو نعمل، والمعيشة غالية، ودخلنا محدود، وأحياناً يكون معدوم".
وحول المخاطر التي قد تتعرض لها أم أحمد خلال رحلتها هذه، لا سيما أن أرضها على مقربة من الشريط الحدودي... أضافت أنها تعرضت أكثر من مرة لإطلاق النار من قبل أبراج المراقبة الصهيونية القريبة من المنطقة؛ لكنها أشارت إلى أن ذلك لن يمنعها بسبب عجز زوجها عن توفير ( 25 شيكلا) كل شهر ثمن قارورة الغاز، عدا عن المصاريف الأخرى لأبنائه الستة.
وعما إذا كان هذا الفرن مجديا في الاستخدام قالت النجار: "الفرن وفر علينا الكثير؛ يعني بدل ما كانت قارورة الغاز تكفي لـ20 يوم الآن تكفي 35 يوم أو أكثر ".
وفي ختام حديثها دعت أم أحمد الحكام العرب والمسلمين إلى ضرورة التدخل لرفع الحصار عن القطاع ووقف معاناة آلاف الغزيّين المستمرة منذ عدة أشهر.. دعوة قد لا تكون الأولى من نوعها، لكنها تجدد تأكيد الفلسطينيين أن لسان حالهم سيظل يقول: "برغم الألم.. سيبقى الأمل".
الانتقاد/ العدد 1243 ـ 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007