ارشيف من : 2005-2008

مؤتمر أنابوليس بين الهدايا العربية المجانية والتوظيف الإسرائيلي الميداني: توريط أبو مازن في مغامرة خطرة مع حماس وهجوم محتمل على غزة

مؤتمر أنابوليس بين الهدايا العربية المجانية والتوظيف الإسرائيلي الميداني: توريط أبو مازن في مغامرة خطرة مع حماس وهجوم محتمل على غزة


هل نجح مؤتمر انابوليس ام فشل، ام أن ما حصل هو بالذات ما اراده المنظمون له؟ وهل تقاطعت نتائج المداولات العلنية والسرية مع بعض التصريحات الاميركية التي اسبغت على الاجتماع صفة "بالغ الاهمية"؟ مرد الاسئلة الى الخلفيات والظروف التي رافقت التحضير وعقد المؤتمر والاهداف الحقيقية له.
بعد قطيعة دامت نحو سبع سنوات من ولايتيه في البيت الابيض استيقظ الرئيس الاميركي جورج بوش ليكتشف ان هناك صراعا فلسطينيا اسرائيليا يحتاج الى حل، بعد ان كان كل اهتمامه منصبا على محاربة ما يسميه "الارهاب"، وبعد استحواذ الملف العراقي على الجزء الاكبر من سياسته الخارجية، برغم ان كثيرا من تقديرات الاوضاع كانت تعيد جذور جميع الازمات التي تعاني منها المنطقة و"الظواهر الارهابية المتنقلة" الى الصراع العربي الاسرائيلي عموماً، والانحياز الاميركي المطلق لـ"اسرائيل"، مع ما يبرره ذلك من استهدافات للمصالح الاميركية بسبب مواقف واشنطن تلك. لكن الواضح ان بوش لم يعتمد تلك المقاربة التي تقول ان جذور المشكلة تكمن في هذه القضية، بل ذهبت بعض التقديرات الى التقليل من اهمية ما حصل وحصرها برغبة الرئيس الاميركي في حجز مكان له في كتب التاريخ حتى لا يقال انه لم يقم بمبادرة سلام، بل انه قام بما يستطيع لتنفيذ خطة خارطة الطريق التي وضعها مستجيبا فيها بالكامل لمطالب إسرائيل، وان كان تحدث عن دولة فلسطينية مجهولة الشكل والحدود والهوية والحقوق.
على ان هاجس بوش الشخصي يكمن في تسجيل إنجاز يتمثل بجمع ممثلين لخمسين دولة ومنظمة دولية وإقليمية لبحث المسار الفلسطيني الإسرائيلي للمرة الاولى على الارض الاميركية كما قالت وزيرة خارجيته كونداليزا رايس، وهي صورة يحتاج اليها كثيرا في هذه الايام حيث يعاني من إخفاقات متلاحقة في الملفات الرئيسة في سياسته الخارجية، وأبرزها المأزق العراقي، والبرنامج النووي الإيراني، فضلا عن حربه على الإرهاب التي كلما رتقت في مكان فتقت في مكان آخر، حتى أفغانستان التي بدت بعيد غزوها لقمة سائغة قبل أن يكتشف أنها لا تزال برغم سنوات مرت على احتلالها مصدرا للمتاعب.
وعليه فإن الصورة في زمن "صناعة الاعلام" المعاصرة تعني كثيرا للديبلوماسية الاميركية، ولا سيما ان حجم التغطية الصحفية واحتلال وقائع المؤتمر شاشات دول كثيرة يعبران عن حجم اهمية الحدث بمعزل عن النتائج التي يمكن ان يخرج بها، وهي نتائج مشكوك اصلا منذ البداية في الخروج منها بصيد ثمين.
فمنذ التحضير للمؤتمر سادت بعض الفوضى اعماله التحضيرية، من الاعلان عنه للمرة الاولى في الربيع على ان يعقد في الخريف وارجئ مرات عدة، ولم يتأكد عقده سوى الاسبوع الماضي، فضلاً عن توجيه الدعوات متأخرة وصولاً الى صدور الاعلان الفلسطيني الاسرائيلي في اللحظة الاخيرة، حيث وقبل دقائق معدودة فقط من افتتاح بوش للمؤتمر وبعد تدخله المباشر في المفاوضات وضعت اللمسات الاخيرة على وثيقة اطار حول مفاوضاتهم المقبلة، مع ان بعض النقاط لا تزال عالقة بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني قبل ان يخرج الاسرائيلي ليحتفي بأن هذا الاعلان لم يتضمن أي تنازل من قبله، وكان اول الارباح التي جناها ايهودا اولمرت على الحلبة الداخلية اعلان كل من رئيس حركة شاس ايلي يشاي وزعيم حزب "اسرائيل بيتنا" عزمهما البقاء في الائتلاف الحكومي لان الوثيقة المشتركة لم تقدم اي تنازلات للفلسطينيين. وقد كان هناك اجماع على ان الوثيقة مبهمة جدا ولا تتطرق الى المسائل الجوهرية وتنطوي فقط على تعهد الطرفين بحلها خلال السنة المقبلة، والذي نسفه اولمرت بعد ساعات من اعلان انتهاء المؤتمر بقوله ان التوصل الى اتفاق أواخر العام 2008 قد لا يتحقق. وخرجت عدة تصريحات وتحليلات اسرائيلية تجزم بأن ولاية بوش ستنتهي دون ان ينجح في تحريك هذه العملية سنتمترا واحدا للامام، برغم ان بوش اطلق المفاوضات بدءا من اليوم التالي أي الاربعاء، وبحضور كل من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس واولمرت اللذين اتفقا على ان يلتقيا كل اسبوعين، على ان تشرف لجنة مشتركة على ادارة المفاوضات تضم وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني ورئيس وفد المفاوضين الفلسطينيين احمد قريع، وتعقد اجتماعها الاول في 12 كانون الاول/ ديسمبر، وستكون مكلفة وضع خطة عمل والاشراف على المفاوضات، يليه مؤتمر دولي للمتابعة في باريس في 17 كانون الاول/ ديسمبر المقبل ايضاً، هدفه جمع الاموال للدولة الفلسطينية كما قال وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، ثم مؤتمر آخر في موسكو مطلع العام المقبل، لم يحدد جدول اعماله والمشاركين فيه.
واذا كانت الحصيلة الاسرائيلية الاولية ايجابية بالنسبة للمسار الفلسطيني الذي لاجله انعقد المؤتمر، فإن التحليل الوحيد الذي ينطوي على مخاوف ذلك الذي يحذر من دخول محمود عباس في مغامرة خطرة، اذا التزم بعملية تفاوضية تقوم على "مقاربة امنية" وتلزمه بمحاربة "الارهاب"، اي بمحاربة حركة حماس، لان ورقة التفاهم التي اذاعها بوش في كلمته "قامت اساسا على مقاربة امنية واستجابت لشرط اسرائيلي وهو تعليق تطبيق اي اتفاق سلام بتنفيذ الفلسطينيين لالتزاماتهم الامنية المنصوص عليها في خارطة الطريق، اي على ما يسمى تفكيك البنية التحتيه للارهاب، وهذا يعني ان المطلوب من عباس محاربة حماس من اجل التوصل الى اتفاق سلام"، بحسب ديبلوماسي عربي واكب المؤتمر، وخلص الى القول انه اذا كان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لم يتمكن من تطبيق هذا الشق من خارطة الطريق فكيف يمكن لعباس الان ان يقوم بذلك".
وازاء تورط عباس في هكذا توجه، فإن المكسب الآخر الذي سارع الاسرائيليون للاعلان عنه هو تحصيلهم "شرعية" وغطاء لعدوان عسكري واسع ضد حماس في قطاع غزة بعد المؤتمر، وذكرت صحيفة معاريف في هذا السياق ان الجيش الاسرائيلي يعد العدة لذلك، حيث اجرى رئيس الاركان غابي اشكنازي جولة ميدانية على القوات المنتشرة على حدود القطاع، وهو ما يعيد بالذاكرة مؤتمر شرم الشيخ حول الارهاب الذي سبق عدوان نيسان الاسرائيلي على لبنان عام 1996.
وهنا يعتمد الجانب الاسرائيلي على الصورة النادرة التي التقطها اولمرت مع الحضور العربي الرسمي المميز الذي يشارك للمرة الاولى بهذه الكثافة في مؤتمر دولي تحضره اسرائيل، وهي صورة لها مغزاها الرمزي المهم لاولمرت الذي يواجه انتقادات لادارته الحرب على حزب الله في لبنان خلال صيف 2006 ومتورط في سلسلة "قضايا" امام القضاء وانحدرت شعبيته الى مستوى قياسي في اسرائيل، فجاء المؤتمر بمثابة تعويم لصورته وتقديم انجاز عربي مجاني له، اقل ما قيل فيه انه فتح قنوات تطبيع، في وقت كان يفترض ان يكون الاداء العربي على النقيض ليستفيد من هزيمة اسرائيل في لبنان، ويوظفها مزيدا من الضغوط عليها لدعم الجانب الفلسطيني.
لكن الاسوأ من هذه الصورة الكلام الذي ذكره قادة العدو وفي مقدمهم رئيس الكيان الاسرائيلي شمعون بيريز الذي ذهب إلى حد القول ان المشاركة العربية الواسعة في انابوليس نابعة من الخوف من ايران، بسبب ما اسماه سياستها المتشددة والمثيرة للخوف والتهديد، مضيفا ان "كثيرا من الاشخاص بدأوا يدركون ان الخطر لا يأتي من اسرائيل وانما من ايران، اسرائيل لا تهدد احدا". وهو ما سبقته اليه وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني التي تحدثت عن ربح صاف ستجنيه "اسرائيل" والولايات المتحدة، وهو استقطاب العرب الى جانبهما في مواجهة ايران وحزب الله وحماس، لان الصور التي ستظهر في انابوليس ستقسم العالم بشكل مطلق بين المعتدلين والمتطرفين حسب تعبيرها. وقد فسر السفير الاميركي السابق لدى اسرائيل مارتن انديك هذه المشاركة بالقول "ان ذلك اصبح تهديدا كبيرا للدول العربية السنية التي وجدت نفسها فجأة مع اسرائيل في الجانب نفسه ضد الايرانيين".
اما فيما يتعلق بالمشاركة السورية، فقد بدا ان ثمة تحليلا اسرائيليا يوصف بالسذاجة يقوم على محاولة لفك تحالف دمشق ـ طهران عبر استدراج الاولى الى حضور المؤتمر، لكن الجانب السوري فرض شروطه على الادارة الاميركية فألزمها اولاً بتعهد بحث موضوع الجولان ضمن اعمال المؤتمر، وثانياً ارسال دعوة خطية له. وبرغم الاستجابة لمطالبها ارسلت سوريا معاون وزير خارجيتها فيصل المقداد، الذي توجهت اليه وزيرة الخارجية الاسرائيلية بالكلام لتعرب له عن امل "اسرائيل" بتحقيق السلام مع جارتها الشمالية، ونظرت اليه ولم يدر وجهه حسب احد اعضاء الوفد الاسرائيلي الذي وصف الجو بالمتوتر لوكالة الصحافة الفرنسية. وعليه فإن دمشق التي خفضت مستوى تمثيلها خلافا لبعض الدول العربية، اضافت خطوة جديدة على طريق فك عزلتها الدولية، وسارعت في الوقت نفسه الى الجزم بفشل المؤتمر مؤكدة ذلك خلال اتصال هاتفي بين الرئيسين السوري بشار الاسد والايراني محمود احمدي نجاد مع ما يعنيه ذلك من تأكيد تحالف البلدين الاستراتيجي.
اذاً في الحصيلة الاولى فإن اتفاقا حاسماً على المسار الفلسطيني غير وارد، وان اكثر ما حصل هو اطلاق مفاوضات ستقف عند الحدود نفسها التي وقفت عندها المفاوضات السابقة فيما يتعلق بالحل النهائي، في وقت تطرح اسئلة عن كيفية التوظيف الاسرائيلي ميدانيا لنتائج انابوليس، سواء عبر ضربة لغزة، او عبر تفعيل خيارات عسكرية على جبهات اخرى لا سيما الملف النووي الايراني، او فتح ابواب تطبيع مع بعض الدول العربية التي لم يكن لمشاركتها أي معنى سوى الاستجابة للاملاءات الاميركية وتقديم هدايا مجانية لاسرائيل.
عبد الحسين شبيب
الانتقاد/ العدد1242 ـ 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007

2007-11-30