ارشيف من : 2005-2008

الموقع المسيحي وتعقيدات التسوية

الموقع المسيحي وتعقيدات التسوية

هذا الاعتقاد يرتكز إلى فرضية أن المسيحيين يسعون إلى الشراكة الآن بأي ثمن حرصاً على موقع الرئاسة الأولى، وأن جزءاً منهم بات مقتنعاً بأن رئاسة الحكومة هي محور النظام السياسي لما تحظى به من دعم عربي ودولي. هذه قراءة ساذجة أو على الأقل غير دقيقة لحال الاستنفار الطائفي في البلاد. البعض يقول إن البرجوازية المسيحية باتت تسلّم بالتحوّلات الكبرى التي طرأت على توازنات القوى في البلاد وباتت أكثر استجابة لمصالحها الاقتصادية الاستراتيجية مع الخليج العربي وقيادة المملكة العربية السعودية.‏

قد يصح هذا التحليل جزئياً فيما لو كانت المصالح الاقتصادية وتعبيراتها السياسية هي التي تحكم الواقع اللبناني. لكنه من المؤسف أن الشعبوية الطائفية المستفزة الآن اجتاحت وتجتاح هذه المصالح والاعتبارات أمام القلق العام الذي سيطر على المجموعات الطائفية وتغذّى من هذه المداخلات الدولية الكثيفة التي تبدو أنها سائرة في اتجاه العبث بالصيغة اللبنانية. إن التخلي الأميركي عن المسيحيين عام 1975 واقتراح إيجاد وطن بديل لهم حرّضهم على خوض حرب وجودية دامت 15 سنة أثبتوا خلالها أنهم يتشبثون بموقعهم ودورهم اللبناني. وما قدموه من تنازلات لإنهاء تلك الحرب لا يمس شراكتهم الأساسية في السلطة. لقد كانت المناصفة وتكريس الأعراف الطائفية والإقرار بفلسفة الميثاق والعيش المشترك ضمانات أساسية حصلوا عليها في لحظة إقليمية ودولية لم تكن راجحة في مصلحتهم.‏

كان البعض من المسيحيين يعتقد وهو يقبل في اتفاق الطائف أنه صيغة مؤقتة، أو أنه اتفاق الضرورة الذي يمكن نقضه وتجاوزه مع انحسار الموجة الإقليمية التي عززت موقع سوريا ودورها. لكن هذا الوهم نفسه هو الذي حكم الفريق الإسلامي الذي اعتقد أن مسار الطائف يسير في اتجاه إلغاء كل اعتراض مستقبلي على «التعريب» السلطوي للحلول اللبنانية. ربما كان هذا الوهم هو الذي يسيطر الآن على بعض المتولين للسلطة باسم المسلمين وهم على ثقة مطلقة «أن القافلة تسير».‏

لكن ما كان مدار شكوى من السيطرة المسيحية على مقدرات السلطة وأسلوب التعاطي فيها ينتقل اليوم إلى ضفة أخرى. إن عدم الإصغاء للشكوى والتذمرات، والاستهانة بها، والاستعاضة عن التمثيل الحقيقي ببعض الأتباع، قاد في الماضي ويقود اليوم إلى تعميق أسباب الأزمة وتعقيد سبل معالجتها. لقد استطاعت أقلية طائفية أن تؤلّب من حولها ما سُمي أحزاب الحركة الوطنية وأن تتحوّل إلى قطب جاذب وأساسي في الصراع السياسي خلال مرحلة السبعينيات.‏

انتفاضة الموارنة اليوم في وجه التلاعب الخطير بتوازنات السلطة لن يكون من السهل تجاوزها. بل لقد صار المتصدّر لهذه الانتفاضة محور أي تسوية مقبلة مهما بالغ الآخرون في محاولة تحجيم دوره والتشويش عليه. في المواجهة التي يقودها المسيحيون الآن لتصحيح مسار السلطة ثمة بُعد وطني كبير. تتقاطع هذه المواجهة مع أهداف وطنية كبرى لعل أهمها منع عزل أي طائفة والاستفراد بالسلطة وأخذ البلاد إلى خيارات تفجّر صيغة العيش المشترك والوحدة الوطنية. واهمٌ إذاً مَن يعتقد أن اللقب السلطوي يعطيه الصلاحية والقوة لاتخاذ قرارات تأخذ البلاد في وجهة غير متوافق عليها. لم تعد التسوية الوطنية ضرورة فقط لإدارة سليمة للبلاد، باتت حاجة ملحة للحفاظ على السلم الأهلي والعيش المشترك.‏

المصدر: صحيفة "السفير"‏

2007-11-29