ارشيف من : 2005-2008
ما هو التفسير القانوني لإعلان رئيس الجمهورية؟
العماد لحود، وقرر الرئيس تسليم الأمانة الى الجيش فيُطرح السؤال عن دلالة الخطوة ودستوريتها ومفاعليها القانونية والدستورية على ضوء الأحكام النافذة.
وللإجابة نبدأ من القواعد والأصول فنرى ان الدولة قامت في الاساس لتوفير الأمن لأبنائها الذين ينضوون فيها والدفاع عنهم، وحتى تستقيم الحال تقوم السلطة (المنبثقة من الشعب او المفروضة عليه) التي توفر الطاقات والإمكانات لذلك. إنها القاعدة التي استقام النظر للدولة على اساسها، وفي ضوئها ايضاً اصدرت قوانين الدفاع والأمن في الدول ومنها لبنان، حيث جاء قانون الدفاع الوطني في لبنان (المرسوم الاشتراعي رقم 102/1983) وفي المادة الاولى ليعطي تعريفاً للدفاع الوطني من حيث انه يهدف الى «... تعزيز قدرات الدولة... لمقاومة أي اعتداء على ارض الوطن وأي عدوان يوجه ضده. لضمان سيادة الدولة وسلامة المواطنين» وهذه هي المهمة الأساسية للقوى المسلحة التي تشمل « الجيش، قوى الامن الداخلي، الامن العام ...»، وتضيف المادة 5 من نفس القانون « يوضع الجيش بتصرف رئيس الجمهورية الذي يمارس صلاحياته وفقاً للأحكام المنصوص عنها في الدستور والقوانين النافذة لا سيما المادتين 6 و7 من هذا المرسوم الاشتراعي». وتحدد هاتان المادتان اصول استخدام الجيش عبر النص على ان مجلس الوزراء هو الذي يقر السياسة العامة الدفاعية والأمنية (المادة 6) وان المجلس الاعلى للدفاع برئاسة رئيس الجمهورية هو الذي يدعو الى التعبئة العامة (المادتان 7 و8).
وبالعودة الى الدستور (م. 49 منه) نجد ان رئيس الجمهورية هو الذي اقسم على احترام الدستور وصيانة الدولة «والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور. يرأس المجلس الأعلى للدفاع وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء». ويكون له بالتالي ان يستعمل من الوسائل القانونية ما يمكنه من الوفاء بقسمه والإيفاء بموجباته، اي حفظ الدولة وبعناصرها الثلاثة: شعب وأرض وسلطة. ويكون استعمال رئيس الجمهورية للجيش مشروطاً بالتقيد بالأصول الدستورية (عبر قرارات مجلس الوزراء، وقرارات المجلس الاعلى للدفاع)، التي تصدر بموجب مراسيم ويوقع عليها معه وزيرا الدفاع والداخلية ورئيس الحكومة.
هنا يُطرح السؤال: هل تتعطل مهمة الجيش وينتفي اللجوء اليه او استعماله إن لم تصدر المراسيم تلك؟ ويشتد اليوم إلحاح هذا السؤال في ظل الواقع اللبناني الذي تشكل في لبنان مساء الثالث والعشرين من تشرين الثاني الحالي بعد فشل مجلس النواب في انتخاب رئيس جمهورية يخلف العماد لحود وبعد ان ارتسمت الصورة التالية:
ـ رئيس جمهورية غادر مركزه بسبب انتهاء ولايته، ولم يستمر في القصر لاستحالة دستورية في الأمر، لأن المهلة دستورية ولا تنطبق عليها قاعدة «وجوب استمرار المرفق العام» المعمول بها في القانون الاداري (من غير خلاف)، وهي القاعدة المتنازع بشأن أعمالها في القانون الدستوري مع غلبة للفقهاء الرافضين لها. وكان منطقياً بحسب نص الدستور ومع شغور مركز الرئاسة ان تؤول الصلاحيات وكالةً الى الحكومة القائمة فيسلمها الرئيس الامانة ويرحل. ولكن..؟
ـ الحكومة القائمة حاليا هي غير موجودة بنظر رئيس الجمهورية (وهو المكلف بالسهر على احترام الدستور)، اذ سقطت شرعيتها بنظره ونظر معظم فقهاء الدستور بخروج الوزراء الشيعة منها، وبالتالي انتفى وجود الهيئة الدستورية التي يمكن للرئيس تسليمها مهام رئاسة الجمهورية. وواجه الرئيس معضلة تسليم الأمانة التي اقسم على حفظها: استقلال الوطن وسيادته ووحدته؟
هنا كان لا بد من العودة الى الاساس ونرى ان الجيش هو المولج قانوناً بمهمة اساسية «الدفاع عن الوطن وحفظ سيادته»، ويمكن ان يكلف بمهام إضافية بقرار من مجلس الوزراء. وفي الواقع المتشكل اعلاه سيكون الجيش من غير سلطة سياسية تعلوه وتضع له سياسته الدفاعية او تكلفه بالمهام الامنية والدفاعية الإضافية فكيف يتصرف؟
بيد اننا نرى عند التدقيق في الأمر ان الجيش انشئ وكلف بمهامه الرئيسية بمقتضى القانون، ومارس مهامه بعد تنظيمه استناداً الى مراسيم سابقة وهي لا زالت نافذة، ويبقى تكليفه بمهام إضافية امراً ممكناً ويستوجب اتخاذ مراسيم (عادية او في مجلس الوزراء)، وبإجراء التحليل للنصوص المتعلقة بمهام الجيش نجد إن مهام الجيش نوعان: اساسية صريحة، وهي جاءت بارزة بوضوح النص، ومهام مضمنة تستنج بالتحليل العسكري والقانوني للنصوص المعتادة من قبل العسكريين وأعمال ذلك يقود الى ما يلي:
ـ لا يحتاج الجيش في مسألة حفظ الدولة ارضاً وشعباً (بصورة خاصة) الى تكليف إضافي يتعدى ما هو موجود في النصوص القانونية النافذة.
ـ لا يستطيع الجيش ان يمارس او يحل مكان السلطة التنفيذية، في إضافة مهام جديدة له، او إسقاط مهام كلف بها، سواء في ذلك مهام اساسية وردت في قانون الدفاع الوطني، او إضافية بمراسيم اتخذت لاحقاً في مجلس الوزراء.
ـ لا يستطيع الجيش ان يستنكف عن القيام بمهام اساسية اناطها به القانون بحجة ان ليس هناك سلطة تنفيذية تشرف عليه، بل عليه ان يتابع تنفيذ المهمة الاخيرة التي اضطلع بها وصدرت اليه وفقاً للأصول، اي عليه ان يحمي الارض والشعب ومؤسسات الدولة من اي اعتداء سواء تمثل الاعتداء باستعمال تلك المؤسسات من غير ذي صلاحية باستعمالها، او تمثل بمنع صاحب الصلاحية من ممارسة صلاحيته.
على ضوء ذلك وبعد ان تعذر على الرئيس اميل لحود ان يسلم الأمانة الرئاسية الى سلطة سياسية دستورية، وبعد ان وجد استحالة في اعلان حالة الطوارئ فإنه اعلم قيادة الجيش بتشكل ظروف حالة الطوارئ، مذكراً إياه بواجباته الاساسية التي لا تستوجب مرسوماً أو قراراً. وعليه يكون قد قام بحالة إنشاء الظروف ولم ينشئ الحالة وأبرأ ذمته وعهد الى الجيش الذي يضطلع اصلاً بمهام حفظ الدولة. وفعله هذا لا يفسر دستورياً او قانونياً بأنه تكليف للجيش بممارسة سلطة تنفيذية (وهو لا يحق له بذلك، وعلى الجيش ان لا يمارس ذلك) ولا تكليف للجيش بحفظ الأمن بشكل استثنائي وفقاً للمادة 4 من قانون الدفاع الوطني او خارجها، (والأمر بحاجة الى مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء والحكومة غير موجودة بمقتضى الميثاق والدستور) بل إن جل فعله لا يتعدى عملية إبراء الذمة والتحلل من القسم، فإيداع الامانة الامنية والدفاعية للجيش هو إبراء لذمة الرئيس وإعلان لهذا الإبراء وليس إضافة أو إنشاء لمهام عسكرية أو إقامة لسلطة سياسية يطعن بشرعيتها. ويكون للجيش عندها سلطة امنية دفاعية تمارس من قبله استقلالا في غياب سلطة سياسية عجز اصحاب الشأن فيها عن إنتاجها.
اما واجب الجيش بعد أن آل الوضع الى ما آل اليه فهو التزام التوجيه الاخير من قائده الأعلى، رئيس الجمهورية، بأن لا ينصاع الى حكومة غير دستورية، وأن لا يبدل من مهامه وأن لا يضيف اليها الا ما يفعل تنفيذ المهمة في الوجهة الصحيحة حفظاً للدولة ومؤسساتها وليس تمكيناً لأشخاص معينين من ممارسة سلطة استقر النظر على عدم شرعيتها.
(*)عميد ركن متقاعد
المصدر : صحيفة السفير اللبنانية