ارشيف من : 2005-2008
ن ف ق
حاصلهما: النفوق = الموت!
ما زالت قضية (الإنفاق على التعليم) تتصدر مجمل حوارات التنمية المستدامة والترقي في سلم تراتبية دول العالم. وغالباً ما تقاس أهمية الإنفاق على التعليم بقدر ما يرصد له كنسبة من موازنة الدولة أو من الناتج المحلي العام.
نشرت منظمة التعاون والتنمية الأوروبية تقريرها السنوي بعنوان «نظرة على التعليم 2007»، تناولت فيه الحالة التعليمية للطلاب والمدارس والجامعات في الدول الأعضاء. وقد ركز التقرير على الإنفاق السنوي من لدن الدول الأعضاء على المؤسسات التعليمية.
أظهر التقرير أن إسرائيل قد خصصت أعلى نسبة للإنفاق على التعليم من الناتج المحلي بلغت 8.3 في المئة، متقدمة على عدد من الدول الصناعية الكبرى، من بينها الولايات المتحدة التي أنفقت 7.4 في المئة من ناتجها المحلي على التعليم.
إسرائيل لم تسبق في هذا المضمار الولايات المتحدة فحسب، بل وأدرجت خلفها عدداً من الدول الأوروبية والأسيوية الرنانة مثل كوريا الجنوبية وفرنسا وايرلندا وروسيا، حيث كان معدل الإنفاق على التعليم في دول منظمة التعاون والتنمية الأوروبية هو 5.8 في المئة (إزاء الرقم الإسرائيلي8.3 في المئة!).
حتى نستطيع مقاربة المركز الذي كان سيحتله العالم العربي لو شارك في ذلك السباق التنافسي المحموم، فإن تلك الدول الأوروبية، المتقدمة علينا، المتخلفة عن إسرائيل، قد ارتفع معدل الإنفاق على التعليم للساكن الواحد فيها منذ منتصف الثمانينيات حتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي من 520 دولاراً إلى 1211 دولاراً. بينما انخفض معدل الإنفاق على التعليم للساكن في الدول العربية خلال المدة نفسها من 122 دولاراً إلى 110 دولارات. أي أن المواطن العربي - حسب بيانات الكتاب الإحصائي السنوي لليونسكو - يتلقى عُشر (1/10) ما يتلقاه المواطن الأوروبي، فكيف بما يتلقاه المواطن (المحتل) الإسرائيلي!
المارد الصيني الزاحف بقوة نحو عرش العالم، أعلن أيضا وزير ماليته في شهر آذار (مارس) الماضي أن الصين ستزيد من معدل إنفاقها على التعليم اعتباراً من العام الجاري. هذا البلد العملاق، بسكانه الذين يقاربون المليار وخمسمئة مليون نسمة، ومساحته المترامية التي تقارب العشرة ملايين كيلومتر مربع، يكاد يلتهم العالم الآن بمنتجاته الإلكترونية والاستهلاكية التي غزت القوي قبل الضعيف، بأدائه ومعطياته الوطنية الحالية، فكيف سيكون حاله، بل حالنا! إذا زاد في إنفاقه على التعليم... والتعليب!
حسناً... هناك صورة أخرى للحديث عن (الإنفاق على التعليم)، تقول إن الإنفاق على التعليم، كثر أو قلّ، ليس هو العامل الوحيد أو الأهم في إصلاح وتطوير التعليم. ففي تقرير منظمة التعاون والتنمية الأوروبية نفسها تحذير من أن جزءاً كبيراً من الطفرة في الإنفاق على المدارس أهدرته الحكومات التي وجهت الأموال للصرف على أنظمة تعليمية لم تمتد إليها يد الإصلاح. ويؤكد التقرير أن هناك هدراً كبيراً في جميع بلدان المنظمة، لدرجة أنه لو قلّ الإنفاق على التعليم بنسبة 30 في المئة عن معدلاته الحالية لحصلت المدارس على النتائج نفسها التي تحققها في الوقت الحاضر.
إذا... ليس بالإنفاق وحده يصلح التعليم!
فإحدى أكبر المشكلات التعليمية في الولايات المتحدة أنه رغم الإنفاق العالي على التعليم، فإن نسبة بسيطة من تلك الموارد تصل إلى «الصف المدرسي»، أما الباقي فإنه يذهب هدراً في الطريق إلى الصف.
إذا كانت هذه هي الحال في الولايات المتحدة، فلا أحد يستطيع أن يقيس «الفتات» الذي يصل إلى الصف المدرسي في البلاد العربية!
المؤكد، أنه ليس بالأرقام الجذابة لمعدلات الإنفاق على التعليم فقط يمكن إصلاح التعليم. فثمة عوامل ورهانات ومعايير ينبغي استحضارها في عملية الإصلاح، لا تقل شأناً وأهمية عن الأرقام (المعلنة) للإنفاق على التعليم.
كل تعليم متفوق يتطلب إنفاقاً كافياً، بينما ليس كل إنفاق عال يعطي تعليماً متفوقاً.
أين يكمن اللغز إذاً؟!
الجواب سهل، لا يحتاج إلى تعليم!!
(*) كاتب سعودي
المصدر : صحيفة الحياة