ارشيف من : 2005-2008
خيارات الرئيس لحود قبل الدقيقة الأخيرة
حتى آخر دقيقة من ولايته ظل الرئيس أميل لحود في موقعه وعلى مواقفه، متمسكاً بوحدة لبنان وأمنه واستقراره، وفي رسالة الاستقلال الأخيرة له كرئيس للجمهورية تجنب الرئيس لحود التطرق الى الاجراءات التي يمكن ان يلجأ اليها انطلاقاً من موقعه لمنع الفراغ الدستوري في حال تعذر انتخاب رئيس للبلاد فجر الرابع والعشرين من الشهر الجاري.
لكنه أكد عزمه اللجوء الى خيار دستوري يمكن أن يتخذه إذا ما تعذر تسليم المسؤولية لرئيس وفاقي يعكس إرادة اللبنانيين، وهذا الخيار سيبقي وطنهم مرفوع الرأس وقويا ومتماسكا.
لم يخف الرئيس لحود قلقه بسبب الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، وخصوصاً أن طيف المؤامرات ما زال مخيماً على الوطن وشبح الفتنة يقض المضاجع بعدما ارتضى البعض ان يكون أداة للخارج في مؤامرة تدمير لبنان من الداخل.
وساهم تكتم الرئيس لحود عن خياراته في تعزيز موقف المعارضة الداعية الى انتخاب رئيس يحظى بتأييد الغالبية من اللبنانيين، كما ان الثقة الكبيرة لقيادات المعارضة بقدرة لحود على اتخاذ خطوات دستورية تساعد على انقاذ لبنان من الانجراف نحو الفراغ والفوضى أو الحروب الداخلية أعطى خيارات لحود قوة اضافية أربكت فريق الاستئثار بالسلطة الى حد التفكير في استباق لحود نحو خيارات غير دستورية لكنها تحظى بالتأييد الدولي.
ما هي هذه الخيارات؟
جميع خيارات رئيس الجمهورية الانقاذية تنطلق من اعتبار حكومة الرئيس فؤاد السنيورة حكومة غير دستورية بعدما فقدت الميثاقية باستقالة الوزراء الشيعة منها. وسيقوم الرئيس لحود بإصدار مرسوم يعتبر الحكومة الحالية غير موجودة لمخالفتها أحكام المادة 95 من الدستور، والفقرة "ي" من مقدمته. إلا ان بعض الشخصيات المقربة منه نقلت عنه انه يفضل عدم الدعوة لاستشارات نيابية وسيلجأ الى خطوة دستورية أكثر قوة تمكنه من نقل البلاد الى صمام الأمان.
واستناداً الى ذلك فإن الاجتهادات حول الخيارات التي يمكن ان يلجأ اليها الرئيس لحود تمحورت حتى الدقيقة الأخيرة حول تشكيل خطوة انقاذية، تؤدي الى ولادة سلطة قادرة على الامساك بالوطن والحيلولة دون الوصول الى الفراغ والفوضى، وتمنع حصول التصادم الذي تبشر به بعض الدول. وتأخذ على عاتقها انتاج السلطة من جديد سواء عبر انتخاب رئيس للجمهورية أو عن طريق انتخابات برلمانية.
وإذا كان خيار حكومة الانقاذ هو الأرجح بالنظر الى دستوريته فإن شكل الحكومة ظل يقلق الخصوم، خصوصاً بعد تسريبات المعارضة حول امكانية بقاء الرئيس لحود في قصر بعبدا، وهو لن يبقى بصفته رئيساً للجمهورية انما بصفته الجديدة كرئيس لحكومة الانقاذ الوطني التي سيشكلها في اعقاب استشارات نيابية سيجريها بعد انقضاء المهلة الدستورية في الدقيقة الأخيرة من الثالث والعشرين من الشهر الجاري.
لكن الدوائر القانونية في قصر بعبدا ركزت على ثلاثة خيارات قد يلجأ الرئيس لحود إلى أحدها في حال حصل الفراغ أو انفردت جهة معينة في اختيار الرئيس خلافاً للدستور.
الخيار الأول: تشكيل حكومة ثانية برئاسة ماروني، وهو خيار لم يحبذه الرئيس لحود شخصياً.
الخيار الثاني: البقاء في القصر، وهو ما لم يحبذه الرئيس أيضاً حتى لو ترافق ذلك مع نداءات شعبية ورسمية وتوافد الجماهير الى القصر، لأنه لا يريد تجاوز الدستور لمجرد البقاء في القصر الرئاسي، لكنه على استعداد للتجاوب مع الموقف الشعبي.
الخيار الثالث: وهو الأرجح من بين جميع الخيارات وهو أن يطلب رئيس الجمهورية من الجيش أن يحفظ أمن ووحدة البلاد التي تعاني فراغاً في السلطة التنفيذية. وألمح الى مثل هذا الخيار في رسالة الاستقلال عندما أرجع سنوات الاستقرار السياسي والأمني الى قيادة الجيش اللبناني تحت إمرته سواء عندما كان قائداً للجيش أو خلال توليه رئاسة الجمهورية. وأكد الرئيس لحود انه يتطلع الى دور للجيش في حماية أمنه واستقلاله خلال الفترة المقبلة، إلا ان لحود تجنب ذكر المزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع، مشدداً على الثوابت الوطنية التي أوردها في خطاب القسم كأساس لبقاء الوطن.
وبحسب الدوائر القانونية في القصر الرئاسي فإن الرئيس لحود يمكنه بموجب الدستور ان يُعلن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة حكومة متمردة ترفض التخلي عن الحكم، وبناء على ذلك سيطلب لحود من قيادة الجيش انهاء هذا التمرد واخراج فؤاد السنيورة ورفاقه الوزراء من السرايا الحكومي، ووضع اليد على الوزارات كافة والمرافق العامة التابعة، فيعتبر أن حكومة فؤاد السنيورة متمردة ويطلب من الجيش بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة إنهاء التمرد أولاً، ومن ثم الدعوة الى اجراء انتخابات برلمانية من الشعب في مهلة زمنية قصيرة جداً على ان تؤسس هذه الانتخابات لسلطة جديدة في لبنان.
وتستند هذه الاجراءات الاستثنائية الى المادة الرابعة في قانون الدفاع الأعلى والتي تسمح باعلان لبنان منطقة عسكرية، واعلان قيادة الجيش حال طوارئ استثنائية. وبموجب ذلك يتشكل مجلس عسكري يتولى فرض النظام والأمن العام في البلاد إلى حين عودة الحياة السياسية الى العمل وفق منطق الأمور في لبنان والتوافق على اطلاق العملية السياسية.
وحتى الدقيقة الأخيرة لم يقرر لحود ما إذا كان سيتولى شخصياً المجلس العسكري أو أنه سيكلف قائد الجيش بذلك أو أنه سيختار شخصية سياسية، ولكنه يفضل في كل الأحوال ان يتولى الجيش جميع الصلاحيات ويوفر الأمن العام لجميع اللبنانيين ويترك الفرصة أمام السياسيين لانتاج الحل السياسي.
ان السياسيين الذين خبروا الرئيس لحود منذ كان قائداً للجيش وبعد توليه رئاسة الجمهورية لتسع سنوات بشكل متواصل أدركوا منذ جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري انه رئيس يتحلى بالشجاعة وعلى دراية تامة بالمؤامرات التي تُحاك ضد لبنان وأمنه واستقراره، وقياساً على هذه التجربة السياسية الطويلة في السلطة يدركون انه لن يتردد في اللجوء الى خيار دستوري استثنائي للمحافظة على القواعد التي أعاد على أساسها بناء الجيش اللبناني، وهي قواعد ارتكز عليها الوفاق اللبناني منذ التوقيع على وثيقة الطائف عام 1989 وحتى اليوم.
قاسم متيرك