ارشيف من : 2005-2008
"قوى فينيسيا" تطمح الى محاصرة جنرال اليرزة في بعبدا: سلة المعارضة التوافقية في مواجهة سلطة إدارة الفراغ
تراجعت عقارب الساعة السياسية في لبنان سنة كاملة الى الوراء، عندما عادت قوى السلطة الى ممارسة لعبة الاستئثار بالسلطة ظناً منها ان الاعلان عن قائد الجيش مرشحا توافقيا للرئاسة الأولى يُجنبها التوافق على مرحلة ما بعد انتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.
فقد أكدت الشخصيات المسيحية التي حضرت الى الرابية لتشهد على ولادة وثيقة الطروحات المسيحية اللبنانية ان جلسة انتخاب الرئيس بعد التوافق المحلي والإقليمي والدولي على الاسم ليست سوى تخريجة دستورية من حيث الشكل فقط، فالتوافق بالاجماع على ميشال سليمان أبعد شبح الفراغ الدستوري لكنه لم يُبدد خطر الانقسام السياسي على عناوين وطنية أهمها المشاركة الفعلية في السلطة.
ورأى زوار الرابية ان انتخاب قائد الجيش لمنصب رئيس الجمهورية قبل التوافق السياسي على ما بعد الانتخابات الرئاسية يعني ان العماد ميشال سليمان سيحاصر داخل قصر بعبدا بحقول من الألغام تمنعه من ممارسة سلطته والقيام بدوره الوطني، وهذا يعني استمرار الفراغ في الرئاسة الأولى، واستمرار تهميش الدور المسيحي في النظام والسلطة، مع فارق ان الكرسي لم يعد شاغرا.
لذلك فإن البعض وصف طروحات وثيقة الرابية بالكاسحة التي ستفكك الألغام السياسية المزروعة على طريق بعبدا، التي ستحاصر الرئيس في قصره، وتمنحه سلطة فارغة من المضمون.
وبحسب الرابية أيضاً فإن الجنرال سليمان سمع مثل هذا الكلام عندما زار العماد ميشال عون قبل إذاعة وثيقة الطروحات وأكد له ان الشروط التي وضعها التيار الوطني الحر انما وضعها بوجه فريق الموالاة الذي يريد الهروب من التزاماته ويرفض تقديم تنازلات سياسية، لاعتقاده ان التوافق على الرئيس من دون التزامات سيمكنه من الاحتفاظ بحكومة السنيورة لسنتين اضافيتين بحجة تصريف الأعمال الى حين حلول موعد الانتخابات البرلمانية.
من هنا تصر المعارضة على ان يأتي التوافق شاملاً في سلة واحدة متكاملة تشمل غالبية النقاط السياسية المختلف عليها ولا سيما ما يتعلق بتشكيل الحكومة.
وعلى هذا الأساس جاءت وثيقة الطروحات المسيحية اللبنانية منسجمة مع الخطوط العامة للمعارضة الوطنية لجهة رؤيتها للبنان الغد المرتكز على ثوابت العيش المشترك والتعايش بين جميع أبنائه.
وتنسجم هذه الطروحات مع ما ذهبت اليه مبادرة الجنرال عون الانقاذية التي قامت على مبدأ التنازل المتبادل من اجل عهد استقلالي جديد بحيث يتنازل ميشال عون عن الرئاسة لمرشح يسميه من خارج تياره وكتلته، مقابل تنازل سعد الحريري عن رئاسة الحكومة لمرشح يسميه من خارج كتلته وتياره، على ان تتشكل الحكومة على قاعدة التمثيل البرلماني للقوى السياسية أي 45% للمعارضة و55% للموالاة.
وتلتقي مبادرة الجنرال عون مع ما أعلنه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في احتفال يوم الشهيد ودعوته الى التوافق على مرحلة ما بعد الرئيس لأنها ستحدد مستقبل لبنان لسنوات مقبلة، وطرح مجموعة من العناوين منها شكل الحكومة والبيان الوزاري وطريقة تشكيلها، وتعيين قائد الجيش وعقيدة المؤسسة العسكرية، ومكافحة الفساد وغير ذلك من عناوين شكل بعضها ولا سيما المشاركة في السلطة، "سلة" متكاملة تنتظر التوافق عليها قبل الذهاب الى التعديل الدستوري الذي سينقل سليمان من اليرزة الى قصر بعبدا.
وإذا كانت قوى السلطة قد وصفت كلام السيد نصرالله بالانقلابي فإنها رأت في طروحات الجنرال عون مقدمة للتقسيم ورفضت "سلة المعارضة"، ولوّحت مجددا بشبح الفراغ إذا لم يتم انتخاب العماد ميشال سليمان فوراً وبدون شروط، أو تفاهمات على شكل الحكومة أو على القضايا السياسية الخلافية الأخرى. وحاولت هذه القوى تسويق نفسها كجهة حريصة على إنهاء الفراغ، وانها اتخذت خطوة انقاذية بعدما تحوّلت الازمة السياسية الى أزمة مصيرية تهدد الكيان والدولة.
إلا ان زوار الرابية سخروا من ديباجة بيان "قوى الفينيسيا" الذي برر تراجعها عن رفضها تعديل الدستور، وعن انتخاب رئيس من صفوفها او "الترحم" على لبنان، وقال زوار الرابية ان تقاطع السياسة الأميركية السورية في المنطقة انعكس على مواقف قوى السلطة، بعدما صُدمت بتراجع الادارة الأميركية عن تأييد الانتخاب بالنصف زائد واحد، فأسرع النائب سعد الحريري بالتفاهم مع النائب وليد جنبلاط والرئيس فؤاد السنيورة الى اعلان ترشيح ميشال سليمان رئيسا توافقيا بعدما وصلتهم معلومات بأن قائد الجيش هو الشخص الأول الذي سيسميه الجنرال عون من خارج كتلته وتياره.
اعتقد الحريري ان الفوز في سباق مع عون في ترشيح قائد الجيش سيربك سيد الرابية، ويحرج حزب الله، بحيث يبدو ان ميشال سليمان هو مرشح الموالاة الذي لا يمكن رفضه هذا فضلاً عن ظهورها كمن يمن على سليمان بالرئاسة الأولى. إلا ان موافقة الجنرال عون على اسم الجنرال سليمان أحبط مناورة الموالاة، ومكّن قائد الجيش من الحكم قبل ان يصل الى بعبدا، اي أنه ملأ الفراغ نظرياً.
لقد أدى التسرع في ترشيح سليمان وطريقة تسريب الترشيح في وسائل الاعلام الى هزة قوية داخل جسم الموالاة التي أدركت بعدها القوى المسيحية في صف الموالاة بأنها الخاسر الأول، وكادت اعتراضاتها ان تفرط "14 آذار".
إلا أن السلطة التي استطاعت تجميع القوى الداعمة لها على قاعدة ان المعركة لم تنته بعد، وقفت عند ترشيح سليمان وأعلنت انها غير مستعدة لمناقشة المعارضة في "سلتها" قبل جلسة التعديل والانتخاب، ودعت القوى الفاعلة في المعارضة الى ممارسة المزيد من الضغط على الرئيس نبيه بري لارغامه على التوافق في اقتراح قانون التعديل الدستوري استناداً الى المادة 77 من الدستور، ولوّحت هذه القوى باللجوء منفردة الى توقيع عريضة نيابية لتعديل المادة 49 من الدستور.
مصادر الرئيس بري أكدت ضرورة التفاهم السياسي على "السلة المتكاملة" لذلك فإن التعديل يمكن ان يستغرق يومين، في حال حصول توافق سياسي، ويمكن ان يمتد الى شهور في حال المماطلة والعرقلة.
وانطلاقاً مما تقدم فإن التجاذب السياسي عاد الى نقطة البداية، وإن كانت المعارضة قد أجلت الملف الحكومي افساحاً في المجال أمام الجيش في معركة نهر البارد، ومن ثم لانجاز الاستحقاق الرئاسي فإنها لم تتنازل عن حقها في التمثيل الحكومي والمشاركة ومكافحة الفساد والاصلاحات الاقتصادية والانماء المتوازن وغيرها من العناوين التي دفعت المعارضة الوطنية الى الاعتصام في وسط بيروت.
قاسم متيرك
الانتقاد/ العدد1244 ـ 7 كانون الاول/ ديسمبر2007