ارشيف من : 2005-2008
نبّه القضاء للتعامل مع اعتقال الضبّاط بشكل قضائي وغير سياسي:تقرير برامرتز تحدّث للمرّة الأولى بوضوح عن فرضية الأصولية
على وقع التئام مؤتمر "أنابوليس" في الولايات المتحدة الأميركية يوم الثلاثاء في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2007، بمشاركة "إسرائيل" ودول عربية، قدّم رئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، القاضي البلجيكي سيرج برامرتز، تقريره السادس والأخير، والتاسع منذ انطلاق ورشة التحقيقات الدولية، إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قبل أن ينهي أعماله في نهاية العام 2007، ويسلّم دفّة القيادة إلى القاضي الكندي دانيال بيلمار، لمتابعة السباق الطويل والمضني نحو كشف الحقيقة، ونبش المستور، ومحاكمة المتورّطين، والفاعلين، والمنفّذين، والمساهمين، والمحرّضين، والمتدخّلين، والمشاركين، من دون نسيان شهود الزور ومضلّلي التحقيق والساعين إلى التلاعب فيه بشكل خفي على مرأى ومسمع من العالم كلّه!.
واللافت للنظر أنّ صدور هذا التقرير ترافق للمرّة الأولى، مع هدوء أمني "غير طبيعي" على الساحة الداخلية اللبنانية، بعكس ما كان يحصل خلال فترات صدور تقارير اللجنة، حيث كانت تسبقها موجات من الاغتيالات والتفجيرات والأحداث التخريبية، كانت قوى السلطة تسارع على جاري عادتها في التسرّع، إلى ربطها بعضها ببعض، واعتبارها مسلسلاً متكاملاً ووحدة متراصة، مستبقة نتائج التحقيقات الأولية وانطباعات المشاهد الأولى، ووصول القضاة اللبنانيين إلى مسرح الجريمة للمعاينة والكشف والتحقيق.
"المستقبل" وفارس
ولكنّ وسائل إعلام "المستقبل" مهّدت لهذا التقرير الذي كان المسؤولون السياسيون فيها، على اطلاع مسبق بأنّه سيكون تقنياً وإجرائياً كما حصل مع التقارير السابقة المرفوعة من برامرتز تحديداً، وهو ما يعني عملياً بحسب المفهوم الاستراتيجي لبرامرتز، العمل بصمت وبعيداً عن الأضواء والضوضاء لتحقيق النتيجة المرجوة من دون لغط أو خطأ، بمحاولة تحفيز التحقيق وإبقائه في واجهة الأحداث لمزيد من الكسب السياسي، ولذلك سارعت وبتواطؤ من جهات قضائية لبنانية، إلى إذاعة خبر استدعاء نائب رئيس مجلس الوزراء السابق والنائب السابق عصام فارس إلى التحقيق لدى المحقّق العدلي القاضي صقر صقر لسماع إفادته كشاهد ومعرفة أقواله لجهة الأسباب الكامنة وراء وجود يخت يملكه في محيط فندق "السان جورج" في محلّة عين المريسة، وانطلاقه بسرعة جنونية فور حصول عملية التفجير واغتيال الحريري.
وليس في الأمر أيّ جديد على الإطلاق، بحسب ما تكشفه مصادر مطلعة على التحقيق في حديث لـ"الانتقاد"، فالقصّة عادية جدّاً ومعروفة من القضاء اللبناني ومن لجنة التحقيق الدولية، ولا علاقة لانطلاق اليخت بالجريمة لا من قريب ولا من بعيد، ولم يكن بداخله مجرمون أو منفذّون وإنّما أفراد من عائلة فارس، وتأذّت زوجته بفعل تطاير الزجاج وتناثره من جراء قوّة الانفجار، ولكنّ "المستقبل" أراد إدخالها في باب المماحكات السياسية والترويع والتهويل في إطار عمله الدؤوب لاستغلال الجريمة والتحقيق.
ملاحظتان
وفي ما يتعلّق بتقرير برامرتز، فهو تقرير مرحلي محصور بتصوير عمل اللجنة خلال الأشهر الأربعة التي سبقت صدوره، ويدخل ضمن نطاق استكمال ما سبقه من تقارير، ويخرج قارئه بملاحظتين أساسيتين هما:
* أنّه أوّل تقرير لا يخصّص كامل صفحاته للحديث عن جريمة اغتيال الحريري، بل أعطاها أقلّ من نصف فقراته المئة والأربع عشرة، وتحديداً ثلاثاً وخمسين صفحة، فيما كانت التقارير الأخرى مقتصرة على هذه الجريمة، وانتقل للكلام على جرائم الاغتيالات والتفجيرات الأخرى، وهذا يفسّر بطء التقدّم المحقّق بين التقرير الثامن الصادر في شهر تموز/ يوليو من العام 2007، والتقرير التاسع، حيث إنّ لجنة التحقيق الدولية المؤلّفة من 47 شخصاً ما بين محقّق ومحلّل وخبير تقني بحسب ما جاء في الفقرة الرابعة بعد المئة، صارت مضطرّة إلى توزيع جهودها ما بين اغتيال الحريري وبقيّة الجرائم.
* لقد انصبّ جهد برامرتز والفريق المساعد له خلال الشهور الأربعة المذكورة، على توثيق عمله والقيام بجردة شاملة تمهيداً لتسليم المهمّة لخلفه الكندي بيلمار، وهذا ما تفسّره قلة عدد الأشخاص المستمع إليهم وهو 26 شخصاً، وإذا قسّمنا هذا العدد على أربعة أشهر، فيكون برامرتز وفريقه، قد استمعا إلى شاهدين في الأسبوع الواحد تقريباً.
وبالنسبة لمسار التحقيق بصورة عامة، فإنّه لم يحقّق أيّ تقدّم أساسي يعوّل عليه، باستثناء حسم قضية الفلسطيني أحمد أبو عدس على أنّه ليس الانتحاري المفترض بحسب ما ظهر من شريط كاسيت الفيديو الذي وزّع مباشرة بعد ارتكاب الجريمة وأعلن فيه مسؤولية تنظيم غير معروف سابقاً على ساحة الإرهاب. وقال برامرتز جازماً في الفقرة الرابعة والعشرين من تقريره، بأنّ المفجّر الانتحاري تعرّض لكمّية من الرصاص قد تكون ناجمة عن قربه من ذخائر حربية عندما كان عمره يتراوح بين 16 و20 عاماً، وهذا ما دفع برامرتز إلى الاستنتاج بأنّ هذا الشخص كان يعيش إمّا في منطقة شهدت اقتتالاً ومعارك، أو قرب مكان تخزّن فيه الأسلحة بانتظام كمخيّم تدريب عسكري.
أما بالنسبة للتقدّم المنهجي الرئيسي في التحقيق، فهو أنّ برامرتز، أعاد الحديث مجدّداً عن فرضية الأصولية السنّية، فخصّها بالفقرة الخمسين، ولم يستبعد أن يكون الحريري قد استهدف من قبل مجموعات متطرّفة لأسباب مختلفة ومتنوّعة، معتبراً وقوف أكثر من جهة أو فريق خلف هذه الجريمة ومشاركاً في ارتكابها، وهذا ما يتمّ تناوله للمرّة الأولى بهذا الوضوح وهذه الشفافية بعدما كان في السابق يمرّ تلميحاً أو عابراً.
الضبّاط الأربعة
وعرّج برامرتز أيضاً على مسألة توقيف الضبّاط الأربعة اللواءين جميل السيّد وعلي الحاج والعميدين ريمون عازار ومصطفى حمدان، من دون أن يسمّيهم، فأكّد في البند الواحد والثمانين المتصل بالجرائم الأخرى أيضاً، بأنّه سلّم القضاء اللبناني كلّ ما يملكه من وثائق ومستندات وأشركه بكمّ كبير من المعلومات، ولا يخفي أيّ شيء عنه، وهذا تأكيد لمواقفه السابقة، ومواقف وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية نيكولا ميشال الداعية إلى التعامل مع توقيف هؤلاء الأربعة بشكل قضائي وعدم تغطية اعتقالهم السياسي.
وفي ما خصّ جرائم الاغتيالات الباقية، وتحديداً آخر جريمة طاولت النائب الكتائبي أنطوان غانم في 19 أيلول/ سبتمبر من العام 2007، فلم يأت برامرتز بأيّ شيء جديد من شأنه إنارة التحقيق، واستعاد سرد ما رشح من تحقيقات أوّلية قام بها ضبّاط أمن لبنانيون، ونشرت في وسائل الإعلام، فقال إنّ المنفّذين تمكّنوا "من إنهاء المراقبة واستخدام سيّارة مجهّزة بعبّوة من أجل تنفيذ الهجوم، وهذا دليل على الإمكانيات العملية الهائلة لمرتكبي الهجوم".
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد1244 ـ 7 كانون الاول/ ديسمبر2007