ارشيف من : 2005-2008
خبير أميركي يكشف عن فشل سلاح الجو الاسرائيلي خلال حرب لبنان
برغم اجماع اغلب الرأي العام الاسرائيلي وغالبية القادة السياسيين والعسكريين في كيان العدو، على حقيقة ان اسرائيل فشلت في عدوانها على لبنان، وبرغم اقرار الصديق والعدو بعظمة تضحيات وبطولات مجاهدي حزب الله وبحكمة قيادة المقاومة وحسن ادارتها للمعركة، وبرغم ذهول القاصي والداني للاحتضان الشعبي الواسع الذي لقيته المقاومة وجماهيرها، الا ان هناك تصورا ما زال مهيمنا على عقول الكثيرين في الكيان الاسرائيلي، مفاده ان الجيش تمكن من توجيه ضربة قاصمة لقوة حزب الله الصاروخية المتوسطة والبعيدة المدى، وتحديدا في الليلة الاولى من العدوان. ويُتبنى هذا التصور ايضا "من قبل المحللين المتشددين في إسرائيل، الذين يعتقدون بأن حرب لبنان الثانية كانت فشلا ذريعا لإسرائيل"، الا ان هؤلاء "يعتقدون بأن سلاح الجو حقق على الأقل إنجازات معينة وخصوصا في اليوم الأول من القتال، حيث دمر خلال 34 دقيقة عشرات الصواريخ البعيدة المدى التابعة لحزب الله" (هآرتس ـ يوسي ملمان/ 29/11/2007).
ويُذكر ان بعض وسائل الاعلام الاسرائيلية تناقلت في حينه أن رئيس الاركان السابق دان حالوتس اتصل برئيس الوزراء ايهود اولمرت وقال له لقد انتصرنا، استنادا الى قناعته بأن سلاح الجو استطاع القضاء على ما افترضوه الذراع الطويلة لحزب الله.
لكن من الواضح ان التسرع الذي وقع فيه حالوتس، بإطلاقه حكما مبرما على نتيجة العدوان من الليلة الاولى، كان يرتكز على فرضية اسرائيلية مفادها ان القضاء على قدرة حزب الله الصاروخية سيجعله عاجزا عن الرد المؤلم والمتواصل في حال استمر الجيش الاسرائيلي في توجيه ضرباته. ومن هنا افترض حالوتس ومن معه ان حرية الحركة والمناورة للجيش اصبحت واسعة جدا واصبح بامكانه توجيه الضربات التي يشاء في اي مكان وفي اي توقيت وبالحجم الذي يرتئيه، من دون الخوف في المقابل، من ردود عسكرية مؤلمة، او قيود سياسية او تحركات شعبية فاعلة، تتسبب بها الضربات الصاروخية لحزب الله في عمق الكيان.
والامر اللافت ان هذا التصور بقي سائدا في اوساط كثيرة في كيان العدو، وربما بشكل موجه، برغم مجريات المعركة التي شهدها العدو خلال 33 يوما من القتال وبرغم استمرار حزب الله في اطلاق الصواريخ حتى اليوم الاخير من العدوان، حيث اطلق في اليوم الاخير اكثر من 250 صاروخا، وبرغم ان صواريخه طالت في الايام الاخيرة عمق الكيان حتى وصلت الى الخضيرة.
لكن كما كان متوقعا، انه مع مرور الايام سيتم الكشف عن الكثير من الحقائق والانجازات والبطولات التي سطرها رجال حزب الله الا انه هذه المرة اتت على لسان الخبير الاميركي "وليام أركين"، في كتابه الجديد، الذي أصدرته كلية سلاح الجو الأميركي في الباما، ويتناول استخدام القوة الجوية في حرب لبنان الثانية عام 2006.
ومما قاله اركين في كتابه بشكل قاطع ان ما قام به سلاح الجو الاسرائيلي في لبنان "لم يكن نجاحا" وذهب الى حد وصفه بأنه "في أحسن الأحوال كان رقصة رائعة لم توصل إلى أي مكان".
وشرح اركين رأيه بالقول: "ان زعماء إسرائيل وقادة جيشها بنوا تصوراتهم وتقديراتهم بناءً على نظرية "الصدمة والرعب"، وهي نظرية قتالية ترتكز على التأثير الكبير الذي تشكله الصدمة، عندما يتم الاقدام عليها بشكل مفاجئ، وبفاعلية وبقوة هائلة، بحيث تؤدي الى تشتيت العدو إلى حد الشلل، الامر الذي يُفترض ان يؤدي في نهاية المطاف إلى هزيمته".
ويسخر اركين "من القائلين ان اسرائيل حققت نصرا خلال 34 دقيقة"، في اشارة الى الفترة التي احتاجها سلاح الجو للقضاء على منصات ومخازن صواريخ حزب الله الثقيلة، ويقول: "من يعتقد بذلك مبروك عليه، إن عملية الـ34 دقيقة كانت فشلا".
وكشفت صحيفة هآرتس التي اجرت لقاء معه، ان اركين تحدث، لمصلحة تأليف كتابه، مع قادة وضباط في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ومع قادة من حزب الله ومسؤولين لبنانيين، وجال في مناطق لبنانية تعرضت للقصف، وأجرى تحليلا ممنهجا للصور الجوية التي كشف عنها سلاح الجو، وصور أخرى من أقمار صناعية تجارية.
وخلص اركين من جولاته على الارض، وفقا لما اوضحت هآرتس، ومن تحليل الصور الجوية الى أن إسرائيل قصفت من الجو الكثير من الأهداف، والأهداف الخاطئة. ويمكن القول ان جزءا من الأهداف تستحق القصف، لكن إسرائيل تبنت بشكل متعمد الحرب الجوية، التي خلاصتها العقاب والتدمير.
واوضح اركين انه "ربما بالنسبة لإسرائيل كل بيت وكل مبنى أصيب في جنوب لبنان وبيروت مرتبط بحزب الله، لكن الحقيقة من الناحية العسكرية ان ما قامت به اسرائيل أقل تأثيرا مما عتقد وأراد مخططو وقادة الحرب تحقيقه، وهي أكثر دمارا من الناحية السياسية".
ومنعا للالتباس اوضح اركين انه "من الذين يعتقدون بأن سلاح الجو، هو الأكثر كفاءة في الحروب، لكن ادعائي الأساسي هو أن إسرائيل استخدمت هذه القوة بشكل غير فعال، ما أدى إلى تحقيق نتائج معاكسة". واعرب عن اعتقاده بأن "هناك في الجيش الإسرائيلي نفسه من يوافقني الرأي بأن الدمار في بيروت وجنوب لبنان لا يمكن أن يعتبر نجاحا عسكريا".
ورأى ان ما دفع اسرائيل لاستخدام سلاح الجو كأداة اساسية في المعركة لم يكن فقط قرار المستوى السياسي بالامتناع عن احتلال طويل المدى للبنان، بل كان هناك أيضا مبررات عسكرية صرفة وهي ان "القوات البرية للجيش الإسرائيلي لم تكن مستعدة للعمل بريا". ويذكرنا هذا الكلام بما كشفت عنه بعض الصحف الاسرائيلية بعد انتهاء العدوان في 14 آب، بأن حالوتس اعرب خلال نقاش داخل هيئة اركان الجيش وفي ظل مواصلة القتال، عن عدم ثقته بكفاءة سلاح البر الاسرائيلي في مواجهة مجاهدي حزب الله، وانه لهذا السبب تردد كثيرا في اقحام القوات البرية بأعداد كبيرة منذ بداية المعركة.
ورفض اركين المقارنة بين نجاح الولايات المتحدة في يوغوسلافيا، التي اعتمدت في حينه على سلاح الجو عندما تمكنت من ازاحة الحاكم ميلوسوفيتش وأحالته الى المحكمة الدولية في لاهاي، وبين ما قام سلاح الجو الاسرائيلي في لبنان، وخاصة ان حزب الله استطاع اعادة بناء قدراته الصاروخية، كما يقول.
ورفض اركين ايضا، ما افترضه معلق الشؤون الامنية في هآرتس، يوسي ميلمان، فرضية امكانية نجاح اسرائيل في استهداف المنشآت النووية الايرانية، في حال استخلصت العبر من حرب لبنان وقامت بما قام سلاح الجو الاميركي في يوغوسلافيا. وبرر ذلك ببعد المسافة وبأن اسرائيل لا تملك القدرة على خوض معركة متواصلة ضد ايران.
جهاد حيدر
الانتقاد/ العدد1244 ـ 7 كانون الاول/ ديسمبر2007