ارشيف من : 2005-2008

المشروع الأميركي انكسر في لبنان وتعليمة واشنطن صدعت فريق السلطة

المشروع الأميركي انكسر في لبنان وتعليمة واشنطن صدعت فريق السلطة

بات من الواضح أن لبنان دخل مرحلة سياسية جديدة أنتجتها معطيات داخلية وتطورات إقليمية ودولية، ما أحدث حراكاً سياسياً على كل الصعد لإنتاج الشكل الجديد للسلطة بكل مكوناتها، بما يتلاءم مع هذه التحولات التي حصلت.
هذا هو ما يجري التجاذب بشأنه في الكواليس المحلية والخارجية حالياً لبلورة مكونات السلطة الجديدة انطلاقاً من رئاسة الجمهورية مروراً بالحكومة المرتقبة وبيانها الوزاري وصولاً إلى تحقيق التوازن السياسي الذي يجب أن يحافظ على تمثيل حقيقي لكل الطوائف والشرائح السياسية بعيداً عن الاستئثار والارتهان للإرادة الخارجية، وتحديداً الأميركية، كما فعل فريق السلطة على مدى أكثر من سنتين.
التحولات الأبرز التي ترصدها المصادر المتابعة على الساحة الداخلية هو "انكسار" المشروع الأميركي في لبنان، القائم منذ العام ألفين وأربعة ـ تاريخ صدور القرار 1559 ـ حتى الآن على محورية السعي لنزع سلاح المقاومة اتكاءً على انضواء قوى سياسية في البلاد ضمن المشروع الاميركي الصهيوني. وهذا الانكسار والهزيمة للمشروع الاميركي تجليا مؤخراً في اقرار السفير الأميركي في لبنان جيفري فيلتمان بالعجز عن نزع سلاح حزب الله، وهو إذ كان يكرر معزوفته الدائمة بأن المهمة الأولى لأي رئيس جديد للبنان هي العمل على نزع سلاح المقاومة، أقرّ في تصريح له مؤخراً بأن مهمة الرئيس الجديد ليست نزع هذا السلاح، وذلك بعدما طرح اسم قائد الجيش العماد ميشال سليمان في التداول لرئاسة الجمهورية.
وتعتبر الأوساط المتابعة أن الوضع المترنح للمشروع الأميركي في لبنان يجب أن يدفع الفريق الشباطي الذي ارتهن لهذا المشروع طوال سنتين إلى القناعة بأن بناء البلد وحل أزماته يستلزم التخلي عن الارتهان للإرادة الأميركية، وأنه لن ينفع أي تحايل جديد على التطورات والعمل على اتباع المناورات السياسية، والمطلوب الشراكة الحقيقية في الحكم، وأي تأخير في هذا الخيار أو تسويف للقضايا سيجير هذا الفريق على أن يدفع في المستقبل ثمناً أغلى من الثمن الذي سيدفعه حالياً على تسوية الأزمة.
المصادر المتابعة تشير إلى أن سقوط المشروع الأميركي في لبنان وتعثره في المنطقة هو الذي دفع الإدارة الأميركية نحو عقد الصفقات الإقليمية، وتحديداً مع سوريا، تجاه أكثر من ملف، بينها الملف اللبناني. وعلى هذا الأساس كان الانفتاح السوري على المشاركة في مؤتمر أنابوليس. وتلفت المصادر إلى أنه انطلاقاً من هذا المنحى الاقليمي والدولي أبلغت واشنطن "التعليمة" لفريق السلطة في لبنان ليستدير مئة وثمانين درجة من الرفض المطلق لترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان إلى تبنيه وإعلان تأييد تعديل الدستور لهذه الغاية، وهو ما تضمنه البيان الذي صدر عن الاجتماع الأخير الذي عقده أركان هذا الفريق يوم الأحد الماضي في فندق فينيسيا. على أن هذه الاستدارة الفجائية والسريعة أحدثت "تشققات كبيرة" في صفوف فريق السلطة الذي دبت الخلافات بين أطرافه على أكثر من صعيد. فرئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط كانا الأسرع إلى التقاطع مع الاشارة الاميركية والعمل على أساسها، لأن المطلوب الحد من خسائرهما التي ستكون أكبر فيما لو استمرا في تغطية الفراغ الدستوري عبر تعويم الحكومة اللاشرعية برئاسة فؤاد السنيورة.
وبحسب المصادر فإن جنبلاط لم يقم بإعادة تموضع بعيداً عن المشروع الأميركي، إنما كانت إعادة للتموضع ضمن الخطة الأميركية الجديدة الهادفة إلى التقليل من خسائر هذا المشروع على مستوى المنطقة ولبنان، فيما الحال المزرية كانت من نصيب مسيحيي السلطة، فهم بدوا كـ"فرق العملة" في سياق إعادة التموضع التي قام بها كل من الحريري وجنبلاط. وفي هذا المجال لم يكن أمام رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع سوى التزام التعليمة الأميركية التي علم بها متأخراً، والسير في المشروع الجديد بعد أن أبدى امتعاضه، وهو بدا في وضع صعب من مشترط على المرشحين للرئاسة قبل مدة بإقالة قائد الجيش العماد سليمان إلى مؤيد لوصوله إلى رئاسة الجمهورية وفق ما يقول الوزير السابق ميشال سماحة. هذا فيما كان المرشحان النائب بطرس حرب والنائب السابق نسيب لحود من أكثر المتضررين والمعلنين عن انزعاجهم، حيث تغيب الأول عن اجتماع فينيسيا فيما حضر الآخر وأعرب في مداخلته خلال الاجتماع عن امتعاضه تجاه ما جرى.
"وثيقة الرابية"
على الخط الآخر شكلت وثيقة "الطروحات المسيحية اللبنانية التي أطلقها رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون من الرابية الاثنين الماضي بحضور عشرات الشخصيات السياسية المسيحية "خارطة طريق" لعبور الاستحقاق الرئاسي نحو النهاية الايجابية المنشودة. وبرز في هذا السياق الموقف الذي أكده عون من أن تأييده ترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان يأتي من ضمن مبادرته التي كان أطلقها عشية انتهاء المهلة الدستورية للاستحقاق الرئاسي، وأن النقاش والاتفاق على تصحيح الخلل في تمثيل المسيحيين على مستوى ادارات الدولة خصوصاً وفي الحكومة يجب أن يتم قبل الشروع في التعديلات الدستورية.
مصادر الرابية تتوقع مفاوضات صعبة على المرحلة السياسية المقبلة، وهي استبعدت التوصل إلى اتفاق بشكل سريع على السلة المتكاملة التي أكد العماد عون ضرورة انجازها قبل التعديلات الدستورية.
وتميز إعلان وثيقة الطروحات المسيحية بحضور حشد من الشخصيات السياسية المسيحية أبرزهم زعيم تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية. وكان لافتاً حضور عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب بيار سرحال وعضو كتلة التنمية والتحرير النائب ميشال موسى، كما حضر النائب بيار دكاش. وركزت الخطوط  العريضة للوثيقة المسيحية على عناوين عدة منها: "التمسك بالتفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله"، ودعوة بكركي الى الابتعاد عن التجاذبات السياسية، وأن تكون مرجعية للجميع، وأن "المسيحيين يرفضون مقولات الأمن الذاتي الذي يحمل سمات التقسيم، فيما المطلوب منظومة دفاعية وطنية تكسب لبنان المناعة والاستقرار وتشكل قوة رادعة في وجه "اسرائيل". وأكدت الوثيقة أن هناك خطرين داهمين يتهددان لبنان ومسيحييه: خطر التوطين وخطر الفائض المالي الذي يستعمل في شراء الأراضي وتبديل هويتها.
ودعت الوثيقة إلى اعادة الاعتبار لموقع رئاسة الجمهورية بضمان وجود مواصفات ذاتية وتمثيلية في شخص الرئيس، وتوضيح بعض صلاحياته. كما طالبت بتصحيح الخلل الحاصل في تمثيل المسيحيين في الحكومة والإدارة والمؤسسات الأمنية والقضاء.
هلال السلمان
الانتقاد/ العدد1244 ـ 7 كانون الاول/ ديسمبر2007

2007-12-07