ارشيف من :ترجمات ودراسات

أمريكا والاستعصاء السوري: "الأحداث أعلى صوتاً من الكلمات"

أمريكا والاستعصاء السوري: "الأحداث أعلى صوتاً من الكلمات"
لؤي توفيق حسن(*)
ليس بالأمر المستهجن إقدام إدارة باراك أوباما على تجديد العقوبات على سوريا بالرغم من مراهنة بعض المراقبين على العكس. غير أن مقابلة ما سبق مع عرقلة مجلس الشيوخ تعيين سفير لواشنطن في دمشق. ومجاراة تل أبيب في أقصوصة "السكود". دليل كافٍ على أن أمريكا ما زالت تتأرجح بين مشاريع الماضي القريب ـ "الشرق الأوسط الجديد" ـ . وما رافقها من سياسات (عنترية) للإمساك بالمنطقة. وبين معطيات الحاضر وهو من إفرازات فشل تلك السياسات والذي يحتاج إلى مقاربات جديدة من قبل الإدارة الأمريكية.
اللافت أن العداء لسوريا أصبح من مظاهر الترويج السياسي في حسابات الداخل الأميركي. فالشيوخ الجمهوريون عرقلوا تعيين روبرت فورد سفيراً ليس لأنهم "يشككون في ضرورة إرسال سفير إلى سوريا" كما عبر بإسمهم السناتور توم كوبورن. وإنما لأن ذلك هو من باب (وثيقة حسن السلوك) حيال اللوبي الصهيوني على أبواب الانتخابات النصفية للكونغرس. وبذات القصد جاء قرار تجديد العقوبات من الإدارة الديمقراطية الحالية!!.
لا شك في أن ظاهرة العداء لسوريا دليل على عقم العقل السياسي للنخب الأمريكية الحاكمة. وعجزها عن التكيف مع الوقائع.
فالوقائع تقول بأن أمريكا قد انهزمت في العراق. وهي ستنسحب منه ما سيجعل مصالحها في هذا البلد على (كف عفريت). ما يحتم تفاهمات مع دول الجوار. (سوريا – تركيا – إيران).
والوقائع تظهر بأن منازلة ايران أو حتى (ترويضها) دونه صعوبات أو تداعيات خطيرة. ما يجعل هذا الخيار مجرد فرضية نظرية غير قابلة للتحقيق.
كما وأن الوقائع تؤشر إلى أن سوريا لم تعد معزولةً. بل أكثر من هذا فهي باتت حجر الزاوية في محور يضم إيران وتركيا. وإن هذا المحور له عمق يصل إلى منطقة القوقاز على ضوء علاقات أركانه الثلاث مع دول تلك المنطقة. وهو ما أشار إليه الرئيس بشار الأسد خلال زيارته الاخيرة لتركيا بالقول: "من كان يتخيل قبل بضعة سنوات أن ترى هذه المنطقة ما بين الشرق الأوسط والقوقاز تسير بهذا الاتجاه". ليصل بعدها إلى التأكيد بأنه " خلال عشر سنوات سنرى خريطة أفضل بكثير من الخريطة التي نعيش فيها". كلام ليس فيه وهمٌ أبداً. وينطلق من حقائق. فانسحاب أمريكا الآتي لا ريب من افغانستان . سيكون المشهد  الأخير من فيلم أمريكي طويل للسيطرة على وسط آسيا ابتداءً من الشرق الأوسط . ما سيخلق وقائع جديدة على الأرض. لا سيما مع استجماع روسيا لحضورها. وأخذها المبادرة في أكثر من مكان بدءً من فك الطوق الأمريكي من حولها: أوكرانيا – أوسيتيا – جورجيا – اذربيجان – قرغيزيا.
تعرف سوريا جيداً كيف تراكم المزيد من عناصر القوة. بدء من قواها الذاتية وصولاً لتحالفاتها الإقليمية. مدركة بأن الوقت يعمل لصالحها. حتى باتت الآن أكثر منعة. بل وأكثر ثقة بعد (بيعة الحرب) مع إيران وحزب الله. وعلى هذه الخلفية جاء تصريح المعلم وزير خارجيتها بانه إذا فكرت اسرائيل بالعدوان على لبنان فستكون "الحرب شاملة". وبهذا المعنى جاء  تهديد الرئيس أحمدي نجاد من على منبر الأمم المتحدة من أن اسرائيل "ستمنى بشر هزيمة إذا شنتّ أي حرب جديدة على لبنان أو سوريا" ـ لننتبه إلى كلمة "أو"! ـ.
لم تتعظ الإدارة الأمريكية ومنها ان عناصر الاقتصاد السوري وركائزه لا تتأثر بعقوباتها. وإن هذه لم تستطع أن تطوع الموقف السوري. بل لعلها تعرف ان  العقوبات يوم بدأت في أيار 2004 إنما كانت ليس كمقدمة لضرب سوريا . وإنما كبديل عن هذا الأخير عندما أدركت إدارة بوش السابقة وبعد تجربتها العراقية المريرة. أنه من الحكمة الأخذ بالمثل الأمريكي:"ليس بإمكاننا إطفاء النار بالبنزين". فمتى تدرك الإدارة الحالية الحكمة من مثل أمريكي آخر. "الأحداث أعلى صوتاً من الكلمات" .
(*) كاتـب مـن لبنان 
2010-05-17