ارشيف من : 2005-2008

بعدما فقد روحيته وقضيته الجامعة: فريق "14 شباط" مرشح للضمور!

بعدما فقد روحيته وقضيته الجامعة: فريق "14 شباط" مرشح للضمور!

في الاجتماع الأخير للقاء قوى "14 شباط" افتقد الاعلاميون الذين اعتادوا تغطية اللقاءات الدورية لهذا الفريق، الكثير من الوجوه والشخصيات التي أدمنت بلا انقطاع المشاركة حضوراً ومناقشة، حتى خيّل إلى الكثيرين من هؤلاء الاعلاميين أن هذا اللقاء ربما كان الأخير لهذا التجمع من القوى والفعاليات السياسية الذي ظهر إلى الضوء قبل عامين ونصف العام.
فلم يدخل إلى قاعة الاجتماعات في فندق "فينيسيا" على شاطئ بيروت للمشاركة في اللقاء الا نحو 38 شخصية فقط من أصل نحو 90 شخصية دأبوا على التوافد إلى لقاءات قوى "14 شباط".
وتغيب المتغيبين عن هذا الاجتماع لم يكن ـ وفق المتصلين بهذا الفريق ـ بفعل عدم توجيه الدعوات اليهم، بل بفعل ثلاثة اعتبارات أساسية:
الأول: ان البعض وأبرزهم النائب بطرس حرب، قد آثر علانية التغيب لأنه يعترض صراحة على تعديل الدستور ليتاح لقائد الجيش العماد ميشال سليمان الترشح للرئاسة الأولى.
ثانياً: إن مجموعة من المستنكفين عن الحضور غادرت البلاد قبل فترة وهي تقيم في الخارج، وكل لأسباب معينة.. ولكن ثمة قاسم مشترك يجمعهم هو شعور بالإحباط واليأس مما حصل ويحصل.
ثالثاً: لأن هذا الفريق الذي حافظ طول الفترة التي انقضت على تشكله وعلى وحدته بشكل قسري بفعل الضغوط الخارجية والإغراءات الداخلية، بدأ يفتقد روحية الفريق والإطار السياسي الذي ينظم عمل مجموعة نذرت نفسها لتحقيق مقصد سياسي معين.
ولقد كان الاجتماع الذي سبق آخر اجتماع لهذا اللقاء حافلاً ببوادر بروز الانقسامات وتضارب الرؤى والقراءات، فلم يعد خافياً أن سجالات عاصفة شتى دارت خلال هذا الاجتماع خصوصاً بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع، أظهرت مدى التباين الحاصل حول مقاربة ملف الاستحقاق الرئاسي أولاً، وأكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن "المرحلة" التي جمعت قسراً بين مكونات اللقاء وفسيفسائه قد أوشكت على الانتهاء، وبالتالي فإن زمن الوداع قد آذن وبات قاب قوسين في ذاك اللقاء الشهير أو أدنى. وسجلت أروقة قاعة الاجتماعات الواسعة صوت جعجع الغاضب وهو يدعو الحاضرين إلى خوض معركة الاستحقاق الرئاسي بأسلوب المواجهة والتحدي، عبر تنفيذ الوعيد بانتخاب رئيس من نسيج فريق 14 آذار وبنصاب النصف زائدا واحداً، حتى لو اقتضى الأمر المواجهة المباشرة مع حزب الله وحلفائه.
كما سجلت الأروقة عينها رد النائب جنبلاط العالي النبرة على حليف اليوم وعدو الأمس وهو يقول: "يا عيني اذا كنت تريد ان تقاتل، فقاتل وحدك، فليس بمقدوري وليس من  مصلحتي الذهاب معك، لأنني أعي سلفاً النتائج والأثمان التي سأدفعها أنا وجماعتي".
يومها أسهب جنبلاط بالحديث عما أسماه دائرة "المخاطر" المحدقة به في الجبل وحجم القوى التي سيواجهها، ليخلص إلى القول: "هذه المرة سأتهجر أنا وجماعتك ولن نجد من يردنا إلى ديارنا".
حينها أيقن الصقور ولمسوا لمس اليد أن العقد الجامع لهذا الفريق والخيط الناظم للقائهم بات واهياً جداً بفعل أربعة أمور أساسية مترابطة معا:
الأول: إنه (أي فريق 14 شباط) قد صار عاجزاً وقاصراً عن تحقيق الهدف الأكبر له وعلّة وجوده الأساسية، وهي الاتيان برئيس من لونه أو يكون من الدائرين بفلكه والعاملين بهدي توجهاته.
الثاني: ان في كواليس  السياسة الاقليمية ودهاليزها المعتمة أكثر من دليل قاطع على أن رياح التحولات قد هبّت، وأن زمن الصفقات التي تحتاج إلى رؤوس متدحرجة وأكباش فداء مذبوحة من الوريد إلى الوريد قد حضر، ما يعني أن هذا الفريق (14 شباط) سيفقد العضد والساعد الخارجي، وسينقطع حبل السرّة الذي يرفده بعناصر القوة والمواجهة.
ولقد كان النائب جنبلاط صاحب قرني الاستشعار الشهيرين اللذين يلتقطان ذبذبات التحولات عن بعد، بليغاً وفصيحاً وهو يحدث رفاق مشواره عن فحوى ما سمعه من المسؤولين في الادارة الاميركية، عندما طلب منهم صراحة تغطية انتخاب فريق للرئيس بنصاب النصف زائدا واحداً، وعما تستبطنه مسألة رفضهم لذلك الطلب الاستراتيجي بالنسبة الى "14 شباط" حاضراً ومستقبلاً.
الثالث: انه آن لهذا الفريق أن يشرع بدفع الأثمان السياسية وأن يبدأ بتقديم التنازلات لقوى المعارضة التي أحكمت حلقات الحصار حوله وكرّست معادلة داخلية ستصده بالتأكيد عن بلوغ أي مكاسب سيحققها، فقد كان يقيم على اعتقاد فحواه ان هذه المعارضة ستنهار ووحدتها ستتفكك وصمودها سواء في الشارع أو في السياسة سيضعف إلى حد التلاشي، وبالتالي ستقبل بفتات أي تسوية تقدم لها، ولكن رياح الأمور سارت عكس ما يشتهيه هذا الفريق الذي أصابته هو لوثة التناقضات! حتى ان سفراء أجانب كانوا حريصين على رعاية الفريق قد اشتكوا من التباينات والصراعات التي تعصف بلا انقطاع في داخله، وتجعل تماسكه أمراً واهياً، وتضطرهم إلى بذل جهود استثنائية لرأب الصدع فيه. ويرفض هؤلاء السفراء تبرير أركان فريق 14 شباط لعجزه عن الفعل من خلال القول بأنهم لم يتلقوا من رعاتهم سوى دعم سياسي خلافاً لخصومهم.. ويقولون ان الدعم الخارجي المادي والمعنوي الذي توفر لفريق 14 شباط لم يتوافر لأي فريق، ولكن المشكلة هي ببنية هذا الفريق وجنوحه نحو التردد.
الرابع: ان مظاهر الإخفاق والعجز لدى فريق 14 آذار لم تظهر فقط في موسم الاستحقاق الرئاسي، فثمة من يقول بأن أبرز هذه المظاهر في الآونة الأخيرة تجلى في ترشيح هذا الفريق ظاهرياً اثنين من أركانه لمنصب الرئاسة الأولى وترشيح ثالث بشكل مضمر، ما أوحى بأنه ـ أي فريق 14 آذار ـ مستعد لدخول بازار التسوية والمساومات مع المعارضة، حتى لو كان الثمن رؤوس بعض أركان فريقه المسيحي.
ولم يكن النائبان بطرس حرب وروبير غانم والنائب السابق نسيب لحود هم فقط الضحايا، فقبلهم كان الرئيس أمين الجميل الذي شكا صراحة من أنه كان ضحية أطماع حلفائه وأحابيلهم، فهو فقد ابنه الوزير بيار الجميل وسقط في انتخابات المتن الفرعية بعدما أقنعوه بالترشح على أساس أن لواء الفوز مضمون ومعقود له، وعندما حان موسم الترشح للرئاسة الأولى لم يكن اسمه من ضمن الأسماء المطروحة، مع ادراك فريقه رغبته بالعودة ثانية إلى كرسي الرئاسة الأولى.
وعندما  سقط النائب الوحيد المتبقي لحزبه انطوان غانم تناهى إلى سمع الجميل رغبة جعجع بترشيح المذيعة مي شدياق لملء المقعد النيابي الشاغر، وزاد في استياء الجميل ما تناهى إلى علمه من أن حلفاءه المحدثين، أي القوات اللبنانية، تسارع بتوجيهات عليا إلى استمالة بعض طلاب الجامعات والشباب الذين جندهم نجله الراحل بيار، وبالتالي ضمهم إلى القوات تمهيداً للتسلل مجدداً إلى الحزب المسيحي  الأعرق.
الخامس: إن حالة التآكل والضمور بدأت تصيب هذا الفريق منذ زمن، فهو فقد أولاً مقعداً نيابياً بوفاة النائب أدمون نعيم، ثم فقد مقعداً آخر بخروج النائب من عكار مصطفى علي حسين منه واقترابه من نهج المعارضة وتبنيه طروحاتها.
ثم كان خروج نجل الشهيد جورج حاوي رافي  مادايان بعد أن اتهمه بعدم الاهتمام بقضية والده واعتبارها قضية ثانوية، يتعاملون معها على أساس انها مادة دعائية.
وبعد ذلك كان الموقف المدوي للنائب عن كتلة "المستقبل" بهيج طبارة الذي ندد بالمسلكية السياسية لفريق 14 شباط، وشكك بشرعية خطواته وأدائه، لا سيما في مجال مقاربة هذا الفريق للاستحقاق الرئاسي.
وعلى النهج نفسه سار الوزير محمد الصفدي و"التكتل الطرابلسي" (يضم 4 نواب) الذي يرأسه. وفي الوقت عينه كانت كل المعلومات تتحدث عن وجود أكثر من خمسة نواب موجودين بالاسم في داخل فريق 14 شباط، ولكنهم يجاهرون بمعارضتهم كثيرا من طروحاته السياسية، وهم يقاطعون أنشطته ويغيبون عن قراراته الأساسية ويُمنعون عن أسراره.
ومهما يكن من أمر، فالثابت أن فريق 14شباط بات أمام محطة مصيرية، فإذا جرت الانتخابات الرئاسية وفق ما هو مقدر لها (انتخاب العماد سليمان) فثمة من سيخرج حتماً منه.. وإذا ما بقي النائب جنبلاط على انعطافته الأخيرة وجنوحه نحو فتح خطوط جديدة ونسج تحالفات مصلحية في العهد الجديد، فالأكيد أن هذا الفريق سيفقد "مايسترو" أساسيا، لا سيما أن كل المعلومات والمعطيات تشير إلى أن النائب الحريري ما زال أعجز من أن يقود فريقاً بهذا الحجم وبهذا الكم من الرغبات المتصارعة والأهداف المتباينة، وأعجز من أن يمتص تناقضات أقطابه.
وبالتأكيد فريق 14 شباط لن يبقى على وضعه الحالي في العهد الجديد، والبوادر أكثر من أن تُحصى، والمعطيات أكثر من أن تعد، فهو فقد مشروعه السياسي والروحية التي تسيره، والوحدة التي حالت في السابق دون تشظيه.
إبراهيم صالح
الانتقاد/ العدد1244 ـ 7 كانون الاول/ ديسمبر2007

2007-12-07