ارشيف من : 2005-2008
يمكن توفير 35 في المئة من الفاتورة النفطية إذا وجدت الإدارة الجيدة: ارتفاع أسعار المحروقات يطبق على اللبنانيين
لو وجدت الإدارة الجيدة للسياسة النفطية في لبنان لما تأثر المواطن كثيرا بارتفاع أسعار المشتقات النفطية، لكن ترك الأمر للمستوردين والمستفيدين ضمن سياسة المحاصصة أدى الى فلتان الأسعار في السوق وبلوغها حدوداً لم يعد بمقدور المواطن ولا الصناعي تحملها. جملة من الامور التي ترتبط بواقع هذه الازمة التي يعيشها المواطن اللبناني يشرحها رئيس جمعية المستهلك د. زهير برو، الذي يؤكد في حديث لـ"الانتقاد" أن "التدخل الايجابي من قبل الدولة في إعادة تشغيل المصافي تؤدي الى تخفيض الفاتورة بنسبة 35 في المئة". منبهاً الى ان "أسعار المحروقات في العالم تنخفض بينما ترتفع في لبنان".
أطلقت السلطة يد الغلاء في لبنان وتركته يقضم القدرة الشرائية للمواطن اللبناني، حتى بات هذا المواطن عاجزا عن تأمين مستلزمات أموره الحياتية. ولأن سلعة الوقود أو ما يعرف بالبنزين والمازوت والغاز تعتبر من السلع الأساسية التي يستهلكها المواطن، فقد اتبعت السلطة سياسة السعر المفتوح لهذه السلعة، من دون أن تلجم حركة سعره المتصاعدة بشكل صاروخي. وبدلا من أن ترد هذه السلطة بإيجاب على أنين ووجع المواطن، فإنها لم تبال باحتجاجات السائقين الذين عمت صرختهم كل أرجاء البلاد ووصلت الى أروقة السراي التي يتحصن فيها أركان السلطة، بل عمدت الى زيادة أسعار المحروقات بعد أن فرضت على المستهلك نظاما حديديا مقفلا اسمه سياسة البنك الدولي أو ما يُعرف بالسياسة الاقتصادية الإصلاحية.. هذه السياسة التي يحاول فريق السلطة أن ينفذ منها الى ما يسمى بخصخصة القطاعات في لبنان.
لكن المفارقة العجيبة التي تميز سياسة الأسعار في لبنان عن باقي أسعار الدول الأخرى، أن سعر سلعة الوقود تنخفض في تلك الدول كلما زاد سعر النفط في الأسواق العالمية، بينما تزيد أسعارها في لبنان. كيف ذلك؟
يعتبر رئيس جمعية المستهلك الدكتور زهير برو أن "المازوت والبنزين يشكلان سلعة أساسية جدا، وهما واحدة من خمس سلع يعتمد عليها الاقتصاد اللبناني، وسعرها يتحكم بكثير من مفاصل الاقتصاد اللبناني، خاصة المواصلات والنقل وصناعة سلع عديدة تشكل المحروقات جزءا أساسيا من كلفتها". ويضيف برو: "من المفترض بمن يدير الاقتصاد اللبناني ويشرف عليه أن يفهم هذا المبدأ ويتعامل معه على هذا الأساس، لكن ما نشاهده منذ سنوات طويلة لا علاقة له بهذا المفهوم، إذ يكفي أن نرى أن شراء المحروقات يتم في اللحظات الأخيرة ومن دون أي تنظيم للاستيراد وبشكل مسبق". وفي هذا المجال يشير برو الى أن "كل دول العالم تشتري قبل سنة أو سنتين ضمن خطة مبرمجة لكي لا تفاجئ بتطور الأسعار، أي بزيادتها".
ويؤكد برو أن في لبنان "الامر متروك لمجموعة من المستوردين المستفيدين ضمن نظام محاصصة سياسية وطائفية"، وبالتالي "يضع هذه السلعة كما سلع عديدة أخرى في تصرف نظام المحاصصة والاحتكارات". لافتاً الى أن "العديد من الخبراء أثبتوا ان تنظيم الاستيراد وتدخل الدولة الايجابي فيه وإعادة تشغيل المصافي (دير الزهراني وطرابلس) يؤدي الى تخفيض الفاتورة النفطية بما يوازي 35 في المئة، وبالتالي ترك الموضوع كما هو جارٍ حاليا يؤدي الى ما نشاهده الآن من تسعير أسبوعي بناءً على فواتير لا نعرف عنها شيئا، وغالبا ما يجري التلاعب بها". ويعطي مثلا على هذه الحال فيقول: "الأربعاء الماضي انخفضت الأسعار العالمية الى ما دون الـ90 دولارا لبرميل النفط، بينما ارتفعت في لبنان بحدود الـ 900 ليرة لصفيحة البنزين والمازوت". ويرى "أن سوء إدارة هذا الملف وتغليب مصلحة مجموعة من المستوردين على حساب المستهلكين والاقتصاد يؤدي الى ما نشاهده الآن".
ويرى برو أن "هذه السياسة تطبق على كل القطاعات، ما أدى أيضا الى ارتفاعات في الأسعار لم نشاهد مثلها في أي دولة في العالم! ثم يأتي مسؤول من هنا وآخر من هناك ليصرح بأن الأسباب خارجية تتعلق بارتفاع المحروقات وسعر صرف اليورو، ليبرىء الحكومة والقطاعات الاقتصادية الأساسية من أي مسؤولية".
ويؤكد أن "بعض السلع ترتفع أسعارها عندنا بمعدلات خيالية بينما لم تتحرك أسعارها عالميا على الإطلاق"، لافتاً الى أن "ما زاد سعره فعلا هو أسعار الحليب والعلف وبعض الحبوب، وقد انعكس ذلك في الخارج بزيادات طفيفة جدا، بينما أظهر مؤشر المستهلك للأشهر الأخيرة ارتفاعات بلغت حتى آخر أيلول/ سبتمبر 2007، 29.9 في المئة على 160 سلعة وخدمة أساسية. وتنتظر الجمعية الآن مستوى كبيرا في ارتفاع الأسعار سيظهرها مؤشر الفصل الرابع من العام 2007".
وقد تأثرت مختلف السلع بتطور الأسعار، وانعكس ذلك سلبا على الصناعة في لبنان التي تعتبر شريانا حيويا للاقتصاد. ويلفت برو الى أن "كل من يستخدم الطاقة بنسبة عالية، أي أكثر من عشرين في المئة من كلفة السلعة من أجور وطاقة ومواد أولية، فبالتأكيد سيتأثر بهذه الارتفاعات".
مصعب قشمر
ـــــــــــ
شعلة الجبل الرفيع: "الجفت" طاقة بديلة وصديقة للبيئة بكلفة أقل
لا يعدم المزارع سيما الذي يعمل في زارعة الزيتون، إيجاد وسيلة يستفيد فيها من هذه الشجرة المتعددة الاستخدامات.
وفيما تنشغل العديد من مراكز الأبحاث في العالم بالبحث عن مصادر طاقة بديلة وصديقة للبيئة، نفذت الجمعية الزراعية في بلدة عربصاليم الجنوبية اول معمل لإنتاج مركب طبيعي من جفت الزيتون المتبقي من عملية العصر ليحل محل الكهرباء والمازوت والخشب ليستخدم في التدفئة.
ويحضر هذا البديل في وقت يعيش فيه المواطن اللبناني تحت رحمة سعر المشتقات النفطية وصفيحة المازوت التي جاوز سعرها الـ25 ألف ليرة.
دشنت الجمعية الزراعية في بلدة عربصاليم ـ قضاء النبطية معمل إنتاج "شعلة الجبل الرفيع" الذي يحوّل جفت الزيتون الى وقود للمدافئ، وخلافاً لما هو متوقع لاقى المعمل استحسان مزارعي الجنوب وصولاً الى بقية المناطق البنانية، وتعدتها الى الدول المجاورة على مستوى الاستفادة منه أو من الفكرة التي من المتوقع بعد نجاحها في عربصاليم انتقالها الى مناطق أخرى، حسب ما كشف مدير الجمعية المهندس قاسم حسن.
وفي إطار تعريفه بالمنتج الجديد قال حسن: "ان شعلة الجبل الرفيع هي عبارة عن الجفت المتبقي من الزيتون. فبعد دراسة قامت بها الجمعية استغرقت عدة أشهر تبين أنه باستطاعتنا مساعدة أهلنا في تخفيف العبء الاقتصادي الشتوي عن كاهلهم، فقمنا بإجراء دراسة على الاستفادة من بقايا حبوب الزيتون بعد عصره (الجفت)".
وعدد المهندس حسن طرائق الاستفادة من هذا المشروع وهي: "التدفئة في فصل الشتاء، التخفيف من استعمال الطاقة الكهربائية، التخفيف من لجوء المواطنين الى قطع الأشجار والمحافظة على الثروة الحرجية في الجنوب خاصة ولبنان عامة. وهذا ما ينعكس إيجابا على الوضع الاقتصادي للكثير من العائلات اللبنانية، من تخفيف كبير في مصاريف الغاز والكهرباء والمازوت، هذا العبء الذي أصاب المواطن في لبنان جراء سياسات الدولة الاقتصادية غير المجدية وارتفاع أسعار المحروقات الذي لا يطاق. ومن فوائده خلق فرص عمل للعديد من المواطنين، وأخيراً استفادة مزارعي الزيتون القصوى من زراعة الزيتون: (حبوب وزيت وجفت)".
وحول التسمية قال حسن: "كلنا يعلم وسمع بالجبل الرفيع، هذا الجبل الذي قدم الشهداء والجرحى وكان الخط الاول في الدفاع عن أهلنا في منطقة إقليم التفاح والنبطية ولبنان عامة، حيث ارتوت ترابه بدماء الشهداء، فكان هذا ناراً على الأعداء ونوراً وبردا وسلاما على أهلنا الذين قاوموا وصمدوا وتحدوا العدو الغاصب".
وحول تمويل المشروع قال المهندس حسن: "بعد إعداد دراسة شاملة وتأمين المكان المناسب له، رفعت هذه الدراسة الى مجلس الإنماء والإعمار الذي وافق على تمويله. فكانت عمليات التنفيذ في أوائل العام 2007، وجرى الانتهاء منه في شهر تموز/ يوليو 2007، أي بعد سبعة أشهر من البدء بالعمل، حيث قمنا في هذه الأثناء بشراء الآلات اللازمة لعملية ضغط الجفت وتعبئته وإعداده للاستعمال".
وشرح المهندس حسن كيفية استفادة المزارع من الجفت فقال: "كل عشرة دونمات من الزيتون تنتج طنا من الجفت، وذلك في الموسم الذي يحمل فيه الزيتون. وإذا أحضر المزارع الجفت نقوم نحن بضغطه، وهذا يكون أقل كلفة عليه. وهذا ينطبق على وضعه في صناديق او استلامه (فلت)".
وأضاف: "ان عمل الجمعية تنموي وليس تجاريا، ونحن لا نتوخى الربح من وراء عملنا، ولكننا من خلال هذا العمل نريد خدمة أهلنا، وما نتقاضاه من مال مقابل المنتج هو لتغطية مصارفات المعمل فقط". وفي تقييم لنتيجة التجربة قال حسن: "نتيجة عملنا منذ شهر تموز حتى اليوم ممتازة، فهناك إقبال من المواطنين من جميع المناطق اللبنانية. وقد اتصلت بنا بعض الشركات من بيروت والبقاع وكذلك من قبرص وسوريا.. طبعاً هذا حصل بعد ان قام تلفزيون المنار مشكوراً ببث تقرير عن هذا المشروع، ونأمل من خلال "الانتقاد" أن تتعرف شريحة اضافية الى المشروع لتعم الفائدة جميع أهلنا".
وأشار حسن الى ان "بعض الجمعيات والبلديات في الشمال والجنوب اتصلت بالجمعية التي لبت النداء وقدمت الخبرة في هذا الموضوع".
هذا هو المزارع في لبنان مبدع وخلاق، فهل ستلتفت الدولة الى هذا القطاع الذي يعيل نسبة كبيرة من اللبنانيين وتفتح أمامه المجالات المتعددة ليساهم في تحقيق التوازن الاقتصادي ويقدم المساعدة في رفع المستوى المعيشي للكثيرين؟ سؤال في عهدة السلطة الجديدة المرتقبة.
الانتقاد/ العدد1244 ـ 7 كانون الاول/ ديسمبر2007