ارشيف من : 2005-2008
بقلم الرصاص: قامة الكذب
كتب نصري الصايغ
1 - الحبل الطويل
قيل: حبل الكذب قصير..
غلط، حبل الكذب في لبنان، أطول من أيام السنة، بلغ الكذب قامة السياسة برمتها، تفوّق في عدم الالتباس. تقول الشفة السفلى قولاً، تمحوه الشفة العليا، نهار الاثنين بشارة ويوم الثلاثاء نعي، يوم الاربعاء تأكيد، ويوم الخميس نفي، يوم الجمعة التئام، ويوم السبت انفصام، ولا يرتاح الكذب حتى في أيام الآحاد، فالكذب سيل سياسي يشبه "مكرّ مفرّ مقبلٍ مُدبرٍ معاً.. كجملود صخرٍ حطّه السيل من علِ".
وفي التفاصيل: كذبوا في رابعة النهار: قالوا نتفق على المحكمة ثم.. قالوا بعد اقرار المحكمة نفعل كذا.. قالوا الشراكة بعد اقرارها، ثم قالوا قبل معالجة الحكومة نبحث في مسألة الفخامة، ثم.. قالوا الرئاسة والحكومة معاً .. ثم.. قالوا هاتوا سلاح المقاومة ثم.. نريد تطبيق القرارات الدولية أولاً ثم.. نريد تنفيذ الـ1995 ثم.. لا نريد رئيساً عسكرياً ثم نريد رئيساً عسكرياً ثم نتفق على المشاركة، ثم نتفق على كل ما نختلف عليه.
وفي التفاصيل أيضاً: هجوم إعلامي مكثف على سلاح المقاومة ثم هجوم على المقدسات، ثم تحطيم للمثل، ثم تسخيف للشهادة، ثم اتهام بثقافة الموت، ثم لا ثم بعدها.. وأخيراً، عود إلى بدء، المقاومة موضوع شائك، والمقاومة على الطاولة، يجب تطمين حلفاء دمشق، لقد خسرنا المعركة ولكننا لم نتنازل، إلى آخر ما لا يحصى.
والغريب، أن في كل العالم، حبل الكذب قصير، إلا عند الرئيس جورج بوش، وعند اللبنانيين الأقحاح، الذين يصدقون الكذب يدافعون عنه على أنه حقيقة.. فعاش لبنان.
2 - فلسفة التبرير
أسوأ ما يصاب به الفكر، عندما يقع أسير التبرير، فإن ارتكب خطأ وجد ما يخفف منه، وإن وقع في مطب، بحث عن تعليل، وإن أخفق فالحق على الآخرين.
قسم كبير من اللبنانيين، لا يعد، ولا يحصى، ليس مستعداً ولن يكون مستعداً أبداً، داخل منطق التبرير، كي يعترف بخطأ أو خطيئة أو فضيحة أو كارثة، يجد دائماً عدواً أو خصماً يلبسه الأسباب وكفى المرتكب شرور العقاب.
لم يعترف أحد بأنه أخطأ، أو بأنه كان أحد أسباب بلوغ لبنان حافة الهاوية وعمق الفراغ، لم يعترف أحد بعد، أنه كذب وحرّض ونافق وشارك وأشرك كي يهزم خصمه، لم يعترف أحد بعد، كيف استعان بالشياطين كلها كي يسجل نقطة سياسية في شباك الخصم، لم يعترف أحد أنه زوّر وارتكب ومالأ وربما أحياناً حرّض على أبناء شعبه.
والغريب، أن اللبنانيين في معظمهم، يعتبرون أنفسهم معصومين عن الخطأ، وأن الخطأ مهنة خصومهم وحدهم، ومن لا يصدق ما جاء أعلاه فليفحص وسائل الاعلام التي كانت خنادق لتفخيخ المعلومات بالشائعات والدس والنفاق، والغريب أكثر، أن تبقى وسائل الاعلام المرعية الكلام، وسائل اعلام.
ملحوظة: لو كانت وسائل اعلام لاتفقت مرة واحدة على تفسير أو نقل معلومة، لها علاقة بالمحكمة الدولية، وإفشال الوساطات العربية والدولية، أو لعدم ذكر الخروقات الاسرائيلية.
الغريب: أن أحداً لا يحاسب أحداً..
فكيف يستقيم وقف بلا حساب. أن كيف تستقيم حالة وفاق أو بقال، بلا حساب..
عندما تسقط القيم في بيئة ما لا يبقى فيها ما تأسف عليه.
الانتقاد/ العدد1244 ـ 7 كانون الاول/ ديسمبر2007