ارشيف من : 2005-2008

حدث في مقالة/ فريق 14 شباط: من أين هذا الشغف المفاجئ بقائد الجيش؟

حدث في مقالة/ فريق 14 شباط: من أين هذا الشغف المفاجئ بقائد الجيش؟

كتب مصطفى الحاج علي
من أين أتى هذا الشغف المفاجئ لدى فريق السلطة بقائد الجيش، وهو الذي لم يتوان أركانه عن شن حملة عليه بهدف شطب اسمه من لائحة المرشحين، حتى أن أحدهم أبلغه صراحة بضرورة التخلي عن هذا الطموح، والاكتفاء بالدور الوطني الكبير الذي يقوم به؟ وأيضاً، من أين أتى هذا الاستسهال بتعديل الدستور لدى هذا الفريق الذي سبق له وشكل قضية أساسية في وجه رئيس الجمهورية السابق إميل لحود بذريعة أنه أتى بعد تعديل قسري للدستور؟
وأكثر من ذلك أيضاً، أخذنا نسمع مؤخراً مواقف لا تصدق تصدر عن السفير الاميركي تارة، وعن هذا الركن أو ذاك في فريق 14 شباط، وكلها تتقاطع عند اسقاط عملي لمطلب نزع سلاح المقاومة، ورفض الذهاب إلى خيار النصف زائد واحد، والقبول حتى بالثلث المعطل، ألا يعد هذا كله، خارج المنطق الاميركي والأوروبي ومنطق فريقهما في لبنان، ألا يعد هذا اسقاطاً لأجندة كاملة، بل وإسقاط لآلية عمل عليها الفرنسي بقوة للتوصل إلى رئيس توافقي، جرى خلالها توريط البطرك صفير.
إن هذا الانقلاب السريع في المواقف، والتغيير الحاد في المسارات، يفرض سؤالاً محورياً يتناول الخلفيات والأهداف.
وهنا لا بد من رواية كاملة لحدث الاستحقاق الرئاسي، ترتكز على نحوٍ رئيس على تحديد دقيق لإطارها الجيوبوليتيكي اليوم بما هو عنوان مكثف وترميز قوي للأزمة اللبنانية، وكذلك على مسار التوازنات العامة التي أحاطت بهذا الاستحقاق.
وفي هذا الإطار، يمكن تسجيل التالي.
داخلياً، كان واضحاً للجميع أن لعبة الكباش بين الأطراف الداخلية، وبواسطة الأوراق التي يملكها كل منهما، باتت تلغي بعضها بعضاً، مبقية عناصر أوراق قوة ثقيلة وضاغطة لمصلحة المعارضة، وفي أكثر من ساحة، الأمر الذي وضع فريق 14 شباط أمام خيار من اثنين: إما دفع الأمور إلى النهاية من خلال خطوات تصعيدية يعرف جيداً أنها لن تكون بالنسبة له إلا قراراً إرادياً بالانتحار السياسي، وإما الإقرار بالهزيمة ولو ضمنياً، ما يبقي له عملية تنظيمها، واحتوائها، والسعي إلى الحد منها قدر الإمكان، وذلك بانتظار حدوث متغيرات ما في المنطقة، وربما في الداخل، من شأنها أن تعيد اليه القوة اللازمة لإعادة التوازن إلى وضعه، ولا شك، أن الخيار المنطقي والموضوعي سيكون هو الخيار الثاني.
أما خارجياً، فنقطة البدء تتمثل بمسار الهزائم والاخفاقات الخاصة بالمشروع الاميركي ـ الصهيوني في المنطقة، وذلك بدءاً من العراق ووصولاً الى عدوان تموز الذي شكل فشله نقطة الذروة في مسار الهزائم لهذا المشروع.
من هنا، كان على واشنطن وحلفائها في المنطقة أن يتعاملوا مع افرازات وانعكاسات ونتائج هذه الهزائم، وذلك عبر جملة من الخطوات التي تستهدف احتواءها بالدرجة الأولى، ومن ثم اعادة رسم التوازنات من جديد في مرحلة ثانية.
في هذا الاطار، بدأنا نشهد إعادة ترتيب في أولويات الأجندة الأميركية، حيث جرى تعويم خيار التسوية، والاهتمام بقضية الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي. وهذا التعويم ـ في الحقيقة ـ جرى التمهيد له بحملة سياسية واعلامية ركّزت على التالي:
ـ اعتبار ايران الخطر الأول الذي يتهدد أمن المنطقة واستقرارها، لا الكيان الاسرائيلي.
ـ اثارة النعرات المذهبية، فبدلاً من محورة الصراع مع الكيان الاسرائيلي، حرف به باتجاه الداخل العربي والاسلامي ليصبح صراعاً بينياً.
- العمل على تشكيل محور سياسي عربي تحت تسمية عرب الاعتدال في مواجهة ما تسميه واشنطن قوى التطرف.
ـ العمل على تشكيل تحالف موضوعي بين منظومة تحالف المعتدلين والكيان الاسرائيلي بذريعة أن كليهما اليوم يواجهان خطراً مشتركاً هو الخطر الايراني من جهة، والخطر المتمثل بقوى المقاومة والممانعة في المنطقة.
من الواضح، أن منح قوة دفع سياسية لهكذا توجهات يحتاج الى إعادة تحريك القضية الفلسطينية، وتحويلها الى باب خلفي للقيام بعملية تطبيع شاملة بين المنظومة الآنفة والكيان الاسرائيلي، ولذا جرى وضع الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي مجدداً على رأس أولويات الأجندة الأميركية في المنطقة، وذلك في سياق انجاز جملة أهداف أبرزها:
ـ إعادة موضعة القضية الفلسطينية في إطار النظام الرسمي العربي، وبما يتيح فك الارتباط بينها وبين محور المقاومة كحركات وكدول.
ـ التأسيس لحالة من التطبيع الرسمي مع الكيان الاسرائيلي.
ـ سحب الاهتمام من المسألة العراقية باتجاه المسألة الفلسطينية.
ـ حاجة بوش والحزب الجمهوري الى إعادة تلميع صورته داخل الولايات المتحدة، وخصوصاً أن موعد انطلاق الحملات الانتخابية الرئاسية على وشك البدء به في ربيع العام المقبل.
كل ما تقدم، كان يتطلب عقد صفقات، وتقديم تنازلات متبادلة هنا وهناك، وحيث يستطيع كل طرف فاعل أن يقدم أو يأخذ، نظراً الى حاجة الجميع الى فترة انتقالية تكون هادئة وموزونة ومدوزنة فيها الأمور بحيث لا تخرج عن السيطرة.
هذا المناخ الاقليمي والدولي العام، كان لا بد من أن يلقي بظلاله وتأثيره على الوضع الداخلي اللبناني، وتحديداً على الاستحقاق الرئاسي.
إن هذه الاعتبارات الاقليمية والدولية معطوفة على واقع فريق 14 شباط، فرضت على واشنطن القبول بتقديم التنازل المطلوب، ليكون فريق 14 شباط الصدى الطبيعي لهذا التنازل الاميركي، وليعود بالتالي التوافق على اسم قائد الجيش ميشال سليمان مرشحا وحيدا لرئاسة الجمهورية.
إلا أن القصة لا تنتهي هنا، اذ يدرك فريق 14 شباط، أن القبول بالهزيمة هو المقدمة لدفع أثمانها، وهنا مشكلته الكبيرة مع نفسه لا مع قوى المعارضة كما يحاول أن يصور، ففريق 14 شباط يدرك أن أي تسوية لا يمكن أن تقفز فوق الجنرال عون وتياره، وبالتالي لا بد من إعطائه ما يستحق، وبالتأكيد فإن الثمن المطلوب ليس عند المعارضة، وإنما عند فريق السلطة، حيث أن أي ثمنٍ سيدفعه سيضعه في مأزق كبير، وهذا ما اقتضى مجدداً تدخلاً فرنسياً للسهر على ولادة الرئيس مع السلة الكاملة حتى لا تكون الولادة ناقصة منذ أول الطريق.
الانتقاد/ العدد1244 ـ 7 كانون الاول/ ديسمبر2007

2007-12-07