ارشيف من : 2005-2008

تشاد: حرب أهلية والتهديد يطال الوجود العسكري الفرنسي

تشاد: حرب أهلية والتهديد يطال الوجود العسكري الفرنسي

بعد أقل من شهر على فضيحة منظمة "سفينة زوح" الإنسانية الفرنسية التي كانت تتخذ من تشاد مسرحاً لعملياتها في اختطاف الأطفال وتهريبهم إلى فرنسا لأغراض ملتبسة، عاد التشاد ليحتل واجهة الحدث مع تجدد الحرب الأهلية التي اندلعت فيه وأوقعت خلال أيامها الأولى مئات القتلى وآلاف الجرحى الذين جرى نقل الكثيرين منهم إلى مستشفيات مصر وليبيا والسنغال. وكانت الحرب الأهلية قد توقفت بعد سلسلة حروب وانقلابات عسكرية بدأت مع الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي عام 1960، وكان آخرها الانقلاب الذي أسقط حكم الرئيس حسين حبري عام 1990، وجاء بقائد جيشه إدريس ديبي إطنو الذي انتخب رئيساً للمرة الأولى عام 96، وهو ما زال في الحكم بفضل انتخابات تشريعية ورئاسية مشوبة بالكثير من الكلام عن أعمال التزوير المكثف.
 وإذا كانت أعمال التمرد قد تواصلت بوتائر مختلفة من حيث الاتساع والحدة، فإن العودة إلى الاضطراب الشامل تبدو طبيعية تماماً في بلد يحتل المرتبة العالمية رقم 139 في مجال الناتج القومي الخام، ولا يزيد متوسط الدخل الفردي فيه عن 200 دولاراً في السنة، ويعاني في ظل وصفات البنك الدولي، من عجز مالي ـ 183 مليون دولار للصادرات مقابل 290 مليوناً للوردات في العام 2000 ـ لا يتمكن معه في أحيان كثيرة من دفع رواتب الموظفين والجنود. هذا العجز خصوصاً في ما يتعلق بالرواتب، قد يكون إضافة إلى النزاعات الإتنية المتشابكة التعقيدات، في طليعة أسباب العودة الجديدة إلى الاقتتال.
 وكانت حكومة الرئيس إدريس ديبي قد وقعت في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي اتفاقية مع الجماعات المسلحة الرئيسية الأربع في البلاد، لكن هذه الاتفاقيات لم تحل دون استمرار المواجهات. وإذا كانت الجماعة المسلحة الرئيسية، وهي اتحاد القوى الشعبية من أجل الديمقراطية والتنمية، المنتمية إلى إتنية غوران، قد أعلنت هدنة مدة شهر إفساحاً في المجال أمام تنفيذ بنود الاتفاقية، فإن زعيمها وزير الدفاع السابق الجنرال محمد نوري، احتج ثلاث مرات منذ 26 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي على تصرفات الجيش، قبل أن يعلن انتهاء الهدنة. أما تجمع قوى التغيير الذي يقوده تيمان أرديمي، أحد أقارب الرئيس ديبي، والذي ينتمي أفراده إلى إتنية الزغاوة التي ينتمي إليها الرئيس نفسه، فقد حذا حذو الاتحاد ودخل المعمعة يوم السبت الماضي (1/12/2007)، بعد تعرض قواته لقصف جوي من قبل القوات الحكومية التي قالت إن فلول المتمردين قد هربت إلى داخل الأراضي السودانية. وكان الاتحاد والتجمع قد فشلا في وضع خطة مشتركة للتنسيق بينهما، غير أنهما يؤكدان وحدة معركتهما ضد النظام القائم، ويتعهدان كل من منطقة نفوذه، بعدم المساس بمنطقة نفوذ الآخر.               
ومن الجماعات المسلحة الأخرى هناك الجبهة المتحدة من أجل التغيير المنتمية إلى إتنية تاما التي كانت قد قامت بتمرد سابق انتهى باتفاقية سلام وقعت عام 2006، وأعقبها في آذار/ مارس الماضي تعيين زعيمها محمد نور عبد الكريم وزيراً للدفاع في حكومة ديبي، وانضمام أنصاره إلى صفوف الجيش. لكن هؤلاء ما لبثوا أن فروا لينخرطوا في القتال ضد الجيش وميليشيات ديبي، في وقت تشير فيه المصادر إلى إمكانية التحاقهم بقوات الاتحاد من أجل الديمقراطية والتنمية. وفي هذه الأثناء التجأ زعيم الجبهة إلى السفارة الليبية في نجامينا، فأقيل من منصبه كوزير للدفاع وسط تساؤلات عن مبررات التجائه إلى سفارة بلد صديق.
وإضافة إلى اتهام السودان بدعم المتمردين، يشكل التجاء عبد الكريم إلى السفارة الليبية العنصر الخارجي الثاني الذي قد يكون على صلة بمجريات التطورات الداخلية في تشاد. أما العنصر الخارجي الثالث فهو على صلة بما يجري في دارفور المجاورة، فالمعروف أن أعداداً من لاجئي دارفور يوجدون في المناطق الشرقية من تشاد، وأن الاتحاد الأوروبي قرر في جملة ما توصلت إليه المفاوضات بين السودان والمجتمع الدولي، نشر 3700 جندي ـ نصفهم من الفرنسيين ـ في تشاد، بهدف معلن هو حماية وصول المساعدات الإنسانية إلى لاجئي دارفور. وكان من المفترض أن يبدأ نشر هذه القوة في غضون أسابيع، لتضاف إلى القوة الفرنسية المرابطة أصلاً في تشاد. والجديد برغم تأكيدات وزير الدفاع الفرنسي هيرفي مورين أن مهام القوات الفرنسية لا تشتمل على أعمال عسكرية ضد المتمردين، أن الاتحاد من أجل الديمقراطية والتنمية اتهم القوات الفرنسية بتقديم دعم لوجستي لقوات إدريس ديبي، وأعلن أنه في حالة حرب مع القوات الفرنسية ومع كل جيش أجنبي على الأراضي التشادية.. وبذلك نكون أمام معطيين مهمين: أولهما احتمال سقوط نظام إدريس ديبي المدعوم فرنسياً، واحتمال تعثر التدخل الدولي ـ الأفريقي في دارفور، في وقت هرعت فيه كوندوليزا رايس إلى اثيوبيا المجاورة وسط ارتفاع حدة التوتر المشفوع بحشد الجيوش على جانبي الحدود بينها وبين أريتريا، وأيضاً وسط مؤشرات تفيد بأن المغامرة الاثيوبية المدعومة أميركياً في الصومال تتعرض لمقاومة مسلحة متصاعدة.
ع.ح.
الانتقاد/ العدد1244 ـ 7 كانون الاول/ ديسمبر2007

2007-12-07