ارشيف من : 2005-2008
قمة الدوحة: نجاد يربط ضفتي الخليج باقتراحات تعاون وجيرانه ينأون عن الخيارات الصعبة في المواجهة الأميركية الإيرانية
كادت القمة الخليجية التي انعقدت في الدوحة هذا العام تمر مرور الكرام باعتبارها تقليداً سياسياً سنوياً يصدر عنه بيان شبيه بسابقاته، لولا ان شهدت هذه المرة حدثا غير مسبوق منذ تأسيس هذا الاطار الاقليمي للتعاون بين ست دول خليجية منذ العام 1981، وهو حضور الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد القمة كأول رئيس للجمهورية الاسلامية يقوم بهكذا خطوة، فضلا عن القائه خطاباً امام القادة المجتمعين عرض فيه مقاربة شاملة لكيفية العلاقات بين ضفتي الخليج تقوم على اثني عشر مقترحا تتوزع بين مجالات التعاون الامني والاقتصادي. وهذه المقترحات هي عقد اتفاق امني وتأسيس منظمة للتعاون في هذا المجال؛ تأسيس منظمة للتعاون الاقتصادي؛ الغاء تأشيرات الدخول بين ايران ودول المجلس؛ الاستثمار المشترك في الطاقة؛ التعاون في المجالات العلمية والتربوية بما في ذلك السياحة النزيهة العائلية؛ ووضع اتفاقية للتجارة الحرة بين الجانبين، وانشاء ممر شمال جنوب بينهما تسخر له ايران بناها التحتية وسككها الحديدية، ويستخدم ايضا لنقل الطاقة، فضلا عن استعداد ايران لتوفير المياه الصالحة للشرب والغاز لدول المجلس، والتعاون من اجل الحفاظ على بيئة الخليج وبحر عمان وايضا لمساعدة الدول الاسلامية والدول الفقيرة.
وتقوم فلسفة هذه المقترحات من وجهة نظر ايرانية على ان دول المنطقة فضلا عن انها قادرة على حل مشاكلها بعيدا عن أي تدخل اجنبي وظيفته الاساسية تأجيج الخلافات، فإنها قادرة على اخذ هذا المجال الجغرافي والسياسي والثقافي والديني المتشابه نحو مرحلة مختلفة من العلاقات لتشكل واحدا من مصادر قوة العالم الاسلامي نظرا لما تختزنه من امكانيات اقتصادية في مختلف الحقول، لا سيما صناعة النفط.
على ان السبب الجوهري الذي يكمن في الاهتمام العالمي بحضور نجاد القمة يقع في الدرجة الاولى في الرسائل التي يحملها مثل هكذا قرار، والذي اتى تتويجا لسياسة انفتاح تعتمدها القيادة الايرانية على جيرانها، ذلك ان الشرق الاوسط يعيش حالياً على عتبة تغييرات جوهرية مصدرها الصيغة الذي سيستقر عليها البرنامج النووي الايراني في ظل المحاولات الاميركية والاسرائيلية المستمرة لوضع حد له، والتي تتوزع بين خياري الضربة العسكرية والعقوبات الاقتصادية والسياسية والمالية، وكلا الخيارين سينشآن وضعاً جديداً ستكون دول الخلج معنية به. ففي حال الحرب فإن مجال الرد الايراني سيكون مفتوحا على احتمالات تكون المصالح الاميركية وقواعدها العسكرية في المنطقة عرضة للاستهداف الايراني المباشر، فضلا عن تأثيرها السريع على حركة الامداد النفطي العالمي وصناعة الذهب الاسود اساساً.
اما في حال العقوبات فإن الولايات المتحدة تراهن على تضييق الخناق على الجمهورية الاسلامية عبر من تعتبرهم حلفاءها التقليدين ممن تشملهم منذ زمن بحمايتها العسكرية والامنية بثمن باهظ طبعاً.
وفي حال اخفقت جميع الخيارات الاميركية، وهذا هو الارجح، فإن ايران التي تعتبر ملفها النووي منتهيا ولا مجال للنقاش فيه، وهو ما فعله الرئيس نجاد في القمة الخليجية حيث لم يأت على ذكره ابداً، مع تأكيده ان بلاده جهزت نفسها لكل الاحتمالات والظروف، فإن الجمهورية الاسلامية تدخل رسمياً، وهي دخلت فعلياً، نادي القوى الاقليمية العظمى التي ستكون قطب الرحى في أي حركة سياسية او اقتصادية او عسكرية في المجال الحيوي الذي تشتغل فيه، والذي يشمل على الاقل كل الجوار الخليجي وآسيا الوسطى وصولا الى البحر المتوسط الذي يعمل النفوذ الايراني فيه بفعالية.
وعليه فإن الدول الخليجية التي دعت نجاد الى القمة تبدي حرصا على ان تقلص قدر الامكان تأثيرات أي ضربة عسكرية لايران، وفي الوقت نفسه تنأى بنفسها عن ان تكون في موضع تهمة من يساعد او يسهل او يتغاضى عن العدوان، ولا سيما ان نجاد حذر من ان أي انفلات امني في المنطقة يؤثر على مختلف الدول، فضلا عن ان الود الايراني الذي ذهب به نجاد حاملا مقترحات التعاون في المجالات كافة، شكل التفافا على أي امكانية لان تكون دول الخليج العربية الست جزءا من أي عقوبات على ايران، لا بل ان واحدة من النتائج الاولية للمشاركة الايرانية هي الانزعاج الاسرائيلي من المشهد نفسه، خاصة عندما دخل الرئيس الايراني القاعة ويده متشابكة مع الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، الامر الذي اعتبر نسفا لنتائج مؤتمر انابوليس ومحاولة عزل ايران عبر تشكيل محور عربي "معتدل" في مواجهتها، الى حد ذهب فيه رئيس كيان العدو شيمون بيريز الى التسويق لنظرية ان "ايران اصبحت مصدر الخطر على هذه الدول وليس اسرائيل".
ومما عزز من الاندفاع الخليجي التقارير الايجابية للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن سلمية البرنامج الايراني، وايضا التقرير الاخير لاجهزة الاستخبارات الاميركية حول عدم سعي ايران لامتلاك السلاح النووي من خلال هذا البرنامج، ما يعزز خيارات التعاون بمعزل عن أي ضغوط خارجية. مع الاشارة الى ان الحضور الشخصي لنجاد يشكل عامل طمأنة لدول الخليج التي من مصلحتها تشكيل بيئة آمنة تحافظ فيها على استقرارها، وهذا ما عمل الرئيس الايراني على توكيده في مجمل حركته أثناء لقائه ايضا مع الرئيس الاماراتي خليفة بن زايد على هامش القمة برغم النزاع حول ثلاث جزر تتحكم بمضيق هرمز الاستراتيجي.
ومع ان المسألة الايرانية كانت هي الطاغية فإن حضور عبد الله بن عبد العزيز القمة في اول زيارة لملك سعودي الى الدوحة منذ 17 عاما شكلت دلالة من وجهة نظر عدد من المحللين على تجاوز البلدين لخلافات استمرت سنوات، ووصلت حد استدعاء الرياض سفيرها من الدوحة واغلاق مكتب قناة الجزيرة في الرياض منذ العام 2002، ومع ان امير قطر زار الممكلة ثلاث مرات الا ان المؤشر على طوي الصفحة نهائيا يكمن في عودة السفير السعودي واعادة فتح مكتب الجزيرة.
اما الموضوع الاخر المهم والمطروح بقوة فيتعلق بفك ارتباط العملات الخليجية بالدولار الاميركي الذي يؤجج ضعفه التضخم في هذه الدول ويقضم جزءا من عائداتها النفطية، فان أي قرار لم يتخذ بهذا الشأن، برغم ما له من مضاعفات مالية واقتصادية، وهو امر يعالج اساسا من منظور سياسي بسبب التأثير الاميركي القوي على هذه المجموعة النفطية. كما ان الخطوة الاخرى المقابلة وهي اطلاق العملة الخليجية الموحدة بقيت مجرد مشروع ورقي مع ابقاء موعد اطلاقها في العام 2010 لتبقى ايضا عملية اختيارية لمن يشاء من اعضاء المجلس وهو ما يفقدها قيمتها، برغم ان هناك فرصة كبيرة لتعبر هذه المجموعة الاقتصادية الضخمة عن حجمها عبر هكذا خطوة، تعطي معنى حقيقيا للسوق المشتركة التي تبقى ناقصة بدورها من دون اتحاد جمركي، الذي اجل تطبيقه مرتين منذ العام 2003 والموعد الأخير المضروب له هو نهاية العام 2007 الجاري.
عبد الحسين شبيب
الانتقاد/ العدد1244 ـ 7 كانون الاول/ ديسمبر2007