ارشيف من : 2005-2008
نور الولاية: في ذكر بعض درجات الإخلاص
فحيث وصل الكلام الى هنا فلا بدّ لي من ذكر بعض الدرجات الأخرى للإخلاص تناسب المقام.
فمن درجات الإخلاص تصفية العمل عن رؤية استحقاق الثواب والأجر وفي مقابله شوبه بطلب الأجر ورؤية استحقاق الأجرة والثواب، وهذا لا يخلو عن مرتبة من الإعجاب بالعمل، ولا بدّ للسالك من تخليص نفسه منه، وهذه الرؤية رؤية الاستحقاق فهي من نقصان المعرفة بحاله وبحق الخالق تعالى شأنه، وهذا أيضاً من الشجرة الخبيثة الشيطانية التي مرجعها رؤية النفس وعملها والأنيّة والأنانية. فالإنسان المسكين ما دام هو في حجاب رؤية أعمال نفسه ويراها من عند نفسه ويرى نفسه متصرفاً في الأمر فلا ينجو من هذا المرض ولا ينال هذه التصفية والتخليص. فالسالك لا بد له أن يجهد ويفهم القلب بالرياضات القلبية والسلوك العقلي والعرفاني، إن جميع الأعمال من الهبات الإلهية والنعم التي أجراها الحق تعالى على يد العبد، فإذا تمكن التوحيد الفعلي في قلب السالك فلا يرى العمل من عند نفسه ولا يطلب الثواب، بل يرى الثواب تفضلاً والنعم ابتدائية، وقد ذكرت هذه اللطيفة الإلهية كثيراً في كلمات الأئمة الأطهار عليهم السلام وخصوصاً الصحيفة السجادية، تلك الصحيفة النورانية التي نزلت من سماء عرفان العارف بالله والعقل النوراني سيد الساجدين لخلاص عباد الله من سجن الطبيعة وتفهيمهم أدب العبودية والقيام في خدمة الربوبية، كما في الدعاء الثاني والثلاثين يقول عليه السلام: "لك الحمد على ابتدائك بالنعم الجسام وإلهامك الشكر على الاحسان". وفي مصباح الشريعة يقول: "وأدنى حدّ الإخلاص بذل العبد طاقته ثم لا يجعل لعمله عند الله قدراً فيوجب به على ربه مكافأة لعمله".
والدرجة الأخرى للإخلاص تصفية العمل من الاستكثار والفرح به والاعتماد وتعلق الخاطر عليه. وهذا أيضاً من مهمات سلوك السالك، والاستكثار يمنع السالك من قافلة السالكين الى الله ويحبسه في سجن الطبيعة، وهذا أيضاً ينبت من الشجرة الخبيثة الشيطانية ومنشأه حب النفس الذي هو إرث من الشيطان الذي قال: "خلقتني من نار وخلقته من طين"، وهذا من جهل الانسان بمقامه ومقام معبوده جلّت عظمته. اذا كان المسكين الممكن يعرف مقام نقصه وعجزه وضعفه ومسكنته ويعرف مقام عظمة الحق ومجده وكماله فلا يرى عمله عظيماً أبداً ولا يحسب نفسه قائماً بالأمر.
(*) من كتاب الآداب المعنوية للصلاة للإمام الخميني (قده)
الانتقاد/ العدد1244 ـ 7 كانون الاول/ ديسمبر2007