ارشيف من : 2005-2008
المعارضة تشعر بـ«خسارة مباشرة».. وتضع فرضيتين «لا تراجع عن المطالب السياسية تحت وطأة جريمة الاغتيال»
الحاج، وخصوصا ان غبارها لم ينقشع بعد، ولكن الاكيد ان شعورا بالصدمة والوجع قد اصاب مختلف رموز المعارضة بالنظر الى ما كانت توليه من ثقة واحترام للشهيد الذي كان مرشحها لتولي قيادة الجيش بعد انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية.
ولئن كانت سمة المرحلة الماضية هي سقوط ضحايا ينتمون حصرا الى صفوف قوى 14آذار، إلا ان استشهاد الحاج كسر «الاحتكار» هذه المرة بعدما بدا ان المعارضة ـ وفي طليعتها العماد ميشال عون وحزب الله ـ هي التي خسرته وبكت عليه بالدرجة الاولى، وإن تكن قوى الموالاة لم تُخف أيضا تأثرها بما حصل واستتنكارها للجريمة.
ويبين التدقيق في سيرة العميد الشهيد انه كان من المقربين جدا الى العماد عون خلال توليه قيادة الجيش ورئاسةالحكومة العسكرية، وهو أدى خلال تلك المرحلة أدوارا ميدانية محورية تمتد من معركة القليعات الشهيرة في حرب الالغاء وصولا الى مواجهة «نهر البارد» الاخيرة وما بينهما.
وفي جانب آخر، نجح الحاج ـ المعروف بانه واجه الترغيب والترهيب من الاحتلال الاسرائيلي مع بدايته ـ في كسب ثقة حزب الله الذي امتحنه في محطات عدة عالية الحساسية، لتنشأ بينه وبين المقاومة علاقة من التنسيق الميداني والعملاني على امتداد سنوات طويلة، ما دفع الحزب الى تزكيته كمرشح الى قيادة الجيش.
وأمام الخصوصية التي يمثلها الشهيد ـ من حيث دوره في المؤسسة العسكرية وحماسته الشديدة لعقيدتها المعادية لاسرائيل ـ تراجع ضخ الاتهامات السياسية الجاهزة التي كانت تُوجه في العادة الى سوريا مباشرة، وأظهر القياديون الاساسيون في فريق الموالاة ميلا الى الحذر وعدم الاستعجال في تحميل المسؤوليات، بل ان النائب وليد جنبلاط انطلق من الحادثة ليصر «أكثر من أي وقت مضى» على ضرورة التوافق وإتمام التسوية الداخلية. لم يتأخر رئيس مجلس النواب نبيه بري في ملاقاة إيجابية جنبلاط التي جاءت لتحد من وتيرة القصف السياسي العنيف الذي تعرضت له عين التينة خلال الايام القليلة الماضية من مرابض بعض قوى الاكثرية.
وكان لافتا للانتباه في الرد الايجابي لبري قوله: انني باسم المعارضة أقول انها على أتم الاستعداد لتلقف أصوات عالية المسؤولية كصوت الاستاذ وليد جنبلاط ومتحاورين جدد أيضا.
وما استوقف بعض الاوساط السياسية داخل المعارضة في كلام بري تعبير «المتحاورين الجدد» الذي ينطوي، برأيها، على رسالة مبطنة الى النائب سعد الحريري مفادها ان رئيس مجلس النواب أصبح مقتنعا بعقم الحوار معه بعد تجربة مريرة، وان البديل متوفر في جنبلاط وغيره من رموز 14آذار إذا واصل رئيس «تيار المستقبل» سلوكه الآخذ في الايام الاخيرة بالانزلاق نحو السلبية.
ولئن كانت الموالاة قد سارعت الى الانطلاق من حدث قتل الحاج لممارسة الضغط المعنوي والاخلاقي على المعارضة من أجل دفعها في اتجاه القبول بانتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية والتراجع عن شروطها السياسية المسبقة، إلا ان مصادر متعددة في المعارضة أكدت انه ليس واردا لديها التخلي عن أي من المطالب المشروعة للعماد عون وحلفائه أو عن الضمانات الموثوقة والواضحة لحماية ما يمكن التفاهم عليه. وتشدد المصادر على رفض المعارضة إخضاع حقها في الشراكة الوطنية الى أي مساومة أو ابتزاز تحت وطأة جريمة اغتيال الحاج «الذي شكل قتله ضربة وخسارة للمعارضة بالدرجة الاولى، وبالتالي فان قوى 14 آذار تكون واهمة إذا إفترضت ان بامكانها توظيف الجريمة لاحراج المعارضة ودفعها الى تقديم تنازلات جوهرية تمس حقوقها الوطنية والسياسية، من دون ان يمنع ذلك ملاقاة أي خطوة إيجابية من الفريق الآخر بمثلها كما فعل الرئيس بري، حين تلقف الموقف الجيد للنائب جنبلاط ورد على التحية بأحسن منها». أما في مـــا خص دوافــع الجريمة وهويات منفذيها والمحرضين عليها، فان القراءات الاولية بشأنها تتعدد في صفوف المعارضة، وإن كان ممكنا حصر أهمها باثنتين:
ـ الاولى، ترجح فرضية وقوف «القاعدة» وراء عملية الاغتيال على خلفية الثأر من الجيش اللبناني وتصفية الحسابات معه بعد نجاحه في سحق تنظيم «فتح الاسلام» خلال حرب «نهر البارد». وما يعزز وجهة النظر هذه لدى أصحابها تداولهم بمعلومات عن تهديدات علنية وأخرى سرية تلقاها كبار الضباط في الجيش خلال وفي أعقاب المواجهة ضد «فتح الاسلام»، إضافة الى ان بعض موقوفي التنظيم أقروا في سياق اعترافاتهم بوجود نوايا لاستهداف قائد الجيش العماد ميشال سليمان ومدير المخابرات جورج خوري ومدير العمليات الحاج.
ـ الثانية، تعتبر ان عملية الاغتيال تتسم بكونها شديدة التعقيد والحرفية الى الحد الذي يدفع الى الاعتقاد بان الجهة التي تقف خلفها هي على جانب كبير من الاحتراف والخبرة، عدا عن انها تملك هامشا آمنا للتحرك واختراق العمق الامني للمؤسسة العسكرية في قلب بعبدا. ويدعو أصحاب هذه القراءة الى الأخذ بعين الاعتبار إمكانية ان تكون الجهة المنفذة قد وظفت التوقيت الذي أتى في اعقاب حرب «نهر البارد» لتحرف الانظار عنها في اتجاه «فتح الاسلام»، تماما كما ان الطرف المسؤول عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري قد اختار التوقيت السياسي الملائم الذي جعل أصابع الاتهام تتجه مباشرة نحو سوريا وليس نحوه.
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية