ارشيف من : 2005-2008

قائد الجيش، هل خنقه «محبـّوه» احتضاناً؟

قائد الجيش، هل خنقه «محبـّوه» احتضاناً؟

الانتخابية، مترنحة وعلى وشك التداعي. علماً أن التسوية المذكورة، كانت منذ البداية نتاج مزيج فريد من الأسباب الداخلية والخارجية. ولذلك قد يبدو ترنّحها الراهن، نتيجة للخليط نفسه من الأسباب، بين اللبناني والأجنبي.‏

غير أن ثمة فارقاً أساسياً يبدو ظاهراً بين آليتي ولادة الطرح قبل نحو عشرة أيام، وانكفائه في اليومين الماضيين. والفارق المذكور، يكمن في الملاحظة الدقيقة الآتية: فكرة المجيء، بالعماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية انطلقت في الخارج ووصلت سريعاً إلى الداخل. بينما الحاق الأذى بالفكرة نفسها بدا كأنه بدأ من الداخل اللبناني وينتقل تدريجاً نحو الخارج الدولي المعنيّ بالطرح.‏

وإذا كان قد بات معروفاً الشق الأول من الجدلية، أي ولادة اقتراح التسوية دولياً عشية أنابوليس وزيارة العاهل الأردني إلى دمشق، وما بينهما من لحظة تقاطع سوري ــ أميركي أدت إلى فكرة التسوية، فإن الشق الثاني هو الأكثر غموضاً، أي لماذ ترنحت التسوية؟ وما هي آفاقها؟‏

يسارع أحد السياسيين المطلعين إلى تحميل أشخاص من خارج حلقة قائد الجيش المسؤولية الكبرى عن الأذى الذي لحق بمشروعه رئيساً. كما إلى تحميل الموالاة مسؤولية إضافية، إلا إذا كان هدفها فعلاً إحراق العماد سليمان، ويجنّب السياسي نفسه المعارضة، لا محاباة أو ممالأة، بل تسليماً منه بالاتهام الموجه إليها من جانب أخصامها، بأنها صاحبة مصلحة مباشرة بالإجهاض، على خلفية امتلاكها مرشحاً ترى أنه أكثر ملاءمة للتسوية الدولية نفسها، وهو ميشال عون. وبالتالي، يقول السياسي المطلع، إذا سلّمنا جدلاً بأن المعارضة اتخذت موقفها المعروف بهدف العرقلة، فما الذي يفسر مواقف الأطراف الأخرى؟ ويشرح أن الإيعاز السعودي الأميركي الذي أُعطي للحريري وجنبلاط لرمي فكرة ترشيح قائد الجيش، كان واضحاً ومفصلاً بأنه إيعاز للوصول إلى تسوية. والتسوية تعني حكماً أن الشخص المختار سيكون وسطياً، وأن أجندة التوافق التي سيحملها ستكون تنازلية توفيقية. لكن، مع انطلاق الفكرة ارتكبت الموالاة من جهة، ومجموعة من الطامعين بتكرار نهج التبخير والاستزلام مع العماد سليمان، كمّاً غزيراً من الأخطاء.‏

فمن جهة فريق السلطة، ظهر أولاً هذا التعنت في رفض ملاقاة المعارضة وسط الطريق، وهو تعنّت تمثّل في عدم القبول بمبدأ الندّية في التعامل والتشدّد في عدم إعطاء المعارضة ما يفترض أن يمثّل ضمانات التسوية، ولم يلبث هذا الأداء أن تزاوج مع تهافت بعض الرموز السلطوية الأكثر فقاعة وصفاقة في المرحلة الماضية، الى المزايدة في الدفاع عن اقتراح سليمان رئيساً، وإلى المغالاة في اعتباره ممثلاً لطموحات فريق السلطة، والمبالغة في «احتضانه».‏

أمّا في المجال الوسطي القائم بين الموالين والمعارضين، فبرزت مجموعة أخرى ممن يصفهم السياسي نفسه «بذبابة العربة» وفق تعبير لا فونتين الشهير. إذ سارع هؤلاء إلى تصوير أنفسهم على أنهم عرّابو مشروع وصول قائد الجيش إلى رئاسة الجمهورية، لا بل إنهم آباء الطرح وأصحابه الشرعيون وورثته المسبّقون والحتميون، علماً أن بين هؤلاء من تُنسج حوله أكثر من علامة استفهام سياسية محلية ودولية، إضافة الى علامات الاستفهام الأخرى في نطاقات غير سياسية معروفة مجهولة، أو معلومة مكتومة.‏

وعن قصد أو غير قصد، لم يلبث هؤلاء أن بادروا همساً وعلناً، إلى رسم صورة العهد السليماني الجديد، وتحديد مواقعهم المضمونة فيه، وتوزيع المواقع الأساسية والمفصلية. حتى إن بعض السيناريوهات الخيالية بدأت تُنسج على نول وعودهم وحبورهم والإرهاصات. من نوع أن الرئيس الجديد سيتحول تدريجياً إلى مشروع أميركي غربي واضح ونهائي، وأن دعماً بمليارات الدولارات سيُعطى لاحقاً لبعض المؤسسات الأمنية والعسكرية، وأن سيناريو جاهزاً سينفّذ لاحقاً بتركيب مشهد مواجهة بين إسرائيل ولبنان، يسجل فيه العهد المقبل انتصاراً متفقاً عليه، ينطلق منه لإعلان انتهاء شرعية سلاح حزب الله وتطبيق القرارات الدولية، وفقاً لأجندة فريق السلطة الحالية.‏

ويتابع السياسي نفسه، أن هذه الأفكار العامة قد تكون موضع إجماع لبناني ما، غير أن طرحها في هذا الشكل، وخصوصاً من جانب هؤلاء الأشخاص وفي هذا التوقيت بالذات، ولّد نقزة خارجية عنوانها توجّس أحد أفرقاء التسوية. إذ ظهر نوع من الاستدراك السوري الواضح حيال المشروع، كما ولّد إعادة قراءة لدى الفريق الخارجي المقابل. إذ بدأ التساؤل السعودي والأميركي، من نوع، إذا كان المطلوب الذهاب إلى المواجهة التي تجنّباها اليوم، بطريق ملتوية، فلماذا دفع كل هذه الأثمان الباهظة الآن، التي ستجعل الصدام المستدرجين اليه، أكثر صعوبة، وبلا تكافؤ في الغد؟‏

عند هذا الحد تجمّد مشروع الحل، وسرعان ما ظهرت ترجماته الداخلية في مواقف تتناول التعديل وآليته والحكومة وصيغها، وسوى ذلك من الإجابات الجانبية عن السؤال الأساسي: هل هذه هي التسوية التي اتفقنا عليها؟‏

المصدر: صحيفة "الأخبار" اللبنانية‏

2007-12-11