ارشيف من : 2005-2008
باسم المظلومين والبؤساء
لا قدرة له على الوفاء بإيجار منزله،
باسم ذاك الذي لا يستطيع تحمّل تكلفة تعليم ابنه،
باسم ذاك الذي يلهث وراء العيش الكريم له ولعائلته،
باسم من غادر وطنه وبارح أهله وخلاّنه إلى أقاصي الأرض
سعياً وراء الرزق الحلال والعيش الكريم والأمل الضائع،
باسم المعذب في أرض لبنان، لغير ما ذنبٍ اقترفه،
باسم البائسين الأبرياء، نتوجّه إلى اللاعِبين على حلبة السياسة في لبنان بكلمة فنقول:
ارحموا هذا البلد، ارحموا هذا الشعب، ارحموا هذا الوطن. ارحموا الفقير الذي يشقى، فهو يسعى إلى الرزق الحلال فلا يجد فرصة للعمل الشريف، ويتطلّع إلى مَن يأخذ بيده فيجد من ينعمون بثروات خيالية وبينهم مَن هُم منشغلون بترفهم ورفاههم وترحالهم في أصقاع الدنيا.
ارحموا المواطن الذي بات يفتقد أبسط مقوّمات العيش الكريم، يفتقد الاستقرار الأمني والاجتماعي والسياسي، ويفتقد الأمل في غدٍ أفضل له ولعياله.
ارحموا ضحاياكم، أولئك الذين أوقعتموهم في أتون النزاعات الفئوية، فإذا بهم غارِقون في الدفاع المستميت عن حقوق، أو ما صوّرتم لهم أنّها حقوق، مذاهبهم وطوائفهم، وأوهمتموهم أنّ زعيم الجماعة هو الذائد عن تلك الحقوق وهو الكفيل بتحقيقها بما حباه الله من مواهِب خارِقة، منها ذرابة اللسان وحسن المناورة والانتِفاخ أمام ذَوي الحاجة من أتباعه والمتحلّقين من حوله، والمزايدة في التوأمة بين المصالح الفئوية المزعومة ومصير الوطن والأمّة.
ارحموا هذا الوطن الصغير الذي جعلتم منه ملعباً للكبار. ليس بين القوى الخارجية الفاعلة من لا يتدخّل في شؤون بلدنا الداخلية، حتى في تفاصيلها ودقائقها، وذلك بفضلكم أيها السـاسـة الكرام. نقول بفضلكم، والفضل في هذا السِـياق من الآثام في حقّ الوطن. فما كان للتدخّلات الخارجية هذا الدور الفاصل في حياتنا الوطنية لولا ولاءاتكم المشتّتة. معظمكم أيها الساسة يدين بالولاء لهذه القوة الخارجية أو تلك على الساحة الإقليمية أو الدولية.
المنطقة، كما هو واضح بجلاء، هي اليوم مسرح لصراع شديد، يُنذر أحياناً بالانفِجار بين محورين، حتى لا نقول بين معسكرين، هُما من جهة محور سوريا وإيران ومن جهة أخرى محور أميركا وإسرائيل. ومن سُوء طالعنا أننا في لبنان نقبع على خطّ التماس في هذا الصِدام نتلقّى الضربات يُمنة ويُسرة.
ولعل هذا الواقع المرير قائم ليس لأن البلد تحوّل على أيديكم، يا ساسة لبنان، ملعباً تديرون على ساحته أحابيلكم ومناوراتكم وألاعيبكم فحسب، بل ربما أيضاً لكون بلدنا يتمتّع بقيمة استراتيجية إقليمياً تتعدّى حجمه السكّاني أو امتداده الجغرافي. فهو في حجمه السكّاني ومساحته الجغرافية قد لا يتعدّى ما يوازي حيّاً في مديـنة كبيرة من مدن الغرب، ولكن قيمته الاستراتيجية تستقطب قوى العالم أجمع بفعل موقعه على بوابة المنطقة، كما بفعل انتشاره الاغترابي الواسع في شتى أصقاع الدنيا، وكذلك بفعل جهازه الإعلامي المتميّز الذي ينشط داخل لبنان وفي المنطقة جمعاء عبر وسائل الإعلام المكتوب كما المرئي والمسموع. وكان لمقاومة شعبه للعدوان دويّ هائل في أرجاء العالم.
أظهرنا نحن اللبنانيين، عند مفاصل متعدّدة، أننا نستطيع أن نقول «لا» للدولة العظمى إذا كان الأمر يتعارض مع مصالحنا الوطنية أو القومية. فاكتشفنا أن قوّتنا السلبية في الاعتراض تستطيع أن تعطّل أعظم قوّة في العالم. كان ذلك عند صدور القرار 1559 عام ,2004 ذلك القرار الذي صاغته الدولة العظمى أميركا بالتعاون والتنسيق مع فرنسا، والذي أدرج المقاومة في عداد الميليشيات التي نصّ على حلّها وتجريدها من السلاح. فقال لبنان «لا» وما زال على موقفه، حماية للمقاومة ما دامت هناك أرض لبنانية ترزح تحت الاحتلال وما دام هناك أسرى لبنانيون في المعتقلات الصهيونية وما دامت الدولة الصهيونية لا تنقطع عن شنّ اعتداءاتها شِبه اليومية في اختراق طيرانها الحربي الأجواء اللبنانية واختراق أسطولها المياه الإقليمية اللبنانية، ولا تتورّع بين الحِين والآخر عن شنّ هجمات على أرضنا.
كانت اعتداءات إسرائيل عبر الحدود اللبنانية الجنوبية متواصلة منذ عقود من الزمن، ثم كان الاجتياح الأول للجنوب اللبناني عام ,1978 وكانـت اعـتداءات ومجـازر لا تُحصى نفّذتها القوة العسكرية الصهيونية عبر السنين، وكانت الحرب الغاشمة التي شنّتها في صيف عام .2006 وكان التصدّي للعدوان عند كل هذه المحطات بالمقاومة الشعبية. وقد سجّلت انتصارات مبينة، كان منها خروج الإسرائيلي من لبنان، باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، عام 2000 من دون قيد أو شرط، وكان صمود أسطوري في حرب صيف عام 2006 فانتهت الحرب بعد 33 يوماً حيث بدأت، أي على تخوم القرى الحدودية، فلم تستطع القوات الصهيونية تسجيل أي تقدّم.
هكذا أضحى بلدنا الصغير ذا شأن كبير، أكبر من حجمه، في المنطقة. ولكن المواطن اللبناني بقي في حالٍ زريّة من البؤس والشقاء. إنه ضحيّة الصراعات السياسية، التي يعود السبب فيها لساسة لبنان وألاعِيبهم. وآخر الفصول هو ما نشهد اليوم من مأزق في مواجهة الاستحقاق الرئاسي. والمأزق هو وليد مناورات سياسية عَقيمَة لا ضوابط لها.
لبنان سجّل نمواً مرموقاً منذ الاستقلال، ولكن هذا النمو تحقّق بين الأزمة والأزمة، وما أكثر الأزمات الوطنية التي تعرّض لها بلدنا الصغير، واليوم يعيش أزمة المأزق الرئاسي بفعل أنانيات السياسيين وارتباطاتهم الخارجية. ولن يكون حلّ إلاّ بتحرير القرار السياسي، أي بلبننة الطبقة السياسية. فأين نحن من ذلك؟
الحوار كلمة لها سحرها. ولكن طرحها في ظرف لبنان الراهن، والوضع على عتبة انفراج بعد التوافق على مرشح معيّن لرئاسة الجمهورية، ينذِر بأن يجدّد ويمدّد حال التأزّم. فالاتّفاق على الجهات التي ستُشارك في الحوار، وعلى مواضيع الحوار، وعلى من سيرعى الحوار لن يكون بالأمر اليسير.
القضية لم تعد مجرّد أزمة سياسية، بل أضحت مأساة إنسانية ممضّة. فباسم المظلومين والبؤساء نناشد ساسة لبنان الكفّ عن العبث السياسي والانصِراف إلى إنقاذ الإنسان في هذا الوطن.
صحيفة السفير اللبنانية