ارشيف من : 2005-2008

حدث في مقالة: عقد ثلاث تحول دون وصول سليمان إلى سدة الرئاسة

حدث في مقالة: عقد ثلاث تحول دون وصول سليمان إلى سدة الرئاسة

كتب مصطفى الحاج علي

ما الذي يحول ـ حتى الآن ـ دون ترجمة التوافق المبدئي على اسم قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، إلى توافق عملي ـ دستوري يتم في مجلس النواب، لا سيما ان التوافق يحظى أيضاً بغطاء دولي وإقليمي؟
يمكن تقسيم العقد المطروحة التي تحول دون وصول العماد سليمان إلى سدة الرئاسة الأولى إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
النوع الأول وإن اتخذ صفة الدستورية، إلا أن خلفياته هي في العمق سياسية. فالاختلاف بين فريقي المعارضة والموالاة أن الأول يرفض حسم أي آلية دستورية تمر حكماً بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة لاعتبارات مبدئية تتمثل برفض المعارضة إعطاء هذه الحكومة شرعية بمفعول رجعي، وهي المطعون أصلاً بشرعيتها وميثاقيتها. والأمر الذي اذا ما تمّ سيعني منح موافقة بمفعول رجعي على أكثر من ثلاثة آلاف قرار اتخذته هذه الحكومة المفتقدة للشرعية. إضافة إلى أن أي تعويم لاحق لشرعيتها سيشكل عامل تشجيع لأي حكومة لاحقة للقيام بما قامت  به هذه الحكومة من ضرب بعرض الحائط الدستور والمواثيق وأصول النظام السياسي اللبناني التوافقي.
ثم ان المسألة تتعدى ذلك إلى ضرورة القيام بمراجعة شراكية لكل سياسات هذه الحكومة، بما يعيد تصويب سياستها وفق مبادئ الشراكة لا الاستفراد والاستئثار والتسلط، والخضوع لمقتضيات المصالح الفئوية والمصالح الاميركية.
أضف إلى ذلك أن العماد سليمان نفسه يرفض أي آلية دستورية يمكن أن تكون قابلة للطعن فيها ولو بعد سنوات، ويصرّ على أن يأتي محمولاً على أكف الإجماع الوطني وبمشاركة كل الكتل النيابية من دون استثناء.
من هنا يبدو واضحاً أن اصرار فريق الموالاة على جعل حكومة السنيورة ممراً إلزامياً لأي آلية دستورية، إضافة إلى تلميحات السنيورة بأنه سيعمل على ممارسة صلاحيات حكومته مضافاً اليها صلاحيات رئاسة الجمهورية، هي بمثابة اصرار على تثبيت منهج سياسي خاطئ بدلاً من الحرص على اصلاحه، كما تشكل حرصاً على وضع العراقيل أمام وصول سليمان إلى رئاسة الجمهورية.
أما النوع الثاني فهو من النوع السياسي الخالص، فمن جهة تصر المعارضة على أن يكون التوافق على اسم الرئيس من ضمن التوافق على سلة تفاهم وطنية وسياسية تشمل معظم العناوين الرئيسية للمرحلة المقبلة: رئيس الحكومة وتركيبة الحكومة وتوزيع الحصص فيها، لا سيما توزيع الوزارات السيادية، البيان الوزاري للحكومة وبرنامجها السياسي، الموقف من المقاومة، الموقف من العلاقات اللبنانية ـ السورية، وأخيراً الموقف وكيفية التعامل مع القرارات الدولية، والنظرة إلى الأجهزة الأمنية والتعيينات فيها. ووجهة نظر المعارضة هنا تقول انه لا بد من تفاهم مسبق على مجمل هذه العناوين بما يضمن هذه المرة الالتزام بها، لأن المطلوب توفير انطلاقة سياسية قوية للعهد الجديد لا نصب الأفخاخ في طريقه وإبقاء أبواب الأزمات مشرعة، حتى إذا ما انتخب رئيس جديد يعود كل طرف إلى مواقعه السابقة.. ليس المطلوب مجرد عملية انتخابية لملء الفراغ في كرسي الرئاسة الأولى، بل لا بد من وضع أسس وركائز سياسية شاملة توفر انطلاقة واندفاعة تحيي الآمال لدى الناس، بدلاً من أن ترد بهم في مهاوي الخيبة مجدداً.
من جهته يصرّ فريق الموالاة على قصر عملية التفاهم على اسم موقع رئاسة الجمهورية، من دون أن تشمل عناوين أخرى كاسم رئيس الحكومة، حيث يريد الإتيان بالنائب سعد الحريري أو من يسميه إلى هذا الموقع. وكذلك الأمر نفسه في ما يتعلق بعناوين الأزمة الأخرى.
والبارز هنا هو محاولات هذا الفريق التلاعب بموضوع تركيبة الحكومة، لكي لا يصطدم بمسيحيي الموالاة، انطلاقاً من ادراك هذا الفريق ان الموافقة على التوزيع النسبي للحصص سيكون لمصلحة الرئيس عون وفريقه المسيحي على حساب مسيحيي السلطة، الأمر الذي يفتح باب أزمة داخلية كبيرة في صفوف فريق 14 شباط من شأنها أن تعمق تصدعاته.
أما النوع الثالث فيتصل بالأسباب الخارجية الموجبة للتوافق الداخلي، حيث يظهر حتى الآن أن التوافق الدولي ـ الاقليمي لم يتجاوز اسم الرئيس ميشال سليمان وبعض العناوين المهمة الأخرى، التفاهم على سلة شروط كاملة، إخضاع توزيع الحصص في تركيبة الحكومة لمبدأ نسبية توزيع الكتل النيابية في مجلس النواب.
إلا أن هذا التوافق الدولي ـ الاقليمي يصطدم كما هو معروف بالعقد الداخلية من جهة، ومن جهة أخرى تبدو اندفاعة هذا التوافق الداخلية، بمعنى ممارستها الحد الأقصى من الضغوط لفرض التوافق الداخلي، ما زالت بدورها تخضع لاعتبارات لها علاقة بما يحدث في المنطقة من تحركات وتطورات واتصالات، بحيث يتريث كل طرف في إيصال الأمور إلى النهاية بانتظار تلمس معالم عينية وملموسة إلى أين ستبلغ وجهة هذه الأمور، وما هي الرهانات الحقيقية والمضمرة، لا الاكتفاء فقط بما تشير اليه المعطيات الظاهرية، التي من شدة ايجابيتها توحي بالشك والريبة.
بكلمة أخرى ثمة تدشين لبدايات آفاق مرحلة جديدة في الإطار الاقليمي، وبالاستناد إلى بؤر  الأزمات والتأثير الأساسية في المنطقة: الصراع العربي ـ الاسرائيلي والعراق والملف النووي الايراني، الأمر الذي ما زال يحتاج إلى مزيد من الوقت لتبين آفاقه.
في مطلق الأحوال من الواضح أن العقد الآنفة ما زالت تحول حتى الآن دون تعبيد الطريق على نحو كامل لقائد الجيش نحو القصر الجمهوري، الأمر الذي أعاد نوعاً من التسخين الهادئ والمضبوط للسجال السياسي بين الموالاة والمعارضة، حيث أخذت الأولى توحي بالعودة إلى خياراتها التي سبق أن تراجعت عنها في سياق عمل تهويلي واضح، إلا إذا كان المطلوب فعلاً هو إعادة فتح الطريق واسعاً نحو الفراغ، وبالتالي لم يكن طرح الموالاة لاسم قائد الجيش الا للمناورة والحرق وفي سياق ضرب مؤسسة الجيش، لا سيما إذا صحت معلومات أميركية تحدثت عن مؤامرة لضرب الجيش بدءاً من الرابع والعشرين من الشهر الفائت. ولعل في هذا السياق تأتي عملية اغتيال مدير غرفة العمليات العميد فرنسوا الحاج الذي أريد من اغتياله ارسال وإنجاز أكثر من هدف في الوقت نفسه.
الانتقاد/ العدد1245 ـ 14 كانون الاول/ ديسمبر 2007

2007-12-14