ارشيف من : 2005-2008
اغتيال الحاج تزامن مع انكشاف "مناورة" فريق السلطة والحريري صعّد ضد بري بتعليمة من الرياض!
بعد مرور أسبوعين على "تبني" فريق السلطة ترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية والموافقة على تعديل الدستور لمصلحة وصوله إلى سدة الرئاسة الأولى، سقط القناع وظهرت "المناورة" على حقيقتها، ومعها تبدلت جميع الأجواء الإيجابية والتفاؤلية التي كانت سائدة خلال الأيام الماضية وتحولت إلى توتر وتصعيد قاده رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري مصوباً مباشرة على رئيس مجلس النواب نبيه بري، برغم أن الأخير كان أنجز مع الأول عبر اللقاء الثلاثي في عين التينة بحضور وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير ثم في مجلس النواب يوم الجمعة الماضي، "مسودة خارطة طريق" لما بعد الاستحقاق الرئاسي، وخصوصاً بشأن ملف الحكومة وبيانها الوزاري والتعديلات الدستورية التي يمكن إنجازها سريعاً عبر مجلس النواب. وجاءت جريمة اغتيال مدير العمليات في الجيش اللبناني العميد الركن فرنسوا الحاج في بعبدا لتزيد المشهد السياسي تعقيداً وتعيد أجواء عدم الاستقرار بعدما استهدفت يد الإجرام هذه المرة المؤسسة العسكرية التي تشكل صمام أمان في حماية الثوابت الوطنية، وتودي بأحد أبرز أعمدة القيادة العسكرية الذي كان مرشحاً لتولي قيادة الجيش في حال وصول العماد ميشال سليمان إلى سدة رئاسة الجمهورية.
سياسياً تتساءل المصادر المتابعة: ما الذي تغير وتبدل بين يوم الجمعة ويوم الاثنين الماضيين حتى انقلب النائب سعد الحريري على التفاهمات الأولية التي جرى التوصل اليها تمهيداً لإتمام الاستحقاق الرئاسي؟ ولماذا صعّد ومعه بعض أركان فريق السلطة بوجه الرئيس نبيه بري تحديداً؟ المصادر المتابعة تشير إلى أن الذي جرى أن النائب سعد الحريري غادر في أعقاب تأجيل جلسة الجمعة الى السعودية ومكث في الرياض ثلاثة أيام واجتمع خلالها مع عدد من المسؤولين السعوديين، ومن بينهم من هو محسوب على جناح بندر بن سلطان، فعاد سعد الحريري الاثنين وكان تصريحه الناري في اليوم ذاته ضد رئيس مجلس النواب نبيه بري متهماً إياه من دون أن يسميه بمحاولة تعطيل الدستور والانقلاب على المؤسسات، فما عدا مما بدا ولماذا هذا التهجم؟ المصادر المتابعة تؤكد أن الحريري تلقى تعليمات من السعودية بالتصعيد وخربطة التوافق الذي كان سائراً نحو نهايته الايجابية، وتشير إلى أن مرد ذلك أن السعودية وجدت أن تحقيق الانفراج في لبنان سيقود لاحقاً بشكل حتمي إلى تحسن في العلاقات بين لبنان وسوريا، خصوصاً أن الأخيرة تجاوبت مع المبادرات الدولية الهادفة إلى تحقيق التسوية في لبنان، وتم ذلك عن طريق الأردن وليس السعودية، والرياض لا تريد أن تستفيد دمشق من هذا الحل في الوقت الذي لا تزال العلاقات متوترة بين الطرفين، وخصوصاً أن السعودية باتت تخشى على مصالحها في لبنان من حل كهذا، لأن عدم حسم تولي النائب سعد الحريري رئاسة الحكومة الجديدة في العهد الجديد كان سيشكل ضربة للمصالح السعودية التي ترفض أن يتولى غيره رئاسة الحكومة، وترى أن تولي شخصية سنية أخرى وإن كانت محسوبة على فريق السلطة سيفتح آفاقاً جديدة في العلاقات اللبنانية السورية في المرحلة المقبلة، وهي المرحلة المفتوحة على جميع أنواع التسويات الإقليمية، وهذا الدور لا يمكن أن يتولاه الحريري بسبب مواقفه العدائية ضد سوريا على خلفية ملف المحكمة وعدم قدرته بالتالي على التخلي عن هذا التوجه في المرحلة المقبلة.
وعليه فإن القيادة السعودية لا تريد أن يتعزز الدور السوري في لبنان من خلال تجاوبها مع المبادرات الدولية، والذي ترى أنه سيكون على حساب مصالحها. وهي لذلك دفعت الحريري إلى قلب الطاولة واعتماد خطاب التوتير والخربطة على الحل.
ولتحقيق هذه الغاية فإن عدة الشغل التي يتبعها فريق السلطة في عرقلة الحل مجدداً تستند إلى عدة وسائل، منها:
أولاً: تركيز الهجوم على رئيس مجلس النواب نبيه بري واتهامه بخرق الدستور برغم أن قيادات فريق الرابع عشر من شباط كانت تكيل له المديح وبأنه مرجعية وطنية قبل أيام فقط. وفي سياق هذه الحملة جاء موقف مسيحيي السلطة الذين اجتمعوا الأربعاء في مقر حزب الكتائب، حيث اعتبر البيان الذي تلاه الرئيس أمين الجميل أن دعوات الرئيس بري المتكررة الى جلسات انتخاب الرئيس هي دعوات شكلية.
ثانياً: اعادة طرح معزوفة امكانية اللجوء إلى انتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية برغم معرفة فريق السلطة أنه أعجز من اللجوء إلى هذه المغامرة مجدداً.. وصدرت في هذا السياق مواقف عن نواب كتلتي المستقبل واللقاء الديمقراطي وبعض نواب مسيحيي السلطة.
ثالثاً: رفض تعديل الدستور من خلال مجلس النواب الذي هو المؤسسة الوحيدة المتبقية دون مصادرة صلاحيتها من خلال الإصرار على تمرير التعديلات الدستورية عبر الحكومة اللادستورية ورفض استقالتها حتى لو بقي من عمرها "نصف ساعة"، وهو ما يبين نية خبيثة لجهة محاولة الاستفادة من عودة الوزراء فيما لو حصل ذلك في إضفاء شرعية على القرارات السابقة لهذه الحكومة البتراء، وهو أمر ترفضه المعارضة وتؤكد أنها بعدما حجبت ثقتها الدستورية والميثاقية عن هذه الحكومة أكثر من عام لن تعطيها إياها في الربع الساعة الأخير.
رابعاً: محاولة فريق السلطة الإيحاء لقائد الجيش بأن المعارضة هي التي تخلت عنه ولم تسهل التعديلات الدستورية لوصوله إلى رئاسة الجمهورية، فيما الحقيقة أن فريق السلطة كان يهدف أساساً إلى محاولة دق اسفين بين قيادة المعارضة والجيش، وهي محاولة باءت بالفشل لأن المعارضة كانت السابقة في ترشيحه، إنما ما كانت تعمل على تحقيقه هو تأمين شراكة وطنية حقيقية خلال العهد الجديد، تنهي عهد الاستئثار والتفرد الذي ميّز سياسة فريق السلطة خلال السنتين الماضيتين. وهي، أي المعارضة، كانت تدرك أن فريق السلطة كان يعتزم محاصرة سليمان في قصر بعبدا كما فعل مع الرئيس السابق العماد إميل لحود فيما لو جرى انتخابه من دون الحصول على ضمانات بشأن تحقيق الشراكة، وهي لذلك أصرّت على وضع خارطة طريق للعهد الجديد، وهو ما كان وافق عليه النائب سعد الحريري خلال لقاءاته مع الرئيس بري، لكنه عاد وانقلب على هذه التفاهمات كما كان يفعل في السابق مع التفاهمات التي كان يوافق عليها ثم يتراجع عنها بعد أيام، وبذلك صحّ به قول رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون، بأننا أمام شخصيات لا تتحمل مسؤولية موقف ولا يمكن الركون لها دون الحصول على ضمانات. وهذا الأمر أيضاً دفع أوساط الرئيس نبيه بري إلى القول اننا بتنا بحاجة إلى كاتب عدل لتدوين محاضر اللقاءات التي تجري مع النائب سعد الحريري، وذلك في معرض اشارتها إلى تراجعه ونكوثه بما قبل به خلال هذه اللقاءات مع الرئيس نبيه بري، الذي كان ينتظر عودة الحريري من السعودية لإكمال ما أُنجز، وإذ به يفاجأ به يطلق النار عليه.
على أي حال فإن جميع المعطيات الحاصلة تشير إلى أن الأمور باتت معقدة، وأن التأجيل الثامن لجلسة انتخاب الرئيس إلى الاثنين المقبل مرشحة لتأجيل جديد. وعليه من المستبعد حصول حلول قبل نهاية العام الحالي، وإذا لم يجرِ التوافق قبل نهاية الشهر فالأمور بحكم التأجيل إلى ما بعد منتصف آذار المقبل، لأن الدورة العادية لمجلس النواب التي يمكنه خلالها القيام بالتشريع وبالتالي تعديل الدستور، تنتهي نهاية العام الجاري وتبدأ في العام الجديد في أول ثلاثاء يلي الخامس عشر من آذار المقبل. وإذا كان من المسلّم به لدى المعارضة عدم الاعتراف بشرعية ودستورية حكومة السنيورة، فإن امكانية فتح دورة استثنائية تصبح أيضاً غير متوافرة، وعليه يجب الانتظار حتى الدورة العادية المقبلة لتعديل الدستور لمصلحة العماد ميشال سليمان، هذا إذا لم تحصل مفاجآت سياسية قبل نهاية العام الحالي.
هلال السلمان
الانتقاد/ العدد1245 ـ 14 كانون الاول/ ديسمبر 2007