ارشيف من : 2005-2008

الموالاة تصدعت وتعيد تنظيم صفوفها لممارسة صلاحيات الرئيس

الموالاة تصدعت وتعيد تنظيم صفوفها لممارسة صلاحيات الرئيس

قرر فريق الموالاة الانتقال الى مرحلة ادارة الفراغ واستخدام صلاحيات رئيس الجمهورية للاستمرار في القبض على السلطة، بعدما أدت مناورة تبني قائد الجيش كمرشح توافقي للرئاسة غرضها في اظهار المعارضة معرقلا لإجراء الانتخابات الرئاسية، وتحميلها نتائج التعطيل.
وحاولت الموالاة ان تبدو متعاونة في انتاج الحل السياسي أمام وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير وفي اللقاءات التي جرت قبل إلغاء الجلسة الثامنة للانتخاب بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب سعد الحريري، وهي تفاهمات دفعت بالرئيس بري الى رفع منسوب التفاؤل واعتبار ان ما تحقق يلبي بعض مطالب المعارضة ويُشكل تنازلاً غير كامل لفريق السلطة بما يسمح بتأسيس مرحلة جديدة من التعايش بين المعارضة والموالاة في ظل الرئيس ميشال سليمان.
كان يفترض ان يمر التعديل الدستوري في الجلسة السابعة بعد اكتمال الاتفاق على سلة المعارضة، إلا ان انهيار التفاهمات على خلفية الطريق التي سيسلكها التعديل الدستوري فَجّر الخلافات القديمة، وزاد من عمر الفراغ في الرئاسة الأولى. وتمحورت هذه الخلافات حول مجموعة من العناوين السياسية أبرزها:
1 ـ آلية التعديل الدستوري
 تبنى فريق السلطة الرأي القانوني الذي يُلزم مجلس نواب برفع اقتراح النواب العشرة بالتعديل الى الحكومة التي تقوم بدورها بإرساله بصيغة مرسوم الى البرلمان لإقراره، فيما رأى الرئيس نبيه بري ان المجلس سيد نفسه ويمكنه القيام بالتعديل من دون المرور بالحكومة، خصوصاً أن هذه الحكومة مطعون بشرعيتها ودستوريتها منذ أكثر من سنة.
وفي محاولة لتقريب وجهات النظر وفتح مخارج سياسية اقترح الرئيس بري استقالة الحكومة قبل ساعة من جلسة التعديل البرلمانية، وفي هذه الساعة يتساوى جميع الوزراء في الاستقالة، وتقوم هذه الحكومة مجتمعة وبعد تحفظ الوزراء الشيعة على قراراتها التي صدرت في غيابهم، برفع مرسوم التعديل الى البرلمان لإقراره.
إن تعنت فريق الموالاة ورفضه استقالة الحكومة وتمسكه بمرور التعديل عبرها مع علمه بأنها ستكون بحكم المستقيلة بعد انجاز الانتخابات الرئاسية فوراً، هو ما رأت  فيه المعارضة جزءا من المناورة.
وبحسب المعلومات المتداولة بين السياسيين فإن النائب سعد الحريري الذي لحس كلامه في التفاهمات مع الرئيس بري حول التعديل والحكومة وقانون الانتخاب، رأى في أي اعتراض للوزراء الشيعة على قرارات الحكومة سواء كانت مستقيلة أو غير مستقيلة، يستهدف المحكمة الدولية، لذلك هو يرفض رفضاً قاطعاً "تدوين الاعتراضات"، ويتمسك بمرور التعديل في الحكومة بصيغتها الحالية.
هذا الكلام وصفه بري بالغبار الذي تطلقه حكومة غير دستورية تريد ان تفرض رأيها على المجلس النيابي.
2 ـ رئاسة الحكومة
بحسب تفاهم باريس بين رئيس التيار الوطني الحر الجنرال ميشال عون والنائب سعد الحريري، يتخلى الأول عن رئاسة الجمهورية مقابل ان يتخلى الثاني عن رئاسة الحكومة. ولكن يبدو ان الموالاة تريد من المعارضة ان تتخلى عن عون كمرشح طبيعي للرئاسة والقبول بسعد الحريري رئيساً للحكومة.
تتهم الموالاة العماد عون بأنه يريد تسمية رئيس الحكومة قبل الاستشارات النيابية التي يفترض ان يقوم بها رئيس الجمهورية، فيما تسعى هي الى انتزاع موافقة مسبقة من المعارضة على سعد الحريري رئيساً للحكومة.
وحول هذا الموضوع تقف المعارضة خلف الجنرال عون لجهة اختيار رئيس الحكومة من خارج كتلة الحريري وتياره.
3 ـ توزيع الحقائب الوزارية
جرى التفاهم بين الرئيس بري والنائب سعد الحريري على القبول بصيغة الجنرال عون بتشكيل حكومة يُراعى فيها التمثيل البرلماني للقوى السياسية، أي 45% للمعارضة مقابل 55% للموالاة. إلا النائب سعد الحريري يتمسك بتشكيل حكومة برلمانية في محاولة لمنع وصول وزراء أمثال الوزير السابق سليمان فرنجية والوزير السابق ميشال سماحة وغيرهما من الأسماء الكثيرة التي تستفز الموالاة.
 عقدة التوزير الثانية تمثلت في التفاهم حول "الثلث المعطل"، فإن فريق الموالاة رفض إعطاء الثلث المُعطل لرئيس الجمهورية ميشال سليمان، وأصر على ان تُحسم حصة سليمان في الحكومة من نسبة المعارضة الوطنية.
4 ـ قيادة الجيش والمواقع الأمنية
طرح الجنرال ميشال عون اسم الشهيد العميد فرنسوا الحاج مدير العمليات في الجيش اللبناني مرشحا لتولي قيادة الجيش بعد العماد ميشال سليمان، حدث ذلك قبل اغتيال العميد فرنسوا الحاج، وخلال لقاء باريس بينه وبين الحريري، فاعترض الأخير على فرنسوا ثم عاد فوافق على مضض.
وحاولت قوى الموالاة زرع فتنة بين التيار الوطني وحزب الله عندما سربت معلومات لا أساس لها من الصحة على وسائل الاعلام، عن رفض حزب الله التنازل للجنرال عون عن منصب مديرية الأمن العام.
وكان الرئيس بري توصل الى تفاهم مع الحريري على اعتماد صيغة ما بعد الطائف في توزيع الحقائب الوزارية والمناصب الإدارية الأساسية لكونها ناتجة عن توافق بين الزعامات وبما يرضي الطوائف، إلا ان اصرار فريق السلطة على الاحتفاظ بالمكاسب الادارية ترك هذه العقدة من دون حل. كما اقترح الرئيس بري نقل العبارات والمفردات الخاصة بالمقاومة من البيان الوزاري الأخير الى البيان الوزاري لأول حكومة في عهد ميشال سليمان، بما يضمن عدم مس عقيدة الجيش اللبناني الوطني وصيانته من المحاولات الأميركية لإنتاج جيش لبناني معادٍ للمقاومة ومناهض لسوريا.
5 ـ قانون الانتخاب
 جرى التفاهم على القضاء كدائرة انتخابية على ان يُنجز القانون في مهلة أقصاها شهر آذار المقبل، والشروع فوراً بالإجراءات الادارية الكفيلة بإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المقبل. وفي الوقت الذي أعطى فيه سعد الحريري التزاماً للرئيس بري بالقضاء دائرة انتخابية، طلب مهلة زمنية لإقناع بعض حلفائه، لأن القضاء سيهدد مواقع العديد من القوى السياسية المنضوية في تحالف السلطة لمصلحة زعامات وقيادات ظلمها قانون العام ألفين.. وهذا يعني ان التزام الحريري ليس كاملاً.
6 ـ التوافق السياسي
هذا هو بيت القصيد، فقد أعلنت الموالاة رفضها التوافق السياسي مقدمةً لا بد منها لتمكين العماد ميشال السليمان من الحكم بعد وصوله الى قصر بعبدا.
إن غالبية عناوين الخلاف سواء كانت دستورية أو سياسية يمكن تجاوزها اذا قررت الموالاة فعلاً وقولاً الدخول في التسوية السياسية، ولكن يبدو انها طرحت اسم ميشال سليمان مرشحا توافقيا على سبيل المناورة، فهي من خلال مواقفها المعلنة تسعى لمحاصرة الرئيس في قصره ومنعه من ممارسة دوره، كما فعلت مع الرئيس إميل لحود.
ويبدو ان المناورة تسببت في تصدعات داخل فريق الموالاة كادت تطيح بتجمع 14 شباط لولا عودة سعد الحريري عن تفاهماته في اللحظة الأخيرة والانطلاق نحو إعادة تنظيم الصفوف وفق مجموعة من الأولويات:
أولاً: التمسك بشرعية الحكومة حتى آخر دقيقة من عمرها.
ثايناً: الاستفادة من الدعم الدولي الكبير لحكومة السنيورة تحديداً (بيان مجلس الأمن الأخير).
ثالثاً: التلويح بالتراجع عن ترشيح قائد الجيش ميشال سليمان للرئاسة، مقابل العودة الى خيار بطرس حرب او نسيب لحود.
رابعاً: التلويح بالعودة الى خيار النصف زائداً واحداً، حتى من دون موافقة بري، ورفع منسوب التهديدات باللجوء الى خيارات قاسية.
رابعاً: ترميم حكومة السنيورة بقبول استقالة الوزراء وتسمية بدلاء عنهم، وتعيين وزير مكان الراحل بيار جميل، لتمكينها من ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية.
خامساً: ممارسة ضغط سياسي على الرئيس نبيه بري من خلال دفع النائب فريد مكاري للحلول مكانه في الدعوة الى جلسة الانتخاب بالنصف زائداً واحداً.
في المقابل تبدو المعارضة أكثر تماسكاً وتصر على سلة التوافق السياسي مقدمةً للانتخابات الرئاسية وللحكم في المرحلة المقبلة. وإذا نضج التوافق قبل نهاية العام الحالي فإن العماد ميشال سليمان سيكون في مطلع العام الجديد في بعبدا، وإلا فعلى الفراغ ان ينتظر الدورة العادية للبرلمان في آذار 2008.
قاسم متيرك
الانتقاد/ العدد1245 ـ 14 كانون الاول/ ديسمبر 2007

2007-12-14