ارشيف من : 2005-2008

"أيام لا تنسى" لسعدى شحادة يزبك: هوية انتماء وولاء

"أيام لا تنسى" لسعدى شحادة يزبك: هوية انتماء وولاء

تعلن سعدى شحادة يزبك، الآتية إلى الكتابة، من جرود قرية نحلة، انتماءها، "أيام لا تنسى"، هو ولاؤها للدم المقاوم، وهو وحده كافٍ ليزلزل أعماقها، فيدفعها إلى امتشاق قلمها، بعد أن برت سنانه على شفرة الحب، لهذا الدم، فأرّخت لأيام لا تنسى، انتصاراً ومواجهة نضت عنها بردة الخوف والتردد اللذين يلازمان كل بدايات صعبة وخاصةً في الكتابة، هي دخلت عمق المعركة عزلاء إلا من حماستها وحبها وحرارة انتمائها، وتركت لسواها، متعة "الفُرجة"، لتقف مع المقاومة في أي مكانٍ يدعمها، بسلاحٍ لائقٍ بمثيلاتها، بندقية، لا تطلق للخلف، بل إلى الأمام، إلى صدور الغزاة، دفاعاً عن معاقل الأباة.. فجادت من الموجود من "حواضر البيت"، بصدقٍ وعفوية. هذه هي سعدى، الانسانة التي اخترقت محظورات الكتابة، فجاء كتابها، شجاعاً، يتحدّى بما ملكت صفحاته، إرادة العدو، فخطابات السيد (قاهر العدوانات كلها) والاقتصادية لعدوان تموز احتلت فيه مساحة وافية، كما لم تنس سعدى عرض تفاصيل يوميات العدوان مع تفاصيل استخدام الترسانة العسكرية الاسرائيلية فراغية.. طائرات استطلاع، منذ لحظته الأولى في 12 تموز 2006 حتى لحظة الانتصار الساعة الثامنة صباحاً من 14 آب 2007 ولم تغفل النتائج الداخلية والخارجية لهذه الحرب في الداخل الاسرائيلي، ولجنة تحقيق فينوغراد، كل هذه المعلومات وسواها من تفاصيل الأحداث استقتها من المواقع الموجودة على "الانترنت" ومن الصحف الصادرة في حينها، وقد وثّقت هذه الوثائق في مسرد المصادر، تلازماً مع مسار الأمانة التاريخية للحدث العظيم، لأبطاله وشهدائه وضحايا مجازره.‏

إذاً، لا تدّعي سعدى في كتابها إبداعاً أدبياً، انه شهادة حيّة نابضة لحدثٍ هزّ الضمير الانساني لدى من يمتلكه، ووثيقة صادقة، أيقظت الوعي الكامن في نفس من يبحث عنه. كل هذا الإنجاز "المقاوم" على طريقته لسيدةٍ من بلادي، رفضت البقاء واقفة على التلة، في حيادٍ بغيضٍ، وقد استعملت لذلك التكنولوجيا الحديثة التي استعملتها اسرائيل وسيلة لدمار الجيران، "شركاء الماء والكلأ"، ورأتها سعدى وسيلة انتشارٍ حضاري لمقاومةٍ انسانيةٍ راقية، عبر كتاب يصون الحدث بين دفتيه ويقدمه للآتين، حياً، ساخناً كما حدث.‏

هي البطولة، قادت خُطى قلم سعدى إلى جمع ما جمعت بصدقٍ لا ادعاء فيه، عن حدث يستحق كل جهدها الحثيث، الذي نجح في إخراجه إلى العلن.. وهنا، ولأن مصادره واضحة.. ولونه التوثيقي جلي، لا مجال للحديث النقدي إذاً، عن قيمة النص أو منحاه الإبداعي بل يفتح الباب واسعاً للحديث، عن ذلك الشعور الانساني الفطري للحاجة النفسية إلى الارتباط "بأشرف الناس" والانتماء إلى بطولاتهم، هي حاجة عامة لوجه البطل، والمشاركة في صنع أصداء بطولته الفذة، ولو بعزف صرير القلم.. وهذا ما أرادته الكاتبة، التي لم يمنعها تعدد اهتماماتها كأم لأسرةٍ (شيعية الهوى والعدد والمقاومة) من تعلم ـ ولو متأخرة ـ الطباعة على الحاسوب والسهر الطويل حتى فجر اصدار كتابها.‏

تحيةً لسعدى يزبك تتحدى جملة ممنوعات قلّما تستطيع الكثيرات في مثل ظروفها تحديها.. تحيةً لسيدة من بلادي أعلنت بكل فخرٍ انتماءها المقاوم عبر كتاب أرادته تحية حب لمقاومة العصر.. فبذلت من أجله سهر عينيها.. فجاء غالياً.. وأخذ من قلبها ما يشبه "زهوة الوليد البكر" الآتي ليتحول خريف العمر إلى ربيع العطاء.‏

ولأن مقتضى الاحترام، لجرأتها في اقتحام سوح الكتابة، ولو بعد حين، بجرأة المقاومين وحرارة ايمانهم، أترك لسعدى هذه الهمسة، وأنا أعلم تماماً أن المجيء إلى الكتابة من مكان بعيد وزمانٍ أكثر بعداً.. صعب وشاق ولكنه بدا معها، في نهاية المطاف وصولا متوّجا بغلات المواسم.‏

ليس بالحب وحده تكتب الكتب، وخاصة في موضوع هامٍ كموضوع كتابك.. ولا من الحماسة الصادقة وحدها يستورد الحبر، فلا يكفي عرض الأحداث.. إن تحليلها يقدم للقارئ حرارة شعورك عندما كنت تكتبين والمنهجية العلمية لبحثٍ مماثل يفترض أن تفرض ملامحها عليه.‏

فالقارئ يحتاج أن يعرف مصادر الأحكام الاقتصادية والعسكرية.. في أماكن ورودها (صفحاتها) في الكتاب. حيث أساء الغياب الكلي للهوامش والمتن في الكتاب إلى منهجيته، فبدت المعلومات جاهزة عن مواقع الانترنت. وقد غابت عنها روح كاتبتها ما خلا بعض الانفعال أمام تفاصيل المجازر والمواجهات البطولية لرجال المقاومة.. فضلاً عن امكانية الاستغناء عن أحد العنوانين إما فاتحة الكتاب أو مقدمة الكاتب نفسه.‏

ولاء حمود‏

الانتقاد/ العدد 1245 ـ 14 كانون الاول/ ديسمبر 2007‏

2007-12-14