ارشيف من : 2005-2008

الواجبات المدرسية: عبء أم ضرورة تعليمية؟

الواجبات المدرسية: عبء أم ضرورة تعليمية؟

حقيبة سفر حجمها 120 في 60 سنتيمترا لمدة ما يقرب من ساعتين، وذلك بغرض عقابه لعدم أدائه الواجبات المدرسية، ما ادى الى اصابته بالاختناق، وجرى نقل التلميذ إلى المستشفى وهو في حالة غيبوبة بعد إخراجه من الحقيبة، ولكنه توفي بعد أقل من يوم نتيجة فشل وظائف العديد من الأعضاء. واعترف الوالدان في جلسة عقدتها محكمة هونج كونج العليا بتهمة القتل الخطأ، وأبلغا المحكمة أنهما أقدما على هذا التصرف بغرض تأديب الابن فحسب. يصور هذا الخبر المفجع بطريقة مأساوية ما تخلقه الواجبات المدرسية من صراعات حادة بين الآباء والابناء وما يمكن ان تولده من ازمات داخل الاسرة .. فهل تشكل الواجبات المدرسية ضرورة تعليمية؟ وكيف يمكن تعويد الطفل على ادائها بالقدر الاعلى من الايجابية والفعالية؟‏

الواجبات المدرسية ضرورة ام ماذا؟‏

ينظر اغلب التربويين الى الواجبات المدرسية باعتبارها احدى الوسائل الضرورية لمعرفة وتطوير مستوى الطالب وقدراته في التفكير والتحليل والمقارنة والاستنتاج من خلال مقارنته مع بقية زملاؤه حسب اراء المختصين التربويين خاصة اذا ما اعتمد المدرس المعايير السليمة للتكليف بها، بحيث تكون باعثة على المبادرة والتفكير والتحليل والاستنتاج في حدود قدرات الطالب الذهنية. وتكون سهلة الأداء ومختصرة وفي متناول جميع التلاميذ. وحرص المعلم على تصحيحها ومتابعة ادائها مع التنويه بذاك الاداء بالكلمات التشجيعية، هذا كله فضلا إن ادخالها في تقويم الطالب الفصلي والسنوي..‏

حرية مصادرة‏

في الوقت الذي يؤيد اغلب التربويين الواجبات المدرسية باعتبارها مهمة ضرورية لتأهيل الطفل ورفع مستواه وزيادة قدراته على الفهم والاستيعاب وتكريس النصوص النظرية في ذاكرته وفي تقوية ودعم مهاراته، ثمة من يرفض الاعتماد عليها في العملية التربوية كليا، وحجته في ذلك انها تعبير عن تقصير المدرسة ان لم نقل قصورها في ايصال المفاهيم والمعلومات كاملة للطالب، وهو اسلوب تعتمده اغلب المدارس التقليدية للتهرب من تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقها بالقاء جزء غير يسير من تلك المسؤولية على الاهل، وهم في الغالب يفتقرون الى الاسلوب الملائم لتعليم الطفل، فيتعاملون بتعصب عاطفي يجرهم الى اختصار الوقت والطريق للوصول الى النتائج، باملاء حلول المسائل وكتابة الفروض نيابة عن ابنائهم لاعطاء صورة مشرقة عن اولئك الابناء امام مدرسيهم. هذا ما لم يتعاملوا بانفعالية مفرطة تستنفر امام اي عجز او تلكؤ يظهره الابناء لدى اداء تلك الواجبات، الامر الذي يؤثر سلبا على علاقتهم بأبنائهم بكل ما لذلك من انعكاسات سلبية على الطفل وعلى تحصيله المدرسي.‏

ويرى هؤلاء التربويون ان الواجبات المدرسية تصادر وقت الطفل وتستنزف طاقاته دون اي جدوى تعليمية ودون ان تجعله اكثر مهارة أو ذكاء، هذا اذا لم تأت بنتيجة عكسية وعلامات أقل. ويستشهدون على ذلك بمقارنة التحصيل الدراسي لطلاب المدارس في البلدان المتقدمة ونتائج طلاب المدارس الاخرى التي ترهق تلاميذها بالواجبات المدرسية.‏

كما يرى هؤلاء التربويون ان الواجبات المدرسية ونتيجة الاجواء المشحونة التي تخلقها في المنزل تؤدي الى تدمير رغبة الطلبة في التعلم والى اجهاض فضولهم المعرفي والعلمي. ويطالبون المدارس باعادة النظر في الواجب المدرسي وفي اهمية اعطائه.‏

العلاقة العاطفية أولاً‏

بينما ينظر الأطفال للواجب المدرسي كعقاب يتهربون منه قدر المستطاع ينظر اولياء التلاميذ الى الواجب المدرسي بقدسية بالغة ويعتبرون المواظبة على ادائه شرطا ضروريا للنجاح والتفوق، فالأبناء الذين يقومون بأداء واجباتهم المدرسية باهتمام يتعلمون أكثرمن غيرهم، ويحصلون على أعلى الدرجات، من اجل ذلك يبذل الاهل قصارى جهدهم لمصالحة ابنائهم مع واجباتهم المدرسية ونزع صفة العبء الثقيل عنها إلا أنهم في كثير من الاحيان يفشلون في الوصول الى هدفهم ذاك، فهل ثمة امكانية لتحقيق ذاك المطلب؟..‏

يرى التربويون المؤيدون للواجبات المدرسية ان تحفيز الطفل على تنفيذ تلك الواجبات وإشعاره بمسؤولياته، امر مفيد وضروري لنمو شخصيته المستقلة والمسؤولة، وهو امر ممكن اذا ما استثمر الاهل العلاقة العاطفية التي تربطهم بالطفل في ذلك، واضعين تلك العلاقة في اول سلم اهتماماتهم، لان سلامة ومتانة هذه العلاقة هي المعطى الاكثر اهمية بالنسبة للطفل داخل الاسرة، حتى اذا ما اضرت الدروس والفروض بالعلاقة العاطفية تلك، وجب اعادة النظر في كيفية تعامل الاهل معها وفي نظرتهم اليها.‏

فالدروس التي يكلف بها الابن من قبل المدرسة ما هي الا (عقد بين المعلم والأهل والتلميذ) حسب توصيف احد التربويين البارزين، ومهمة الاهل في هذا المثلث التوجيه وقيادة الطفل إلى الطريق الصواب في التعليم، والتدخل لحل الصعوبات التي تعترضه في حل المسائل أو صعوبة فهم التمرين أو التدريب فيها وليس تعليم وتدريب التلميذ..‏

من واجب الاهل حسب اراء التربويين تنمية الشعور بالمسؤولية لدى التلميذ وزيادة قدراته على الاستيعاب والفهم، بترك متسع من الحرية له ليحل المشكلات التي تعترضه، والأخطاء التي يقع فيها، وإعطائه الحرية الكافية في اختيار الأسلوب الأمثل لنفسه في التعليم، وتحاشي فرض اسلوب تعليمه، والاكتفاء بالإشارة إلى قدراته ودله إلى نقاط القوة لديه، وتوجيهه في أوقات الامتحانات أو في أثناء اعتراضه لمشكلة كبيرة. وليس من الضروري متابعته حرفا بحرف كما يحدث في غالبية البيوت حاليا.‏

واذا ما نظر الاهل الى الواجبات المدرسية من هذه الزاوية، التي تعتبرها بالدرجة الاولى مسؤولية التلميذ وحده وليست مسؤوليتهم، كان هذا الامر كفيلا بتحريرهم من عدد لا يستهان به من عوامل التوتر التي تجلبها تلك الواجبات للمنزل والاسرة، وبمجرد ترك الاهل لدور الحارس السجان المجبر على مصادرة كامل وقته واستنفار كامل طاقته النفسية لمراقبة الابناء ومتابعة ادائهم لواجباتهم على اكمل وجه، يتحرر الطفل من الاحساس القاسي بعبء تلك الواجبات، ويكفيه في هذا المجال ان يشعر بسعادة ابويه بما يحققه من نجاحات في إتمام دروسه وأداء واجباته اليومية بنفسه بعيدا عن الوسط العائلي ليتشجع على اداء تلك الواجبات.‏

منى بليبل‏

الانتقاد/ العدد 1245 ـ 14 كانون الاول/ ديسمبر 2007‏

2007-12-14