ارشيف من : 2005-2008
واشنطن وطهران: عوامل الشد والجذب على المسرح العراقي
بغداد ـ عادل الجبوري
كادت قضية رئيس جبهة التوافق العراقية عدنان الدليمي تخلق ازمة سياسية اخرى بين الفرقاء السياسيين العراقيين لولا مسارعة الحكومة الى احتواء الموقف بطريقة بدت مرضية ومقبولة ومتوازنة الى حد كبير. فبينما قامت الاجهزة الامنية والعسكرية العراقية ومعها قوات اميركية باقتحام مكتبه ومنزله الكائن في حي العدل غربي العاصمة بغداد واعتقال العشرات من افراد حمايته واكتشاف سيارات مفخخة وأسلحة مختلفة، سارعت الحكومة من خلال مستشار الامن الوطني الدكتور موفق الربيعي الى نقل الدليمي من منزله الى فندق الرشيد الواقع داخل المنطقة الخضراء شديدة التحصين. ولعل الحكومة أدركت انها ستواجه ازمة جديدة اذا لم تسارع الى معالجة الموقف بطريقة متوازنة، وذلك بعد ان صرح عدنان الدليمي لوسائل الاعلام انه وضع تحت الإقامة الجبرية، وإقدام اعضاء جبهة التوافق في البرلمان على الانسحاب من الجلسات وإعلانهم عدم العودة الا بعد رفع الاقامة الجبرية عن رئيس الكتلة.
وواضح ان زيادة حدة الاحتقان والتشنج السياسي وتعميق التقاطعات والاختلافات بين الفرقاء يمكن ان يفضي الى نتائج سلبية للغاية، خصوصا ان نقاط الاختلاف والتقاطع تتمحور حول قضايا حساسة وخطيرة، من قبيل قانون المساءلة والعدالة المعدل عن قانون اجتثاث البعث، وقانون توزيع الموارد المالية، وقانون مجالس المحافظات. وأضيفت اليها لاحقا القضية الاكثر اثارة للسجال والجدل والخلاف، الا وهي مشروع الاتفاقية طويلة الأمد بين العراق والولايات المتحدة الاميركية.
ومع ان كل تلك القضايا، وأبرزها قضية عدنان الدليمي، هيمنت على صورة المشهد السياسي العام في العراق خلال الأيام الماضية، الا انها مثلما رأى البعض تمثل الجزء الصغير من جبل الجليد العائم تحت سطح الماء مثلما يقولون. فخلف الكواليس ووراء الابواب الموصدة يبدو ملف العلاقات ـ او بعبارة اخرى التجاذبات ـ الايرانية الاميركية يحظى بالاهتمام الاكبر، لأن تحديد مسارات ذلك الملف يحدد بدوره مسارات الوضع السياسي والامني العام في العراق. وفي الوقت الذي بدأت فيه التحضيرات والاستعدادات في اوساط الحكومة العراقية ووزارة الخارجية لعقد الجولة الرابعة من المباحثات الايرانية الاميركية في بغداد، ما زالت خطوط ومعالم وملامح صورة العلاقات بين الجانبين يكتنفها الغموض وتلفها سحب كثيفة من الضباب.
اوساط مطلعة أشارت الى ان طهران أعربت لزعيم الائتلاف العراقي الموحد ورئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي السيد عبد العزيز الحكيم عن عدم تفاؤلها بالتعاطي الاميركي معها. المصادر ذاتها اشارت الى ان الرئيس الاميركي جورج بوش أعرب هو الآخر للحكيم عن عدم تفاؤله بشأن التعاون الايراني. وربما كان ذلك امرا طبيعيا بين طرفين يخوضان حربا باردة منذ اكثر من ربع قرن الى جانب حروب ساخنة بصورة غير مباشرة. بيد ان عدم التفاؤل المتبادل بين الطرفين لا ينفي وجود مؤشرات ايجابية نوعا ما تختلط وتتداخل مع المؤشرات السلبية، لتضفي على الصورة ذلك الغموض والتشويش. ومنها تصريحات مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين أميركيين كبار بأن تدفق الأسلحة والمقاتلين الأجانب على العراق من كل من سوريا وإيران انخفض في الشهر الماضي. كما يدخل في هذا الاطار إفراج واشنطن عن تسعة ايرانيين كانوا معتقلين لديها في العراق، بينهم دبلوماسيان، ولمحت او صرحت بأن طهران أبدت تعاونا في المجال الامني على الساحة العراقية، وسربت رسائل الى الاخيرة عبر قنوات متعددة عن رغبتها بمزيد من التعاون والتنسيق، وهو ما عبرت عنه وأظهرته في الجولات الثلاث من المباحثات بين الجانبين التي احتضنتها بغداد.
بيد ان واشنطن لم تتوقف حتى الآن عن كيل الاتهامات لطهران بدعم ميليشيات شيعية تقوم بتنفيذ هجمات مسلحة على القوات الاميركية بالمال والسلاح، ولوحت بإدراج الحرس الثوري الايراني في قائمة المنظمات الارهابية العالمية. وسربت لوسائل الاعلام تقارير عن مخططات اميركية لضرب ايران من قواعد عسكرية اميركية في جنوب العراق بحجة وجود تمويل عسكري ايراني لتشكيلات عراقية مسلحة تتمركز بدرجة اكبر في محافظات الجنوب، وخصوصا البصرة.
وفي كتابه "بوش وإيران والقنبلة" يشير الصحافي الفرنسي اريك لوران الى أن الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش قد تبنّى توجيها سريا للغاية يحمل اسم "كون بلان" رقم 8022، وينص على استخدام أسلحة نووية تكتيكية ضد إيران.. أي ينص على احتمال اللجوء إلى مثل هذه الأسلحة للمرة الأولى منذ أن ألقت الطائرات الأميركية قنابل ذرية على مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين عام 1945 لوضع حد نهائي للحرب العالمية الثانية. ويذكر لوران بحسب معلومات استقاها من مصادر استخبارية اميركية، أن قنابل نووية تكتيكية من طراز (بي ـ 1) خُزنت في قاعدة أميركية موجودة في العراق لإمكانية استخدامها إذا جرى إقرار القيام بذلك. ومثل هذه القنابل قادرة على تدمير أي مصانع قد تكون موجودة في عمق الأرض، والقاعدة المعنية موجودة في منطقة غير بعيدة من الحدود العراقية ـ الإيرانية. وإذا كانت واشنطن قد استاءت من دعوة ايران ومشاركتها في القمة الاخيرة لدول مجلس التعاون الخليجي في العاصمة القطرية الدوحة، فإنها ربما باتت اكثر قناعة بأن ايران لاعب اقليمي مؤثر لا يمكن تجاوزه، سواء تعلق الامر بالشأن العراقي او بشؤون المنطقة الاخرى، لأن حلفاءها وأصدقاءها الخليجيين الذين يرى بعضهم انها تشكل خطرا عليه، راح يتعاطى ويتعامل معها بدرجة اكبر وفق مقتضيات الامر الواقع. وسنة العراق الذين تمثلهم في العملية السياسية جبهة التوافق العراقية باتوا هم ايضا على قناعة تامة بأن التحريض والتأليب على ايران لا يعود بالنفع على أي طرف من الاطراف العراقية، وأن المراهنة على مواقف عربية لتغيير وتعديل موازين القوة في الساحة العراقية بدت مراهنة خاسرة، على عكس المراهنة على بناء علاقات رصينة وقوية مع كل مكونات المحيط الاقليمي، العربية منها وغير العربية، بعيدا عن منهج الإقصاء والتآمر والبحث عن صياغة معادلات خارجية يصعب الى حد كبير اخضاعها لإيقاعات مضبوطة ومنتظمة ومسيطر عليها داخليا.
الانتقاد/ العدد 1245 ـ 14 كانون الاول/ ديسمبر 2007