ارشيف من : 2005-2008

كوسوفو: خطوة أخرى على طريق الحرب الباردة الجديدة

كوسوفو: خطوة أخرى على طريق الحرب الباردة الجديدة

بعد القصف الأطلسي لبلغراد عام 1999 ضمن إطار الضغط الدولي والغربي على صربيا، في أعقاب أعمال القمع والمذابح التي جرت بين الصرب والألبان في كوسوفو التي تسعى إلى تحقيق استقلالها أسوة بأقاليم الاتحاد اليوغوسلافي السابق، وُضع هذا الإقليم تحت إشراف الأمم المتحدة وحماية قوات الأطلسي بموجب القرار رقم 1244 الصادر عن مجلس الأمن. وفي الوقت نفسه أعطى مجلس الأمن كلاً من صربيا وكوسوفو مهلة حتى العاشر من كانون الأول/ ديسمبر الجاري للاتفاق على حل من شأنه إنهاء الأزمة المحتدمة بين الطرفين، الكوسوفي المصرّ على الاستقلال الكامل والمدعوم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والصربي الرافض لهذا الاستقلال والمدعوم من روسيا. لكن المفاوضات التي جرت بين الطرفين بوساطة الترويكا الروسية الأوروبية الأميركية وصلت إلى الباب المسدود، وسط تهديدات كوسوفو بإعلان استقلالها من جانب واحد في مهلة أقصاها شهر أيار/ مايو المقبل.
 وكان الأوروبيون والأميركيون قد فشلوا نتيجة تلويح الروس باستخدام حق الفيتو في استصدار قرار عن مجلس الأمن يدعم استقلال كوسوفو. وهم يتوجهون حالياً نحو تعزيز قوات الأطلسي في الإقليم تحسباً لمواجهة عسكرية مع الصرب الذين لن يسكتوا في حال إعلان استقلال كوسوفو. وفي هذا الإطار يسعى الاتحاد الأوروبي منذ سنوات لإرسال قوة من 1800 شرطي يفترض وصولهم إلى الإقليم في غضون أسابيع. لكن هذا المسعى الذي تقوده كل من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا يبدو محفوفاً بالشكوك في ظل ممانعة تأتي من قبرص واليونان وسلوفاكيا وإسبانيا، وهي بلدان تعاني، شأن صربيا، من مشكلات مع "انفصاليين" داخليين قد يستفيدون من موقف الاتحاد الداعم لاستقلال كوسوفو. وإذا ما جرى تجاوز هذه العقبة عن طريق ما يسمى بـ"التغيب البناء" من قبل الدول الممانعة عند التصويت على قرار إرسال هذه القوة، تبرز عقبة أشد خطورة لجهة الموقف الغربي في حال لجوء الصرب مجدداً إلى استخدام القوة.. فهل يتخلون عن مشروع تحقيق استقلال كوسوفو بمبادرة دولية، أي عن أكبر مشروع على الإطلاق تحتضنه الأمم المتحدة بدفع منهم؟ أم يعودون مجدداً إلى توجيه ضربة عسكرية إلى صربيا التي أصبحت صديقتهم بعد سقوط نظام سلوبودان ميلوسوفيتش؟ هذا الخيار سيعني حتماً ضرب كل الآمال الغربية في إدخال صربيا، شأن شقيقاتها السابقات في حلف وارسو، إلى حظيرة الأطلسي والاتحاد الأوروبي. تباشير ذلك ظهرت بوضوح في تصريحات المسؤولين الصرب التي أكدوا مؤخراً أنهم لن يتخلوا عن كوسوفو مقابل وعود بتسهيل انضمامهم إلى الاتحاد الأوروبي.
 وإذا لم تواصل صربيا مسيرتها الانفتاحية على الغرب، فإن ذلك سيعني حتماً إعطاء حقنات جديدة لعلاقتها الوطيدة أصلاً مع روسيا التي تبدو مصممة أكثر من أي وقت مضى، على المحافظة على آخر مناطق نفوذها في البلقان. وهنا يعرف الغربيون جيداً أن روسيا لن تتخذ اذا تعرضت صربيا لهجوم أطلسي، موقفا انكفائياً مشابهاً لذاك الذي اتخذته عام 1999، فالظروف الحالية باتت أكثر ملاءمة لتشدد روسي ظهرت معالمه طيلة العام الحالي مع تصريحات بوتين في ميونيخ، وأزمة الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا الشرقية، ووقف العمل بمعاهدة الحد من الأسلحة التقليدية في أوروبا، إضافة إلى الرفض الروسي القاطع لرسم استقلال كوسوفو بالمسطرة الأميركية الأوروبية.. ناهيكم عن أن روسيا تمتلك في جورجيا وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية أوراقاً لا تقل قوة عن أوراق الغربيين في كوسوفو. لعبة شد حبال وتكافؤ في موازين القوى لا يسمحان إلا بحلول تستبعد الحلول الجراحية. ومن هنا يتوقع بعض المراقبين أن يؤجل الحسم ربما عشر سنوات، ريثما تتغير موازين القوى. ولكن في أي اتجاه سوف تتغير تلك الموازين في وقت قد يعود الروس للتمدد إلى ما وراء حدود صربيا، في ظل عودة الأزمة البوسنية إلى التحرك من جديد، وخصوصاً في ظل تحرك العديد من "الأقليات" الأوروبية ليس فقط في إسبانيا واليونان وقبرص وسلوفاكيا، بل أيضاً في بلجيكا واسكتلندا وحتى في فرنسا، للمطالبة بما يطالب به ألبان كوسوفو؟
ع.ح.
الانتقاد/ العدد 1245 ـ 14 كانون الاول/ ديسمبر 2007

2007-12-14