ارشيف من : 2005-2008

هل تمحو مساعي ساركوزي المستقبلية الذاكرة الجماعية للجزائريين؟

هل تمحو مساعي ساركوزي المستقبلية الذاكرة الجماعية للجزائريين؟

باريس ـ نضال حمادة
قام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بزيارة رسمية مثيرة للجدل إلى الجزائر، أراد من خلالها إعادة النفوذ الفرنسي المضمحل إلى أفريقيا، وخصوصا المغرب العربي، بعد طول غياب. فرنسا الطامحة إلى الأمجاد الغابرة تسابق الزمن للعودة إلى الجزائر من الباب الاقتصادي، محاولة الالتفاف على الماضي الثقيل الذي حكم العلاقات الجزائرية الفرنسية منذ قرابة قرنين من الزمن، حيث استعمرت فرنسا الجزائر مدة مئة وثلاثين عاما، من عام 1830 حتى عام 1962، تاريخ الاستقلال الجزائري. وقد دفع الشعب الجزائري جراء هذا الاستعمار ملايين الضحايا.
قد يبدو المشهد عاديا.. رئيس جمهورية بلد يزور بلدا آخر، غير أن ما يربط الجزائر وفرنسا يتخطى التقليد إلى وجود تشابك في المصالح والنزاعات تجعل كلا من الطرفين عدوا لدودا للآخر، من دون أن يستطيع أي منهما فك ارتباطه بخصمه أو التخلي عنه.
ساركوزي الراغب في عقود اقتصادية تدخل أموالا على الخزينة الفرنسية الفارغة والمثقلة بالديون، يعلم جيدا حجم الطفرة النقدية التي حلت على الجزائر جراء الارتفاع الكبير بأسعار النفط، وهو يريد الحصول على قطعة من الكعكة الجزائرية التي يكاد الصينيون يستحوذون عليها بالكامل. فقد خسرت الشركات الفرنسية عقد الطريق الدولي الذي يربط شمال الجزائر بجنوبها، وتبلغ قيمته حوالى أربعة مليارات دولار، وفازت به الصين.. فضلا عن دخول الشركات الصينية مجال الاستثمار والإنتاج في قطاعي النفط والغاز اللذين يعتبران فرنسيا مجالا حيويا واستراتيجيا، يمكن لباريس الحفاظ على استقلاليتها عن أميركا في مجال الطاقة.
في هذا المجال لم تنجح الجهود الفرنسية الرامية للدخول الى قطاع الغاز الجزائري من بوابة الاستثمار، اذ رفضت الجزائر هذا العرض مفضلة التعامل مع الشركات الصينية والأميركية، على قاعدة الملكية والسيطرة للدولة الجزائرية، وللشركات الأجنبية تقديم التقنية مقابل الحصول على عقود بيع نفط وغاز طويلة الأجل، وهذا ما جعل الرئيس الفرنسي يذهب بعيدا في عروضه السخية عبر عرضه التعاون في المجال النووي السلمي بين فرنسا والجزائر على غرار اتفاقية التعاون النووي التي وقعت بين المغرب وفرنسا، حيث تعهدت فرنسا تقديم التكنولوجيا النووية السلمية للجزائر.
غير أن الثقل التاريخ أرخى بظلاله على زيارة الرئيس الفرنسي الذي تعرض لهجوم عنيف من قبل وزير المحاربين القدامى، الذي طالب ساركوزي باتخاذ خطوة جريئة وتقديم اعتذار رسمي باسم الشعب والدولة الفرنسيين، عن الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي بحق الشعب الجزائري وعن استعمار فرنسا للجزائر الذي استمر طويلا.. هذا المطلب الجزائري رُفض من قبل فرنسا حتى الآن، ويقدم الجانب الفرنسي حججا لتبرير رفضه هذا، بترديد مقولة أن الأمر قد أصبح من الماضي، وأن ما يجدي الآن هو تحسين العلاقات وتطويرها.. وذهب بعض الفرنسيين إلى اعتبار الحقبة الاستعمارية الفرنسية بمثابة زمن جيد بالنسبة الى الشعوب التي كانت خاضعة للسيطرة الفرنسية.. وقد جرى التصويت على قرار بهذا الشأن في مجلس النواب الفرنسي العام الماضي.
غير أن المطلعين على حقيقة الأوضاع في الداخل الفرنسي، يقولون ان هذا الرفض الفرنسي مرده انتخابي، حيث يوجد في فرنسا حوالى ثلاثة ملايين فرنسي متحدر من الفرنسيين الذين طردوا من الجزائر غداة الاستقلال، وهؤلاء يميلون بغالبيتهم إلى انتخاب اليمين المتطرف في فرنسا، وقد أعطوا أصواتهم لساركوزي خلال رئاسيات 2007، وهم يهددون بالتخلي عن دعمه إذا قدم أي اعتذار ولو رمزيا إلى الجزائر أو إلى الشعب الجزائري.. فليس كل الناس سواسية في جمهورية حقوق الإنسان، ألم تعتذر فرنسا الى اليهود في الماضي القريب؟ سؤال مطروح، وتبقى العبرة في الجواب.
الانتقاد/ العدد1245 ـ 14 كانون الاول/ ديسمبر 2007

2007-12-14