ارشيف من : 2005-2008
آية الله فضل الله: كيف يمكن أن تحترم أي حكومة نفسها عندما تحاصر شعبها
والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:
" في الحركة الأميركية في المنطقة، تقوم الإدارة الأميركية بمزيد من التنسيق الأمني والسياسي والعسكري مع إسرائيل، بهدف التخفيف عن كيان العدو بعد الإحراج الذي تسبب به التقرير الأخير للاستخبارات المركزية الأميركية حول الملف النووي الإيراني، والذي يؤكد طابعه السلمي وعدم وجود أي خطة إيرانية لصنع القنبلة النووية في المدى المنظور.
ولعل زيارة رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة إلى كيان العدو كانت من أجل تطمين قادته إلى أن الإدارة الأميركية لن تتخلى عن تفوق إسرائيل النوعي على كل دول المنطقة، لأن هناك استراتيجية في التعاون وصلت إلى مستوى التكامل والتداخل بين إسرائيل وأميركا، وتمثلت في تنسيق خطة احتلال العراق ما أدى إلى اهتزاز استقرار المنطقة كلها، فضلا عن العراق نفسه الذي تحول إلى ساحة فوضى وقتل ومجازر متنقلة، إضافة إلى الدعم القوي المتحرك الذي قدمته أميركا لإسرائيل في عدوانها على لبنان العام الماضي".
اضاف:" إننا نجد أن مشكلة المنطقة ليست في إيران، بل هي في إسرائيل التي تملك أكبر ترسانة نووية تهدد بها المنطقة، وأعتى أنواع الأسلحة التي تحركها في عدوانها المتنقل، والمشكلة في أميركا التي تنشر أساطيلها في البحر للتهديد بالحرب ضد إيران، وتشجع الدول العربية على تعقيد علاقاتها الأمنية والاقتصادية والسياسية معها، في الوقت الذي نرى الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتقدم إلى العرب في المنطقة كلها من أجل إيجاد تعاون اقتصادي أمني يحمي الواقع العربي، وخصوصا الخليجي".
ورأى السيد فضل الله ان "المشكلة هي هذا التزاوج العدواني بين الدولة العبرية وأميركا، الأمر الذي جعل الإدارة الأميركية تتحرك في خداع سياسي في الواقع الفلسطيني، حتى أن الحديث عن الدولة الفلسطينية أصبح حديثا استهلاكيا لا ينفتح على أي خطة للتنفيذ بالرغم من مرور السنين على تكراره. من الناحية الأخرى يشكل الحديث الأميركي عن إسرائيل كوطن قومي لليهود، غطاء يمكن أن يؤدي إلى تهجير البقية الباقية من الشعب الفلسطيني، وإلى التنكر لحق العودة للمبعدين من أرضهم بغير حق، وإلى تشجيع اليهود للقدوم إلى فلسطين من سائر أنحاء العالم".
وقال:" ومع كل ذلك، يتحرك الغطاء الدولي ليمنح الجيش الإسرائيلي مزيدا من حرية القصف والقتل والتدمير للمدنيين في غزة، والاجتياح والاعتقال للشباب الفلسطيني في الضفة الغربية، إضافة إلى استمرار الحصار الاقتصادي غير الإنساني للمستضعفين في غزة، والتوسع في تهويد القدس ببناء المستوطنات في مناطقها القديمة، من دون أن نجد أي رد فعل عربي أو أوروبي أو أي ضغط أميركي، بل مجرد تصريحات أميركية على لسان وزيرة الخارجية الأميركية لا تتخطى الحديث عن أن ذلك يؤدي إلى انعدام الثقة التي حاول مؤتمر أنابوليس أن يبنيها".
وتابع:" إننا نشعر أن صمت العالمين العربي والإسلامي أمام نزيف الدم الفلسطيني اليومي، وعدم القيام بأي مبادرة لوقف التدهور الحاصل في العلاقات الفلسطينية ـ الفلسطينية الذي انعكس دمارا سياسيا واقتصاديا ومعيشيا، يمثل جريمة كبيرة في حق الشعب الفلسطيني كله والقضية كلها.
أما لبنان، فإن شعبه يعاني في كثير من مناطقه من البرد الشديد الذي يفتك بالجميع، بعد الغلاء الذي يزداد يوما بعد يوم، ولا سيما في المحروقات، ما تعجز عنه الطبقة المتوسطة فضلا عن الفقيرة. هذا، إلى جانب التقنين في الكهرباء الذي وصل إلى الحد الذي جعل وجود الكهرباء كعدمها، الأمر الذي أساء لكل الأوضاع المدنية في حاجات الناس، وفي أوضاعهم الغذائية وفي أمورهم الحياتية.
ولا ندري كيف يمكن أن تحترم أي حكومة، دستورية أو غير دستورية، نفسها عندما تحاصر شعبها بمثل هذا الوضع الذي يدمر الحياة كلها في القضايا الحيوية التي تتحول إلى صراخ إنساني لا يملك معها الإنسان أي استقرار".
وفي المسألة السياسية، قال السيد فضل الله:" لا تزال الدوامة الداخلية تفرض نفسها من خلال استمرار الجدل الدستوري والتجاذب السياسي في ظل انعدام الثقة بين الفرقاء اللبنانيين. ويبقى الشعب حائرا يحدق في هذا النزاع الذي يسبح في التجريد، بعيدا من الواقعية والقيم. وقد أثبتت الطبقة السياسية، مع بعض الاستثناءات، أنها فاشلة في الرؤية الاستراتيجية، وناجحة في تكرار الآراء الجامدة والمناورات التكتيكية من دون الاهتمام بواقع الشعب ومستقبل البلد".
واكد ان "عودة التعقيدات الداخلية إلى ذروتها، مع تجدد التفجيرات التي أعادت اللبنانيين إلى حال الخوف والحذر من تردي الأوضاع الأمنية التي قد تفتح آفاق الاغتيالات لإرباك الواقع اللبناني السياسي والأمني".
وناشد الجميع "أن يرحموا هذا البلد الصغير الذي لا يزال يعيش المعاناة الصعبة على الصعيد المحلي، أو في حركة التدخلات الدولية والإقليمية التي تمنعه من الاستقرار، وتزيد في مشاكله الحياتية والأمنية والسياسية، ونؤكد على أن يكون كل لبناني خفيرا يراقب كل الحركات المشبوهة التي قد تخفي حالات الإجرام، لأنه يبدو أن قدر هذا الشعب أن يقلع شوكه بأظافره".