ارشيف من : 2005-2008

الباحث في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية براح ميكائيل لـ"الانتقاد": تقرير المخابرات الأميركية دليل عودة النشاط لمؤسسات الدولة في الولايات المتحدة

الباحث في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية براح ميكائيل لـ"الانتقاد": تقرير المخابرات الأميركية دليل عودة النشاط لمؤسسات الدولة في الولايات المتحدة

باريس ـ نضال حمادة
أميركا تتهم العراق بالسعي للحصول على أسلحة دمار شامل، ومن ثم يكتشف العالم خلو العراق من أي سلاح فتاك، وأيضا أميركا تتهم إيران بالسعي للحصول على السلاح النووي، ومن ثم تعود لتفاجئ أقرب حلفائها بالتراجع عن كل كلامها السابق، عبر تقرير أجهزة مخابراتها، الذي قال إن إيران أوقفت برنامجها العسكري منذ عام 2003.
ما هي دوافع صدور التقرير الأميركي في هذا الوقت؟
هل تتجه المنطقة إلى صدام أو حوار بين إيران وأميركا؟  ما هو موقف السعودية؟ وكيف ستكون العلاقة بينها وبين إيران؟ وأين العرب مما يجري على حدودهم وداخل أراضيهم؟
أسئلة طرحناها على الباحث في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية في فرنسا، براح ميكائيل حيث كان لـ"الانتقاد" معه الحوار التالي:

ما هي الدوافع وراء الإعلان عن تقرير المخابرات الأميركية حول إيران في هذا الوقت؟
هذا التقرير يأتي بنتائج مختلفة عن تقرير عام 2005، إذاً هناك تفسير فعلي لضرورة طرحت نفسها على أجهزة المخابرات الأميركية ودعتها إلى التقليل من مخاطر الملف النووي الإيراني، من هنا فإن أجهزة المخابرات الأميركية تحاول تجنب أي حجج تسمح لإدارة بوش بشن حرب على إيران، وذلك يعود إلى معرفة المخابرات الأميركية بمخاطر أي حرب أميركية على إيران، لأن ذلك سينعكس سلبا على الوجود الأميركي في المنطقة، وعلى النظام الأميركي في داخل الولايات المتحدة الأميركية، وهنا يمكن القول ان النظام الأميركي استعاد طبيعته، بعد التوظيف الكبير الذي تعرض له من قبل إدارة بوش، حيث تم توظيف المخابرات الأميركية لمصلحة إستراتيجية "المحافظون الجدد" في أميركا، وكلنا نذكر استنتاجات المخابرات الأميركية حول مخاطر أسلحة الدمار الشامل في العراق والتي اتضح أنها إن لم تكن مختلقة فهي مبنية على معلومات غير دقيقة. في هذا التقرير استعادت المخابرات الكثير من واقعيتها وصدقيتها، وأعتقد أنها تحاول إنقاذ أميركا في الوضع الحالي وتجنب أي مغامرة قد يقوم بها بوش ويدفع ثمنها البلد ومن سيخلف بوش في سدة الرئاسة.

كيف تنظر إلى موقع نائب الرئيس ديك تشيني من هذا التقرير؟
المعروف أنه طوال سنوات عدة حاول ديك تشيني نائب الرئيس التأثير على أجهزة المخابرات الأميركية، وحاول توظيفها في استخدام لهجة شديدة تحذر من مخاطر إيران النووية ولكنه فشل في ذلك، وقد تكلم الكثير من مراكز الأبحاث والصحف بذلك، ومن ضمنها صحيفة هيرالد تريبيون التي أفردت صفحة كاملة عن إستراتيجية تشيني في توظيف هذه المخابرات، وفي دفع الكثير من مسؤوليها إلى تبني السياسة التي كان يتبناها هو، وعلى هذا الأساس أعتقد أن هذا التقرير هو عبارة عن فشل لسياسة ديك تشيني.

تحدثت عن عودة المنظومة الأميركية للعمل، ماذا تقصد بهذا؟
من المعروف  أن في أميركا تمسكا بحقوق الإنسان وبالقوانين وبالدستور، وقد عرف ذلك عن الكثير من رؤساء الولايات المتحدة، غير أن ما حصل في عهد بوش، كان تعديا صارخا على كل تلك القوانين، خصوصا فيما يتعلق بغوانتانامو وما حصل في "أبو غريب" من استخفاف بالأحكام التي صدرت بحق المتهمين عن التعذيب في هذا السجن، ودلّ أن هناك تمردا كبيرا من قبل إدارة بوش على الكثير من القيم التي عرفت بها الولايات المتحدة، وعندما أقول ان النظام استعاد طبيعته حاليا، أقول ان المخابرات الأميركية وعت لمخاطر سياسة بوش على أميركا خصوصا بعد غزو العراق، وهنا فإن هذا التقرير يعبر عن عودة التيار الواقعي في أميركا إلى لعب دور محوري بعد الأخطاء التي وقعت بها إدارة بوش التي تعتبر أسوأ إدارة مرت في تاريخ الولايات المتحدة.

هل تعتقد أن هذا التقرير قد قطع الطريق على إدارة بوش في شن حرب جديدة في المنطقة؟
ليس تماما، ولكن من ناحية ثانية هناك خياران فقط، فإما أن يقول بوش إن المخابرات تمنعه من التحرك عسكريا ضد إيران، لذلك فهو لن يتحرك في هذا الاتجاه احتراما لرأي المخابرات الأميركية، أو أن يتصرف بعكس نصائح المخابرات الأميركية، ولكن في هذه الحال سوف تكون العواقب وخيمة على أميركا وعلى شخص بوش لأنه سوف يتعرض لسخط الكثيرين من الأميركيين وخصوصا من أنصار الحزب الجمهوري لأنه لم يأخذ بنصائح أجهزة المخابرات، لذلك أعتقد أن الرئيس بوش لن يخاطر بشن حرب على إيران تضعه في مواجهة رأي مؤسسة المخابرات الأميركية وتكون عواقبها وخيمة عليه وعلى الولايات المتحدة.

ما هي انعكاسات هذا التقرير على العلاقة بين إيران والولايات المتحدة؟
النتيجة البديهية لهذا التقرير هي الحث على فتح قنوات اتصال أميركية مع إيران، وهذا شيء يطمئن إيران، في الوقت الذي يحثها فيه على عدم وضع العراقيل أمام الإستراتيجية الأميركية في العراق، وقد لاحظنا أن وزير الدفاع الأميركي قام بزيارة العراق مباشرة بعد صدور هذا التقرير، وقبل ذلك كان في البحرين حيث تكلم عن الخطر الإيراني، ولكنه لم يتحدث بلهجة تصاعدية، ولم يدع إلى اللجوء للخيار العسكري ضد إيران، وأعتقد أن الإيرانيين فهموا هذه الرسالة، ومفادها تمني الولايات المتحدة الدخول معهم في نوع من التفاوض حول الشأن العراقي. هذا قد لا يتم في عهد بوش، ولكن الإدارة الأميركية القادمة سوف تتحاور مع إيران، وانأ أقول منذ سنتين ان إيران وأميركا سينتهي الأمر بهما إلى تفاهم نظرا لتطابق مصالح البلدين على المدى المتوسط.

هل يعني ذلك أن هناك نفوذا إيرانيا سيطغى على المنطقة؟
هناك نفوذ إيراني نتيجة الإستراتيجية الأميركية، فأميركا أزاحت طالبان من أفغانستان وأزاحت صدام حسين عن حكم العراق، إذاً أزاحت أشد أعداء إيران في المنطقة، وهنا رأت إيران أن الساحة خالية وتسمح لها بتقوية نفوذها وهذا ما نراه في العراق. ولكن من ناحية ثانية أعتقد أن إيران لن تدخل في نوع من خطة جهنمية للسيطرة على الشرق الأوسط، هناك نفوذ إيراني ولكن مصلحة إيران أن تجد طريقة تكون فيها سائدة في المنطقة دون أن تكون مهيمنة، وهذا ما سعت إليه المملكة العربية السعودية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مع فارق أن السعودية اختارت المظلة الأميركية للحصول على هذا النفوذ أما إيران فتسعى لذلك بالاعتماد على نفسها، لأن التجربة الماضية أثبتت أن لا حليف لها، وأن حليفها الوحيد سوريا بلد ضعيف ولا يستطيع أن يحميها في حال تعرضت للمخاطر.

هل نتجه في هذه الحال إلى تفاهم سعودي إيراني أم أن المواجهة حتمية بين الدولتين؟
من وجهة نظر السعودية تشكل إيران خطرا، في حال طورت سياسة تؤثر فيها على الشيعة في المملكة السعودية، وهذا الكلام ليس جديدا، وهو موجود منذ العام 1979، على المستوى الرسمي فإن السعودية تعلن عن عدم رغبتها في أي مجابهة مع إيران، وإيران تقول نفس الشيء، وانا اعتقد أنه في حال وجود طريقة للتفاهم فإن السعودية لن ترفض.

حتى لو كان ذلك يعني نفوذا إيرانيا في العراق؟
السعودية لن ترضى بسيطرة إيرانية على العراق، ولكن هناك أمور واقعية على الأرض ستتعامل السعودية معها على غرار تعاملها مع المد الناصري في خمسينات وستينات القرن الماضي. السعودية لا ترتاح لأي دولة تعتمد سياسة قد تتعارض مع المذهب الوهابي أو النظام الملكي السائد فيها، وكلنا نعلم كيف حاربت نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لأنها شعرت فيه خطرا على طريقة الحكم السائدة عندها، وهي منذ العام 1979 لا ترتاح للنظام الثوري في إيران، ولو استطاعت إسقاطه فهي لن تتأخر في فعل ذلك.

ما هي إمكانيات العرب في كل ما يجري؟
ليس هناك من عمل عربي موحد، ونحن نلاحظ تعثر كل تجارب العمل العربي المشترك، وأكبر مثال على ذلك جامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي، وإتحاد دول المغرب العربي، كل هذه المنظمات عجزت عن بلورة تصور عربي موحد، في اعتقادي أن الأمور إذا ما استمرت على هذا النحو، فإمكانية وجود دور عربي فعال مؤجلة إلى مدة ليست بالقريبة.
الانتقاد/ العدد1246 ـ 21 كانون الاول/ ديسمبر 2007

2007-12-19