ارشيف من : 2005-2008

حدث في مقالة: المعارضة ترى أن لبنان أمام فرصة حقيقية للحل.. والموالاة تبحث عما يغطي أزماتها

حدث في مقالة: المعارضة ترى أن لبنان أمام فرصة حقيقية للحل.. والموالاة تبحث عما يغطي أزماتها

كتب مصطفى الحاج علي
السؤال الذي يحاول فريق الموالاة بجهدٍ كبير تغييبه عن النقاش، أو إثارة غبارٍ كثيف حوله، لتشويش اذهان الرأي العام، ولحرف قطار الحل الفعلي عن سكته، هو التالي: هل الأزمة الحالية في لبنان محصورة فقط في ملء الفراغ الحاصل في موقع الرئاسة الأولى، وبالتالي، المطلوب اشغال هذا الفراغ بأي شكل كان،أم أن الأزمة هي أكثر من عملية ملء الفراغ في سدة الرئاسة، وهي بالتالي، مسار  للحل لا بد من أن يشمل العديد من المسائل الأساسية، حتى تأخذ الأمور مجراها الطبيعي، ويأخذ الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي أوضاعه المتوازنة في سياق من التفاهم الوطني العام؟
من يتأمل في سلوك ومواقف فريق الموالاة، يجده مهموماً فقط بمسألة شغور الموقع الرئاسي الأول في النظام اللبناني، وأن جلّ ما يريده هو إيصال رئيس ما إلى الجهورية وكفى، ومن ثم إبقاء الأمور الأخرى على حالها، فما يبحث عنه هذا الفريق ليس حلاً لأزمة الوطن، بقدر ما هو حلّ لمأزقه الخاص. وهنا تحديداً يكمن الفارق الجوهري بين مقاربة المعارضة ومقاربة الموالاة لأزمة الاستحقاق الرئاسي.
فالمعارضة لا ترى إلى أزمة الاستحقاق الرئاسي بوصفها أزمة قائمة بذاتها، ومعزولة عما عداها من الأزمات، التي ـ في مجملها ـ تعبر عن نهج ممعن في الخطأ والخطيئة في الحكم، والأدلة على ذلك أكثر من أن تعد وتحصى، ويمكن تعداد  العناوين التالية كأمثلة عليها:
1 - مشكلة الاستئثار بالسلطة القائمة على استبعاد قطاعات كاملة من الطوائف والقوى السياسية اللبنانية، وبجوهر ديموقراطيته الخاصة، والمتمثلة بالتوافق، والتوازن بين مكوناته الأساسية. وهذه المشكلة ليست بالبسيطة، لأنها تشكل الدينامو الخاص المولد ليس للانقسامات السياسية فحسب، وإنما للانقسامات الاجتماعية، الأمر الذي يترجم عن نفسه بالتخندقات الطائفية، وبتخندقات داخل كل طائفة بحد ذاتها. من هنا، فإن العودة إلى دينامية التوافق والتوازن هي المدخل السياسي لإنتاج هذه الدينامية طوائفياً ومجتمعياً، واقفال أخطر مدخلٍ لإثارة الحروب والنزاعات الأهلية الداخلية.
2 ـ مشكلة الشلل البنيوي الذي تعاني منه الحكومة كنتيجة طبيعية للسبب الآنف.
3 - مشكلة قانون الانتخاب.
4 - الدور الأمني والعسكري للمؤسسات الأمنية والعسكرية.
5 - الاصلاحات الاقتصادية وموقع الأبعاد الاجتماعية فيها، أي هل المطلوب اصلاحات تخدم في النهاية الاحتكارات الرأسمالية، والرأسمال الربوي، أم مطلوب اصلاحات تؤسس للتوازن والاستقرار الاجتماعي انطلاقاً من المدخل الاقتصادي.
6 - النظرة إلى الكيان الإسرائيلي.
7 - النظرة إلى العلاقات السورية ـ اللبنانية.
8 ـ الموقف من المقاومة وسلاحها.
إن جل ما يريده فريق الموالاة هو اشغال سدة الرئاسة الأولى، ويتجاوز كل هذه الأزمات، من أجل إبقاء العهد الجديد محاصراً بالأزمات، وليعيد انتاج احباطات نوعية جديدة، كل ذلك في سبيل الاحتفاظ بما يعتبره هذا الفريق امتيازات خاصة له حصل عليها بالدعم الاميركي، وبما يسميه "ثورة الأرز.
في المقابل ترى المعارضة أن أمام اللبنانيين فرصة جادة وحقيقية للخروج من الأزمة اللبنانية من خلال توليد مسار متكامل للحل يلحظ كل عناوين الخلاف، ولا يقف عند حدود الرئاسة الأولى التي تبقى حلقة مركزية يجب أن يبدأ الحل منها ويتواصل الى باقي الحلقات اذا كان يراد بالفعل أن ينطلق العهد الجديد انطلاقة قوية، لا  انطلاقة متعثرة، لا تمنح الناس إلا آمالاً كاذبة، ولذا تركز المعارضة على ضرورة انتاج هذا المسار انطلاقاً  من مسألتين: الأولى شكلية وتتمثل بما يعرف بالآلية الدستورية، فالمعارضة ترى ضرورة تجاوز الحكومة الحالية، لأنه لا يصح منح حكومة السنيورة شرعية بمفعول رجعي، وبالتالي منح قراراتها التي اتخذتها وهي مسلوبة الشرعية صفة هي ليست لها، وإذا كان لا بد من شرعنة هذه القرارات، فليُعد بحثها مجدداً من قبل حكومة وحدة وطنية، فما نبقيه يحظى حينئذٍ بالنفاذ، وما لا توافق عليه، يبحث عن توافق جديد حوله، ومن الواضح، أن هذا الأمر ليس بالاعتراض الشكلي الخالص، فهو يتصل اتصالاً وثيقاً بتصحيح نهج الحكم الاستئثاري من خلال تحويله الى نهج توافقي ـ دستوري، في المقابل يصرّ فريق الموالاة على عكس ذلك، امعاناً منه بتثبيت النهج الاستئثاري كعرف يمكن البناء عليه لاحقاً، وهنا مكمن الخطورة.
والمسألة الثانية تتصل بمضمون  الحل السياسي وموازينه، فالمعارضة تريد حلاً متكاملاً، هذا الحل الذي بات يعرف بالسلة الكاملة، والتي تشمل التوافقات التالية:
ـ شخص رئيس الجمهورية، وهذا ما تمّ مبدئياً، حيث تمّ التوافق على اسم قائد الجيش ميشال سليمان.
ـ رئاسة الحكومة، فالمعارضة ترى أن مبدأ التوافق لا يتجزأ، وما يصح بالنسبة لموقع الرئاسة الأولى، يصح بالنسبة لموقع الرئاسة الثانية، في حين تريد الموالاة الاتيان برئيس فاقع منها، والمتداول اسم النائب سعد الحريري.
ـ التوافق على تركيبة الحكومة، وقد جرى توافق أولي على أن تكون تركيبة الحكومة منسجمة مع نسب التمثيل وتوزعها في المجلس النيابي، أي 55 ـ 45 ـ أو 60 ـ 40 على رأي آخر.
لكن الذي حدث هنا، أن فريق الموالاة سرعان ما انقلب على هذا التفاهم، حيث بدا واضحاً أن هذا الفريق يناور حتى لا يعطي المعارضة الثلث الضامن الصافي، من خلال التلطي وراء موقع الرئاسة الأولى، وإظهار الحرص على منحها حصة في الحكومة تحتسب من حصة المعارضة، وهو بذلك يريد افتعال تناقض مصالح مبكر بين موقع الرئاسة الأولى والمعارضة من خلال وضعهما وجهاً لوجه، هرباً من مواجهة المأزق الكبير داخل صفوفه، حيث يعلم فريق الموالاة أن منح المعارضة الحصة التي لها، خصوصاً العماد عون، ومنح رئيس الجمهورية أيضاً حصة خاصة من المسيحيين لن يبقي له شيئاً يعطيه لمسيحييه، الأمر الذي سيضعه في مواجهة مباشرة معهم، ويعمق ـ بالتالي ـ من مأزقه الخاص.
ومن الواضح، أنه لا يمكن للمعارضة التهاون في هذه المسألة، لأنها تشكل المدخل الجوهري لإنتاج صيغة حكم توافقية، وبالتالي وضع حد لنهج الاستئثار والإقصاء في السلطة، يضاف الى ما تقدم مسألة توزيع الحقائب السيادية، وان كان أيضاً جرى التوافق المبدئي على توزيعها بالتساوي.
ـ قانون الانتخابات، الذي أعلن أيضاً أن توافقاً عاماً تمّ على اعتماد القضاء كوحدة انتخابية.
ـ الموقف من القرارات الدولية، وسلاح المقاومة، وكيف سيتم ترجمته في البيان الوزاري، وفي هذا الإطار، جرى الكلام عن توافق أيضاً.
ـ النظرة الى العلاقات اللبنانية ـ السورية في المرحلة المقبلة.
ـ مسألة قيادة الجيش، وهنا تردد اسم اللواء الركن فرنسوا الحاج كمرشح أول لهذا الموقع، وهو يحظى برضى كبير من المعارضة عموماً والجنرال عون تحديداً، وبتزكية خاصة من رئيس الجمهورية المفترض العماد سليمان، ومن المعروف، أن اسمه مرفوض على الأقل من القوات اللبنانية، وأن تاريخ الرجل يقول بأنه لا يحظى بالموافقة الاميركية، وان لم يصدر مواقف واضحة بذلك، في مطلق الأحوال ما يهم هنا، هو توضيح التالي، إن مسألة قيادة الجيش هي جزء لا يتجزأ من مسار أي حل نظراً لحساسية هذا الموقع، ولحساسية دور مؤسسة الجيش المستهدفة منذ شروع واشنطن بهجومها السياسي والعسكري على لبنان لبناء نظام أمني ـ سياسي جديد يؤهله للدخول في مسار انتاج الشرق الأوسط الجديد، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ما يعني أن الاغتيال ـ وبمعزل عن الجهة المنفذة ـ هو في بعد من أبعاده استهداف لهذا الجزء من مشروع التسوية، وتقويض لآمال  اللبنانيين بالأمن، وربما لفتح الطريق أمام تغييرات قسرية على المدى الأبعد في هيكلية الجيش ودوره وعقيدته الأمنية.
خلاصة القول هنا، إن الموالاة تريد تمديد الأزمة رهاناً منها كما يبدو على متغيرات ما، ولأن تمديد الأزمة من شأنه أن يشكل صمام أمان لأزمتها الخاصة، وبالتالي عدم انفجارها، لأكبر قدر ممكن من الوقت، لذا شرعوا في الانقلاب على مواقفهم، وليغيب الدور الفرنسي التوافقي، لمصلحة الدور الاميركي المعطل، الذي يخشى ـ كما يبدو ـ ان لا تؤدي التسوية الى حماية فريقه في لبنان، بقدر ما قد تعجل في انفراطه.
في المقابل ترى المعارضة أن التناقضات داخل الأزمة اللبنانية بلغت حداً لا تستقيم معه المعالجات الظرفية، ولا بد من اعادة تصويب لمسار الحلول كونه المدخل لتصويب المصير، وحماية لبنان من كل أزمات المنطقة المفتوحة على كل الاحتمالات.
الانتقاد/ العدد1246 ـ 21 كانون الاول/ ديسمبر 2007


2007-12-19